هذا هو الإسلام تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏2‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي

من طرف **ابراهيم** الإثنين مارس 16, 2009 12:34 pm

هذا هو الإسلام
تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏2‏
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف

هذا هو الإسلام تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏2‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي Stawe010

من مظاهر تكريم الله ـ تعالي ـ لنبيه محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ تكرار التبشير به في الكتب السماوية السابقة‏.‏

ومن
الآيات القرآنية التي أكدت هذا المعني قوله ـ تعالي ـ‏:‏ الذين يتبعون
الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم
بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع
عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه
واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون‏[‏ الأعراف‏:157].‏

ففي
هذه الآية الكريمة وصف الله ـ تعالي ـ رسوله محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ
بأوصاف سامية تدعو العاقل المنصف إلي اتباعه والإيمان به‏.‏

الوصف الأول‏:‏ أنه رسول الله إلي الناس كافة بشيرا ونذيرا‏.‏
الوصف الثاني‏:‏ أنه نبي أوحي الله إليه بشريعة عامة كاملة باقية إلي يوم الدين‏.‏

الوصف
الثالث‏:‏ أنه أمي ما قرأ ولا كتب ولا جلس إلي معلم ولا أخذ علمه عن أحد
ولكن الله ـ تعالي ـ أوحي إليه بالقرآن الكريم عن طريق جبريل ـ عليه
السلام ـ وأفاض عليه من لدنه علوما نافعة ومبادئ توضح ما أنزله عليه من
القرآن الكريم‏,‏ فسبق بذلك الفلاسفة والمشرعين والمؤرخين وأرباب العلوم
الكونية والطبيعية‏,‏ فأميته مع هذه العلوم التي يصلح عليها أمر الدنيا
والاخرة‏,‏ أوضح دليل علي أن ما يقوله إنما هو بوحي من الله إليه‏.‏

قال
تعالي‏:‏ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا
الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلي صراط
مستقيم‏[‏ الشوري‏:52].‏

وقال تعالي‏:‏ وإذ قال عيسي ابن مريم يا
بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا
برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين‏[‏
الصف‏:6].‏

والمعني‏:‏ واذكر ـ يا محمد لقومك ـ حين قال عيسي بن
مريم لقومه‏:‏ إني رسول الله إليكم‏,‏ مصدقا لما جاء قبلي من التوراة‏,‏
وشاهدا بصدق رسول يأتي من بعدي اسمه أحمد وهو محمد ـ صلي الله عليه وسلم
ـ‏.‏

فلما جاءهم محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالأدلة الواضحة الدالة علي صدقه‏,‏ قالوا‏:‏ هذا الذي جئتنا به سحر واضح‏.‏

فهذه الآية الكريمة واضحة وضوح الشمس في أن عيسي ـ عليه السلام ـ قد بشر من أرسل إليهم بالرسول محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏.‏

الصفة الرابعة‏:‏ أشار إليها بقوله‏:‏ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل‏.‏

أي
هذا الرسول النبي الأمي من صفاته أن أهل الكتاب يجدون اسمه ونعته مكتوبا
عندهم في التوراة والإنجيل‏,‏ ووجود اسمه ونعته في كتبهم من أكبر الدواعي
إلي الإيمان به وتصديقه واتباعه‏.‏

ومن أجمع ما جاء في التوراة
خاصا بالنبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ما أخرجه البخاري عن عبدالله بن عمرو
بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال‏:‏ قرأت في التوراة صفة النبي ـ صلي الله
عليه وسلم ـ‏(‏ محمد رسول الله‏:‏ عبدي ورسولي‏,‏ سميته المتوكل‏,‏ ليس
بفظ‏,‏ ولا غليظ‏,‏ ولا صاخب في الأسواق‏,‏ ولا يجزي بالسيئة السيئة‏,‏ بل
يعفو ويصفح‏,‏ ولن أقبضه حتي أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا‏:‏ لا إله
إلا الله‏).‏

ثم وصف الله ـ تعالي ـ رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بصفة سادسة‏,‏ فقال تعالي‏:‏ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر‏.‏

ثم وصف الله ـ تعالي ـ رسوله محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث‏.‏

ثم وصف الله ـ تعالي ـ رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بصفة سابعة فقال تعالي‏:‏ ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏.‏

والمعني‏:‏
إن من صفات هذا الرسول النبي الأمي أنه جاءهم ليرفع عنهم ما ثقل عليهم من
تكاليف كلفهم الله بها بسبب ظلمهم‏,‏ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ جاء
بالتبشير والتخفيف‏,‏ وبعث بالحنيفية السمحة‏,‏ ومن وصاياه ـ صلي الله
عليه وسلم ـ‏:‏ بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا‏.‏

ثم ختم الله
ـ تعالي ـ الآية الكريمة ببيان حالة المصدقين لنبيه فقال تعالي‏:‏ فالذين
آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون‏.‏

أي‏:‏
فالذين آمنوا بهذا الرسول النبي الأمي وعزروه‏,‏ بأن منعوه من كل من
يعاديه‏,‏ مع التعظيم والتوقير له‏,‏ ونصروه بكل وسائل النصر واتبعوا
النور الذي أنزل معه وهو ما أوحاه الله ـ تعالي ـ إليه من القرآن
الكريم‏,‏ ومن الهدي الحكيم أولئك هم المفلحون‏,‏ أي‏:‏ الفائزون الظافرون
برحمة الله ـ تعالي ـ ورضوانه‏.‏

وبذلك تكون الآية الكريمة قد وصفت
الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأحسن الصفات وأكرم المناقب‏,‏ وأعلنت بأن
البشارات بالنبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ثابتة في التوراة والإنجيل‏.‏

ومن
كل ما تقدم يتبين لنا أن البشارات بالنبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ثابتة في
الكتب السماوية التي أنزلها الله ـ عز وجل ـ علي رسله‏,‏ وقد صرح بها آخر
رسول أرسله الله ـ تعالي ـ إلي بني إسرائيل‏,‏ وهو عيسي ابن مريم ـ عليه
السلام ـ‏.‏

هذا‏,‏ وإن هذه البشارات بقرب بعثة خاتم المرسلين محمد
ـ صلي الله عليه وسلم ـ لإخراج الناس من الظلمات إلي النور‏,‏ كانت
تستلزمها وتقتضيها حالة الإنسانية في تلك الفترة التي سبقت مولده وبعثته ـ
صلي الله عليه وسلم ـ فقد كان العالم يموج بفتن كقطع الليل المظلم‏.‏

ولقد
صور أمير الشعراء أحمد شوقي ـ رحمه الله ـ حال العالم قبل بعثته ـ صلي
الله عليه وسلم ـ تصويرا حكيما‏,‏ حيث قال في قصيدته نهج البردة‏:‏

أتيت والناس فوضي لا تمر بهم إلا علي صنم قد هام في صنم
والأرض مملوءة جورا‏,‏ مسخرة لكل طاغية في الخلق محتكم
مسيطر الفرس يبغي في رعيته وقيصر الروم من كبر أصم عم
يعــــذبان عبــــاد الله في شــــــبه ويذبحان كما ضحيت بالغنم
والخلق يفتك أقواهم بأضعفهم كالليث بالبهم‏,‏ أو كالحوت بالبلم

وخلال تلك الظلمات التي سادت الإنسانية‏,‏ جاءت البشارات بخاتم الرسل ـ صلي الله عليه وسلم ـ الذي كانت رسالته رحمة للعالمين‏.‏