تجديد الفكر الإسلامي ونهضة الأ مة بقلم‏:‏د‏.‏ ابراهيم أبومحمد

من طرف karem الإثنين مارس 16, 2009 12:41 pm

تجديد الفكر الإسلامي ونهضة الأ مة
بقلم‏:‏د‏.‏ ابراهيم أبومحمد
رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية ـ سيدني

تجديد الفكر الإسلامي ونهضة الأ مة بقلم‏:‏د‏.‏ ابراهيم أبومحمد 44660_4m

واقع
العالم الاسلامي يغري بالقضم والهضم من قبل قوي كبري في أوج قدرتها‏,‏
مجموعة من الدول تتباين فيما بينها وتختلف في أجناسها ولغاتها
وثقافاتها‏,‏ ومع ذلك تلتقي في وحدة أوروبية‏,‏ لها قوة دفاع مشتركة‏,‏
وسوق أوروبية مشتركة‏,‏ وعملة مشتركة‏,‏ وتتعامل مع قضايا العالم بتصور
مشترك يحمي مصالحها ويحقق أهدافها‏,‏ ويفرض احترامها بين دول العالم‏,‏
وتسعي وتتطلع دول كثيرة لانضمام إليها‏.‏

وفي المقابل أمة بدولها
ومجتمعاتها‏,‏ لها دين واحد ولغة واحدة‏,‏ وهمومها تكاد تكون واحدة‏,‏
تواجه أطماعا واحدة‏,‏ ومع ذلك تكاد تختلف فيما بينها ولاتتفق ولا علي شيء
واحد‏..‏ تملك من الإمكانات مايجعلها في مقدمة الأمم‏,‏ ولديها من الثراء
والثروة مايمكنها من تجاوز كل عقبات التخلف‏,‏ ومع ذلك تعيش في أحط درجات
ضعفها‏,‏ الآخرون هم الذين يقودونها‏,‏ فبأمرهم تأتمر‏,‏ ولإرادتهم
تخضع‏,‏ وفي فلكهم تدور‏,‏ وحول أهدافهم تتمركز كل حركتها وكل نشاطها

ولقد
كان من الطبيعي أن يستفز هذا الوضع القلق إرادة الأمة عامة‏,‏ وعلماءها
ونخبها الثقافة والأكاديميين فيها بشكل خاص لاعادة النظر في أنساق القيم
التي توجه سلوك أبنائها وتكون ثقافتهم وتحدد علاقتهم بما تحمله تيارات
العولمة من ثقافات تتسم بطابع الكونية‏,‏ كما تحدد مكانها واتجاهاتها في
تلك الكونية الجديدة‏.‏

ولم يكن من المقبول ولا من المعقول ان
ننكفئ علي الذات مكتفين بالماضي التليد‏,‏ ذاكرين بأنه قد كان لنا مكان
الصدارة في يوم ما‏,‏ وكنا نحن العالم الأول‏.‏ وإذا كان البعض قد سارع
بالاستجابة إلا أنه انطلق في تناول الموضوع من موقع التبعية المنبهرة بما
حققته حضارة العصر من منجزات وانجازات في عالم المادة‏,‏ وهذا المنطلق
الخاطئ من بدايته ظل يحكم هؤلاء في رؤيتهم ورؤاهم للمشكلة ومن ثم كانت
طريقة المعالجة تكرارا لنفس المنهج الذي أدي إلي وجود الأزمة وهيأ مناخلها
وبيئتها‏.‏

وقد زاد الإشكالية تعقيدا أن هذا المنهج المعلب والمعبأ
في بيئة مختلفة عن بيئتنا وقيمنا لايحمل في مكنونة ثوابت الأمة ولايحسب
حسابها فيما يجوز وما لايجوز‏,‏ ومن هنا تناسي المنادون به ثوابت الأمة
وغفلوا عن طموحاتها في ولوج عالم اليوم وهي مزودة بمنظومة قيم تنفتح علي
الاخرين دون أن تفقد خصائصها‏,‏ تأخذ منهم وتعطيهم بعد الفرز والغربلة
بمعيار ومقياس‏,‏ فإن كان حقا وخيرا قبلته وشكرتهم عليه‏,‏ وإن كان شرا
وباطلا رفضته ونبهتهم إليه‏,‏ وعذرتهم علي ذلك‏,‏ وليس ذلك بدعة ثقافية‏,‏
ففي عصور ازدهار الحضارة الإسلامية سعي المسلمون للانفتاح علي الحضارات
الاخري والثقافات الاخري والتحاور معها‏.‏

ولئن اعترفنا في حياتنا
السكانية بوجود عشوائيات نشأت في غياب التخطيط والمراقبة‏,‏ تشكل نتوءات
وشذودا في المدائن والقري‏,‏ فإن في حياتنا الفكرية والثقافية عشوائيات
وفدت إلينا في عصور الانحطاط واستقرت‏,‏ ثم زادت عن طريق الوافد الثقافي
الجديد الذي مكن لهذه العشوائيات في بيئتنا‏,‏ وغرس عن طريقها خلايا الفكر
المهجن والمدجن‏,‏ فعشعشت في ثقافتنا‏,‏ وهي خلايا من نوع خطير لاتشوه
الصورة فقط‏,‏ وإنما تعمل علي كسر إرادة الأمة وتحويلها إلي أمة متسولة
ملتحقة ومنسحقة‏.‏

واستقبلت أمتنا تلك الخلايا‏,‏ وقد هدها طول
السبات فلم يعد لديها في جهاز المناعة من القوة ماتصد به أو تحاصر تلك
الجراثيم ومن ثم تمكنت هذه الخلايا من مزاحمة الفكر الصحيح‏,‏ وعكرت صفو
المنابع الصافية في تراثنا الفكري وعطلت النهضة وأخرت دور التجديد
والمجددين

لابد أن نعرف من نحن؟
وماذا نريد تحديدا؟
وما الذي يمكن أن نأخذه وما الذي يمكن أن نرفضه؟
وهل لنا أصلا خيار في القبول أو الرفض؟
وهل لدينا منظومة من القيم تمكننا من التعامل مع المتغيرات مع الاحتفاظ بالخصوصية؟
وما الذي يمكن أن نفعله لنحصن أمتنا ضد تلك العشوائيات؟
الإجابة عن تلك الأسئلة تحدد أولا إمكانات الذات حين تتعامل مع الآخر‏.‏

كما
لابد أن تكون تلك الاستجابة مؤطرة بسقف معرفي يحمل في رؤيته بجانب ثوابتنا
البعد الإنساني لما تحمله قيم الآخرين‏,‏ ويأخذ في الحسبان ونحن بصدد
الحديث عن منظومة القيم الاعتبارات التالية‏:‏

ـ أن الفطرة قاسم مشترك بين البشر في كل المجتمعات وفي كل الشعوب والأمم مهما اختلفت الأجناس والألوان واللغات

ـ أن الحضارات تراكمية وبينها تلاقح وأخذ وعطاء‏.‏
ـ
أن التفاعلات في الأفكار والثقافات وما لذلك من تأثير في نسق القيم
السائدة كل ذلك ينتقل من عصر لآخر ومن بلد إلي آخر ومن حضارة إلي حضارة
أخري‏,‏ وخصوصا ونحن نعيش عصر السماوات المفتوحة بفضائيات تفوق العد
والحصر‏.‏

فإذا أضيف إلي ذلك ما أنتجته وسائل العصر من منظومة
اتصالات تجاوزت بالصوت والصورة كل الحواجز والحدود‏,‏ وإذا وضعنا ذلك في
الاعتبار فإن قضية الانفتاح علي الآخرين والتعرف علي ما لديهم ـ ثقافة
وحضارة ـ تصبح مطلبا ملحا للاسفادة مما تحقق هناك‏.‏

والاستجابة
للتحدي لابد أن تنطلق من رؤيتنا نحن وبعيوننا نحن‏,‏ ووفق ثوابتنا نحن‏,‏
ثم لابد أن تكون تلك الاستجابة الاستجابة محسوبة بأن تملك فعلا‏,‏ لا بما
نتمني ان نملك‏.‏

وإذا كان بعضنا يجد في البحث لطلب العافية لأمتنا
ويستنهض همة النخبة من الباحثين ليسهموا في نهضة ثقافية تحاول نفض السبات
عن الأمة بتجديد الفكر الإسلامي وصياغة مشروع ثقافي من النوع الثقيل
وإنهاء الغيبوبة التي طال ليلها‏,‏ وذلك مطلب يشكل أمنية وحلما استطابته
قلوب المخلصين‏,‏ ولطالما دعت إليه أقلامهم‏,‏ فإن علي حركة التجديد
ودعاتها والملتزمين بها أن يحددوا أولا موقفهم من تلك العشوائيات الثقافية
والفكرية التي تملأ الساحة وتساهم في استمرار غيبوبة الأمة‏,‏ وتصب علي
عقول الأفراد سيلا من المخدرات الثقافية التي تدغدغ غرائزه وتفصله عن
واقعه المرير‏,‏ وتجعله يعيش معزولا عن الزمان والمكان‏,‏ مفصولا عن
تاريخه وتراثه‏.‏

نقطة البدء هنا تبدأ بتنظيف الحقل الذي اختلط
حابله بنابله‏,‏ وذابت فيه النائحة الثكلي بالنائحة المستأجرة‏,‏ لذاك فقد
وجب التخلص من تلك العشوائيات أولا ليكون التجديد علي قاعدة صحيحة ومن
خلال منطلق صحيح

ثانيا‏:‏ منطلق التجديد لابد أن يبدأ من رصيدنا
نحن‏,‏ وذلك يتطلب المصالحة مع الذات الفكرية والثقافية وإنهاء القطيعة
بيننا وبين تراثنا‏.‏

ثالثا‏:‏ العودة إلي الذات تتطلب قدرا من
الثقة تزول معها حالة الالتباس بين الثوابت والمتغيرات من ذلك التراث‏,‏
ولابد أن تتضح الفروق بين الوحي المعصوم قرآنا وسنة‏,‏ وبين المخزون
الفكري والثقافي لعلمائنا‏,‏ علي أن يتم التعامل معه بقدر كبير من
الاحترام والتقدير‏,‏ وبعيدا عن القداسة والعصمة التي لم تثبت لغير القرآن
والسنة‏.‏

وفي هذا الصدد لن ننطلق من فراغ‏,‏ فبرغم الضعف والسبات
المصحوب بحالات التخلف والعجز والتبعية الممقوتة ـ فلسنا أمة تقف في مهب
الريح لاجذور لها‏,‏ إنما نحن أمة لديها رصيد ضخم وعظيم حرك الدنيا وغير
التاريخ‏,‏ وأعاد للوجود رشده وحرارة الحياة‏,‏ وهذا الرصيد الملزم
لايمنعنا من الاستفادة من تجارب الآخرين وحكمتهم‏,‏ ولايحول بيننا وبين
النظر في معطيات الحاضر والأخذ منه‏,‏ كما أنه يشكل بالنسبة للتراث
الإنساني بعمومه أعلي وأغلي وأغني رأسمال‏.‏

وفي هذا الرصيد الضخم
منظومة من القيم تتسع دوائرها وحلقاتها لتشمل كل ميدان في الحياة‏,‏ كما
يتسع تأثيرها ليصل لكل فرد ويصبغ كل سلوك للفرد والمجتمع والأمة‏.‏