الإسلام والعدل الاجتماعي بقلم‏:‏د‏.‏ محمد عبدالستار

من طرف karem الإثنين مارس 16, 2009 12:39 pm

الإسلام والعدل الاجتماعي
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد عبدالستار
أستاذ الدراسات العليا ـ جامعة الأزهر

الإسلام والعدل الاجتماعي بقلم‏:‏د‏.‏ محمد عبدالستار 44660_5m

ـ
العدل مفهوم واسع‏,‏ منه ما لا يتحقق إلا بواسطة كالقضاء بكل صوره ـ محاكم
ـ مجالس عرفية الخ الذي يشمل الصلح بين المتخاصمين‏,‏ والذي يكون مظهره ما
يسمي بالعدل القضائي‏,‏ والذي يقول الحق تبارك وتعالي فيه إن الله يأمركم
أن تؤدوا الأمانات الي أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن
الله نعما يعظكم به‏...(‏ النساء‏:‏ آية‏58).‏ وتتعدد مراتب العدل في
الاسلام‏,‏ من عدل أسري تتساوي فيه نظرة الآباء إلي الابناء المبني علي
تساوي نسبة الانتماء إلي تلك الأسرة‏,‏ إلي عدل للرؤساء والمرءوسين الذين
يتساوون في حسن أداء أعمالهم إلي عدل في تثبيت ما يسمي بتكافؤ الفرص‏,‏
فلا يوسد الأمر إلي غير أهله‏,‏

وهنا يبرز الاسلام قيمة عظيمة‏,‏
هي المعيار الحقيقي لإسناد الوظائف المهمة لمن تؤهله مواهبه لها‏,‏ ذلك
فيما قصه القرأن الكريم علينا في شأن يوسف عليه السلام حين أراد عزيز مصر
أن يستخلصه لنفسه وقال له‏..‏ إنك اليوم لدينا مكين أمين‏,‏ قال يوسف‏:‏
اجعلني علي خزائن الأرض اني حفيظ عليم‏(‏ سورة يوسف‏:55,54)‏ وحفيظ هنا
بمعني الأمين وعليم بمعني الخبير‏.‏ ولما كان قصص الأنبياء عليهم السلام
ليس حديثا يفتري‏,‏ وانما ساقه القرأن الكريم للاعتبار به واستلهامه‏,‏
فإن هذا المعيار مطلق‏,‏ صالح للتطبيق في كل زمان ومكان‏,‏ وبمفهوم
المخالفة الذي هو مبدأ منهجي عام‏,‏ ندرك أن كل معيار يخالف ذلك فإنه
إسهام مباشر في الخلل الاجتماعي ونذير شؤم في سرعة انهيار المجتمع‏.‏

ـ
ولعل من أعلي درجات العدل الاجتماعي بجانب عدل الحكام بين محكوميهم‏,‏
وعدل المؤسسات مع كل من يتعامل معها‏,‏ ذلك النوع الذي يمكن أن نسميه
بالعدل الايثاري وهو نوع يفرضه الايمان القوي الذي يملأ القلوب والنفوس
بفاعلية كل الصفات الايجابية الاجتماعية‏,‏ مثل‏:‏ الحب ـ التعاون ـ
الايثار ـ التكافل ـ الإخاء ـ البر‏,‏ تلك الصفات التي بها ينخلع الانسان
من فرديته وأنانيته‏,‏ ليكون حقيقة اجتماعية‏,‏ تؤدي دورها في بناء
المجتمع واستقراره وتطوره‏.‏ ولعل من أبرز الصور التي جسدها القرأن الكريم
في هذا المقام‏,‏ تلك التي تحدث فيها عن المهاجرين والأنصار‏,‏ فقال عن
الأولين للفقراء المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من
الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون وقال عن الآخرين
والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في
صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح
نفسه فأولئك هم المفلحون‏(‏ سورة الحشر‏:9,.‏

ـ إن الانصار حين
عرضوا علي المهاجرين أن يقاسموهم أموالهم‏,‏ لم يكن ذلك بحكم قضائي‏,‏
ولكنه حكم رضائي زكاه إيمان قوي وإخاء ايجابي‏,‏ وبه نعلم أن العقيدة
الايمانية ليست كلاما يقال‏,‏ وإنما معيارها ماتحدثه من مواقف إيجابية
تكون تعبيرا عن مدي قوتها وتأثيرها‏.‏ وفي ضوء ما تقدم نري أن العدل
الاجتماعي بهذا المعني ليس له ما يشابهه في النظم الاجتماعية الأخري‏,‏
فالنظم الاشتراكية أحلت الطبقة محل الفرد لتظهر أنانية من نوع آخر‏,‏ هي
الأنانية الطبقية‏,‏ والنظم الرأسمالية أحلت الفرد محل الجماعة‏,‏ حتي
شاهدنا في ظلها تلك الفوارق الحادة بين قلة تملك المال وكثرة مسحوقة
مطحونة‏,‏ وكان مصير النوع الأول ما رأينا‏,‏ حيث تصدعت من داخلها‏,‏
لأنها جاءت مخالفة للفطرة الصحيحة ولطبيعة الأشياء‏,‏

وأما النوع
الثاني فليس ببعيد أن يصير الي نفس المآل ولنفس الأسباب‏.‏ إن الأنانية
والاثرة في مقابلة الفضائل التي ذكرنا بعضها أنفا ما كان لها إلا أن تحدث
تلك النهاية المظلمة‏,‏ وأما الصالحون الذين استجابوا لنداء الحق‏,‏ فقد
وعدهم بأنهم وارثو هذه الأرض‏,‏ وجاءت تلك البشارة لا في القرآن ا لكريم
وحده‏,‏ بل في الكتب السماوية السابقة‏,‏ وصدق الله العظيم حيث قال‏:‏
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون‏,‏ إن
في هذا لبلاغا لقوم عابدين‏(‏ سورة الأنبياء‏:106,105),‏ وتوحي هذه الأية
وما ماثلها بشحنة من الأمل الواعي بحقيقة مصائر الأمم ليتركز في وعينا أن
الأمة المؤمنة هي المؤهلة لقيادة العالم من جديد‏,‏ وفي ضوء ذلك تسقط كل
المعايير المادية التي تجعل من السيطرة والاستعلاء والقوة الغشوم أساسا
للهيمنة والقطبية‏,‏ لأن هذا كله لم يقم علي أساس قويم من دين صحيح وعقل
صريح‏,‏ فهل يعقل القوم ذلك كله؟ وهل يعقلون أن العدل بالمعني الذي سقناه
هو أساس أمن الشعوب واستقرارها؟