تحية للنائب العام بقلم : محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم : محمد علي إبراهيم
تحية للنائب العام

يستحق النائب العام تحية كبيرة جداً من
الشعب المصري.. قراران صدرا عنه أو بسببه مؤخراً كانا سبباً في انضباط
ميزان العدالة بعد أن شعر كثيرون أن الأقوياء بنفوذهم أو مالهم أو سطوتهم
يمكنهم انتزاع الأحكام لصالحهم.

الحكم الغيابي الذي صدر بحبس ممدوح إسماعيل مالك العبارة السلام 98
سبعة أعوام مع الشغل والنفاذ أكد أن النيابة هي أقوي دروع الشعب.. النائب
العام في استقلاليته ونزاهته لا يعرف حكومة أو معارضة.. ولا يتحدث بلسان
الحزب الوطني أو يعبر عن آخرين.. انه ضمير الشعب وحارسه من الظلم أو
الإجحاف.. هو صمام الأمان الذي يركن إليه الناس ويرتضون حكمه ويقتنعون
بأسبابه لأن بصيرته نافذة ولا يتطرق إليه باطل أو شك.

عظمة الحكم الذي صدر ضد ممدوح إسماعيل الذي راح 1034 شخصاً ضحايا
لأخطائه هو وطاقمه. أنه أكد أن "الفقير له ثمن" وهناك من ينتصر له ويجلب
له حقه حتي لو هرب منه هذا الحق في جولة أو أخري. فإن هناك دائماً "فرامل"
تعيد الحق وتنتصر للمظلوم.

لم يكترث النائب العام لثراء ممدوح إسماعيل ولم يهمل ضحاياه لأنهم
فقراء معوزون. من أجل هذا سارع المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام
بالطعن علي حكم البراءة الصادر لصالح إسماعيل في 27 يوليو 2008 وهو الحكم
الذي برأه براءة الذئب من دم ابن يعقوب وأسقط التهمة عن ابنه في حين تمت
معاقبة مسئولين في شركته.

عظمة النائب العام أنه لم يتكاسل عن الإقدام علي ممارسة حق من حقوقه
وهو الطعن علي حكم البراءة وأقام الدليل علي فساده وبطلانه باستدلال منطقي
متسلسل النتيجة وواضح القصد.

من ثم فإن صدور الحكم الأخير ضد إسماعيل جعل الناس في بلادي تؤمن
بالدليل القاطع أن العدل أساس الملك.. ليس شعاراً يكتب فوق المحاكم
وتلتقطه الأعين في عبورها السريع أمام بيوت العدل وقلاعه. ولكنه أصبح
واقعاً ملموساً يدركه المواطنون وتشخص إليه أبصارهم.

انظر إلي شعور أهالي الضحايا أثناء سماعهم لحكم البراءة ثم حكم
الإدانة.. انتقلوا من الظلمات للنور.. لقد راجعت الصور التي نشرت في الصحف
بيوليو الماضي وبعد صدور حكم الإدانة ضد إسماعيل الأربعاء الماضي. فشعرت
بمعني أن تحيي إنسانا.. ليس ببعث الروح فيه ولكن أن ينزل عليه برداً
وسلاماً ويشعر أن أقاربه وأهله لم يفقدوا حياتهم سدي.

يخطئ من يتصور أن التعويضات الهزيلة التي دفعتها شركة ممدوح إسماعيل
لأهالي الضحايا يمكن أن تطفئ نار اللوعة أو ألم الفراق أو تمسح دموع أيتام
وأرامل وثكالي.. هؤلاء معظمهم من أهل الصعيد لا يقبلون دية في حياتهم
العادية. فكيف يقتنعون أنها ثمن بخس لضحاياهم.

الزغاريد التي انطلقت في قاعة المحكمة التي أصدرت حكمها علي ممدوح
إسماعيل كانت تعبيراً عن أن النار بردت في القلوب وأن لهم في القصاص حياة
يا أولي الألباب.. طعن النائب العام علي حكم البراءة الذي صدر في الدرجة
الأولي هو الذي أنزل العقاب بالمليونير الهارب الأسبوع الماضي.

الاستدلال المنطقي للطعن المقدم من النيابة العامة علي حكم البراءة
هو الذي مكن المنصة العادلة من إصدار ما اقتضته وهي راسخة مطمئنة وواثقة
الخطي.

الحكم أكد أن الفكرة الخاطئة التي أخذها الناس بعد براءة ممدوح
إسماعيل قد ولت وزلزلت ونسفت في أعماقها.. بعد البراءة الأولي كان أهالي
الضحايا يلطمون الخدود ويولولون ويصرخون ليس ضد الظلم الذي حاق بهم ولكن
ضد الأفكار الخاطئة وهي أن القضاء يمكن أن يرضخ لسطوة المال أو لطغيان
النفوذ وأن المياه لا يمكن أن تطلع للعالي.. لكنها طلعت.. لم تطلع فقط بل
فاضت وروت ظمأ الناس لعدل مستحق وعقاب كان له أن ينزل منذ زمن.

لقد أنصف الطعن الذي قدمه النائب العام والحكم الذي أصدرته محكمة
سفاجا شيئاً مهماً يفتقده المهمشون والفقراء وأصحاب الحاجات.. أنصف الحكم
شعور المرء بآدميته وإنسانيته.

عاد إلي الذين يعيشون في القاع الإحساس بأن العدل أمان لهم وأنه قادر
علي القصاص ممن اغتصب منهم حياة أو حقا.. انزاح الهم والغم الجاثم فوق
الصدور وولي الظلم والقهر.

لقد أثبت النائب العام والقضاء العادل أن الفقراء في مصر لهم سند وظهر قوي يلجأون إليه في الشدائد ليخفف عنهم قسوة الأيام.


تحية أخري للنائب العام ورجاله وللقضاء العادل الشامخ الذي أمر بإعدام
مغتصبي فتاة كفر الشيخ التي خطفوها مصداقاً لقوله تعالي في سورة المائدة
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا
أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي
في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم".

لقد كرهت نفسي وكرهت الصحافة عندما قرأت مقال زميلي شريف الشوباشي في
الأهرام الذي انتقد فيه حكم الإعدام الصادر ضد الذئاب البشرية.. ويبدو أن
الفترة التي قضاها في فرنسا بعيداً عن وطنه وأهله وعاداته وتقاليده صبغت
تفكيره بالصبغة الأوروبية فكتب في الأهرام يقول: "هل الحكم بإعدام خمسة
قاموا باغتصاب فتاة منع الاغتصاب في مصر.. بل زاد وهناك حالة كل نصف ساعة
في بلادنا.. ان كل دول العالم المتقدمة ألغت حكم الإعدام فلماذا نبقيه؟!".

يا أستاذ شريف ضع نفسك مكان والد ووالدة الضحية هل كنت تكتب ما كتبت
إذا ما تعرضت شقيقتك أو زوجتك لا قدر الله إلي موقف مماثل؟! بل ضع نفسك
مكان الضحية نفسها التي تظل آثار الجريمة معها إلي الأبد حتي لو تزوجت
وأنجبت.

الحمد لله أن أمثال شريف قليلون ممن يتشدقون بالحضارة والمدنية
والتقدم علي حساب الأخلاق والدين.. والحمد لله أيضاً أن في مصر قضاء عادلا
ونائبا عاما محترما ويقظا ومصريا صميما ويعرف أنه نصير المستضعفين في
الأرض والمدافع عن رجولة وأنوثة وطفولة كل مصري ومصرية في هذا البلد الذي
أدعو الله أن ينجيه من شرور أبنائه وسيئات أعمالهم. أما أعداؤنا فنحن بهم
كفيلون وعليهم قادرون بإذن الله.