أوروبا العصور المظلمة بقلم : د‏.‏ ليلي تكلا

من طرف صفاء الثلاثاء مارس 17, 2009 3:49 pm

أوروبا العصور المظلمة
بقلم : د‏.‏ ليلي تكلا

تاريخ
أوروبا جدير بالدراسة‏,‏ فهي لم تصل إلي ما وصلت إليه من علم وثقافة
واختراع وابتكار واحترام لمبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة إلا بعد أن
مرت بعصور مظلمة مازالوا يخجلون منها‏.‏ تلك هي الفترة بين سقوط روما
وسقوط القسطنطينية‏.‏ ولكي نبدأ التاريخ مع بدايته نقول باختصار‏:‏ اعتنق
الامبراطور قسطنطين المسيحية بعد أن كان أسلافه يعذبون المسيحيين بهدف
القضاء علي تلك العقيدة الجديدة التي تنكر عبادة الأوثان‏,‏ تنادي بالرحمة
والمحبة‏,‏ وبوحدة الإنسانية ورفض الاستعباد‏.‏ انتقل قسطنطين إلي الشرق
وأسس القسطنطينية‏.‏ اهتم بشئون الدين أصدر مرسوما سنة‏313‏ للسماح
بالمسيحية ومنع الاضطهاد ودعا لتوحيد الكنائس‏.‏ خلفه تيودوسيوس وكان
متزمتا فقام بهدم المعابد الوثنية ومنع أي ديانة أخري غير المسيحية‏,‏
وأصبح لرجال الدين وآرائهم مكانة خاصة‏.‏

ثم انهارت الامبراطورية
الرومانية أمام القبائل الجرمانية‏,‏ وانهزمت القوي السياسية والعسكرية‏.‏
انقسمت البلاد وتوزعت السلطة المركزية علي المحليات التي استولي النبلاء
علي أجزائها‏.‏ وظهر نظام الإقطاع في مجموعات ضعيفة متناثرة‏,‏ لم يبق في
الساحة واقفا سوي السلطة الدينية منفردة والانفراد بالسلطة يفسد‏,‏ سيطر
رجال الدين علي القرار وعلي العقول‏..‏ جعلوا ينشرون ما يرون من مبادئ‏,‏
يفسرون الآيات حسب مصالحهم وليس بما جاء بالإنجيل‏,‏ بدأ رجال الدين
يستمدون السلطة الدنيوية‏,‏ تناسوا رسالتهم الروحية السماوية‏,‏ واهتموا
بأمور الدنيا‏,‏ وتمسكوا بالسيطرة التي تلغي العقل والفكر والرأي
والمبادرة‏,‏ اعطوا لأنفسهم حق الادانة والعقاب‏,‏ اصبحت الفتوي صنعة من
لا صنعة له‏,‏ وحققوا منها ثراء واسعا نصبوا أنفسهم مشرعين ومحاسبين وقضاة
ومنفذين للأحكام الصادرة ضد أي فكر يقوض سلطاتهم أو يسمح للإنسان أن يفكر
لنفسه‏.(‏ فرضوا علي الشعوب كيف يفكرون وماذا يفعلون وماذا يقولون بل وأي
ملابس يرتدون‏),‏ حرم المفكرون من الحق في إبداء الرأي أو الاختلاف
ومجادلة الحجة بالحجة‏.‏
‏
***‏
عندما
أراد البابا جيريجوري السابع تجميع القوي المحاربة في أوروبا حوله قام
بحروب الفرنجة ـ التي يطلق عليها خطأ الصليبية لأن الجنود كانوا يرسمون
الصليب علي ملابسهم ـ وعندما فشل أن يجد آية في الإنجيل تبرر الغزو ادعي
انها لحماية المقدسات المسيحية في فلسطين‏.‏ وهناك قتل العرب المسيحيين
والمسلمين واليهود وكهنة الكنيسة الشرقية علي حد سواء بل قاموا بغزو مماثل
لقمع الكاثوليك في جنوب فرنسا لعصيانهم الأوامر‏,‏ اضطهدوا كل من تجرأ علي
تقديم فكر مستنير‏..‏ هؤلاء حوكموا وصدرت ضدهم أحكام بالعقاب والنفي
وتوقيع الغرامات بأشكالها‏,‏ وإن أراد صاحب فكر الدفاع عنهم عوقب بدوره‏.‏

ارتكبوا
الجرائم باسم الدين وقتلوا الأبرياء باسم العقيدة وهي منهم براء‏,‏ فرقوا
بين الأزواج‏,‏ شككوا الإنسان في كل ما يفعل وكل من حوله وجرموا كل سلوك
قد يؤدي الي يقظة عقلية جعلوا الكتابة خطيئة‏,‏ والقراءة خطيئة‏,‏ والفن
عثرة‏,‏ والمبادرة بالرأي انحرافا يستحق العقاب‏.‏ قامت محاكم التفتيش
لعقاب المخالفين وصدرت صكوك الغفران والفتاوي لمكافأة الملتزمين‏,‏ رفضوا
المعتقدات الأخري جميعها وتصوروا أن عقيدتهم وحدها صحيحة‏.‏
‏
***‏
كانوا
يخشون أكثر ما يخشون ليس العدو لكنهم كانوا يخشون عقل الإنسان‏..‏ الذي هو
أروع وأعظم هبة من الخالق للمخلوق فهو الذي يمكنه من أن يثور ضد سلطانهم
وينتقص مما يتمتعون به من مزايا ومكاسب‏.‏ كان النور عدوهم الأول فالنور
يظهر الحقائق ويوضح الأمور ويضع كل شئ في نصابه الصحيح وحجمه الطبيعي‏.‏
اذا غاب النور ساد ظلام لا رؤية فيه ليتخبط البشر ويتطاحنوا صراعا حول ما
لا يعرفون‏..‏ ولا يدركون ما يفعلون لأنهم لا يرون بعد أن فقدوا الرؤية
والرؤي‏.‏

عندما قدم كوبرنيكس نظريته التي تقول إن الأرض جرم سماوي
متحرك اعتبر زنديقا يستحق الموت‏,‏ وعندما أيده جاليليو اعتبر مخالفا
لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية وحكم عليه بالاقامة الجبرية خارج روما مدي
الحياة‏.‏ وضعوا قائمة بالكتب المحرمة وكانوا يعاقبون من يحوزها بما فيها
كتب ابن رشد حول تفضيل العقل علي النقل‏,‏ رفضوا مدرسة ارسطو لانها تقوم
علي العقل والمنطق ولا تناسب الهيمنة الدينية‏,‏ استعملوا اسلوب الحرمان
من الكنيسة لعقاب كل من خالفهم حتي لو كان امبرطورا مثل هنري الرابع في
المانيا لانه رفض تسلطهم‏,‏ وفريدريك الثاني‏(‏ أعجوبة الدنيا‏)‏
لتمرده‏,‏ تمسكوا بمظاهر الاخلاق بسلوك غير اخلاقي ضد الدين رفضوا الفكر
العلمي بل كفروه وانتشرت الخرافات والخزعبلات والتفسير الديني للظواهر
الطبيعية والاجتماعية‏,‏ انتشر ظلام خيم علي العقول فتوقفت‏,‏ ساد الخوف
والجمود‏,‏ ارتد الزمان وتوقفت مسيرة العلم والتقدم‏.‏

عندما اراد
شاعر ان يصور اهوال الموقف قال‏:‏ لو ان عصفورا تغني بصوته الملائكي‏..‏
لعوقب لانه لم يردد الاغاني الدينية ولعلهم عاقبوا عصفورا علي شدوه؟‏!‏
‏
***‏
لكن‏..‏
هذه الاحوال الظالمة والمظلمة ما كان يمكن ان تستمر لأن الله ـ سبحانه ـ
يجرب البشر ولا ينساهم وصحيح العقائد السماوية لابد ان يظهر يوما وينتصر
لها‏,‏ اما كيف كان الخروج من تلك الحقبة الي التحرر والنور والمعرفة‏..‏
فهذه قضية أخري‏.‏
‏
***‏
ملحوظة‏:‏
أي تشابه بين هذه الأحداث وغيرها هو من قبيل المصادفة‏..‏ او لأن التاريخ
يعيد نفسه‏,‏ فهل لنا في التاريخ عظة‏...‏ وأمل؟‏!‏