في افتتاح الملتقي بقلم‏:‏ أحمد عبدالمعطي حجازي

من طرف koko الأربعاء مارس 18, 2009 10:49 am

في افتتاح الملتقي
بقلم‏:‏ أحمد عبدالمعطي حجازي

ها نحن في هذه الأيام القاسية التي تمر بها منطقتنا ويمر بها العالم كله‏,‏ لاملجأ لنا إلا الشعر‏.‏

في
هذه الأيام التي نواجه فيها العنف الوحشي‏,‏ وتهب علينا ريح اليأس‏,‏
ويملؤنا الشعور بالعزلة والوحشة‏,‏ ما الذي بقي لنا إلا الشعر؟‏!‏

النزاعات
العرقية من حولنا‏,‏ والصراعات المذهبية‏.‏ وآلة الحرب الإسرائيلية بكل ما
لها من جبروت وما تتلقاه من عون وتشجيع تسحق مدن الفلسطينيين وتطحن لحمهم
وعظامهم‏,‏ والأزمة الاقتصادية تعصف بالجميع‏,‏ والطغاة المستبدون يواصلون
استبدادهم ويجددونه‏.‏ وحقوق الانسان كلام يقال‏,‏ والديمقراطية لاحول لها
ولاقوة‏.‏ الفقر يلد الفقراء‏.‏ والنساء مضطهدات‏.‏ والرجال مضطهدون‏.‏
والاطفال اعمار بلا مستقبل‏.‏ والتطرف الديني هو الثمرة المرة لهذا
الشقاء‏.‏ ولاملجأ لنا إلا الشعر‏!‏
‏
***‏
الشعر ملجؤنا‏,‏ لأنه لغة نعلن بها عن وجودنا‏,‏ ونتمثل إنسانيتنا‏,‏ فنحن باللغة بشر‏,‏ بالعقل الذي يفكر‏,‏ واللسان الذي ينطق‏.‏

والشعر
ملجؤنا‏,‏ لأنه لغة خاصة لانفكر بها فقط‏,‏ ولانتواصل فحسب‏,‏ بل نتجسد
فيها‏.‏ أي نكون‏,‏ ونعبر عن وجودنا بكياننا‏,‏ كله بأرواحنا وأجسادنا‏,‏
بحواسنا وعواطفنا‏,‏ بكل مالنا من طاقات وملكات نصف بها ما نري‏,‏ ونخبر
عما حدث‏,‏ ونتذكر ما كان‏,‏ ونتخيل ونتوقع ما سوف يكون‏.‏

أتحدث
عن الشعر بأوسع معني للكلمة‏,‏ والشعر في أوسع معني له‏.‏ هو الشعر في
أعمق معني له‏,‏ وأقصد جوهره الذي يتمثل في كل قصيدة علي نحو خاص‏,‏
فالقصائد تختلف‏,‏ لأن الشاعر يختلف عن الشاعر‏,‏ والجيل يختلف عن
الجيل‏,‏ والعصر يختلف عن العصر‏,‏ والبلد عن البلد‏,‏ واللغة عن اللغة‏,‏
لكن جوهر الشعر واحد‏.‏

ولأن الجوهر يظل واحدا مهما تعددت الصور
والأشكال والأساليب‏,‏ فالشعر لايهم الشعراء وحدهم‏,‏ ولايهم النقاد
وحدهم‏,‏ ولايهم جمهوره الخاص فحسب‏,‏ وإنما يهم الجميع‏,‏ لأن الجميع
يحسون وينفعلون‏,‏ ويتمثلون الحق والصدق‏,‏ والخير والجمال‏,‏ ويتكلمون
اللغة التي ينظم بها الشاعر قصيدته‏,‏ والتي يعد الشعر أروع آثارها وأكمل
تعبير عنها‏.‏

والشعر بهذا المعني ملكية عامة‏,‏ لأنه تراث مشترك
لكل من يتكلم لغته ولو كان أميا‏.‏ تماما كما يكون التاريخ القومي تراثا
مشتركا حتي لمن يجهله من أبناء الأمة التي صنعته‏.‏

وكما تكون أرض الوطن ملكية عامة ولو لم يكن لنا فيها إلا موضع قدم‏,‏ وكما تكون سماؤه وشمسه وقمره ملكا للجميع‏.‏

هكذا ينظم الشاعر قصيدته وفي وعيه أو لاوعيه هذا الجمهور العريض الممتدة أجياله في الماضي والحاضر والمستقبل‏.‏
‏
***‏
نحن
نقرأ قصائد الجاهليين كما لم يقرأها الجاهليون أنفسهم‏,‏ ولاشك أن أبا
فراس لم يكن في خاطره ـ حين نظم قصيدته الرائية التي غنتها أم كلثوم ـ أن
الفلاحين المصريين الجالسين في المقاهي القروية سيستمعون إليها‏,‏ ويرددون
عباراتها وأبياتها‏,‏ رغم أن بعضهم أو أكثرهم لايقرأ ولايكتب‏.‏

الشعر
إذن موجود حتي بالنسبة لمن لايقرأون الشعر‏,‏ وهو بهذا المعني ملجأ
للجميع‏,‏ إن لم يعرفوا طريقهم إليه اليوم فسوف يعرفونه غدا‏,‏ وإن لم يكن
ذلك بطريق مباشر كان بطريق غير مباشر‏.‏

بل ان الشاعر ينظم قصيدته
وفي وعيه أو لاوعيه كل البشر‏,‏ لأن جوهر الشعر واحد‏,‏ والذي يشترك فيه
البشر أكثر بكثير وأبقي من كل ما يختلفون فيه‏.‏

وكما نقرأ قصائد
امرئ القيس‏,‏ وطرفة بن العبد‏,‏ وأبي نواس‏,‏ والمتنبي‏,‏ والمعري‏,‏
وشوقي‏,‏ ومطران‏,‏ وبدر شاكر السياب نقرأ قصائد اليونانيين‏,‏
والفرنسيين‏,‏ والإسبان‏,‏ والألمان‏,‏ والفرس‏,‏ والهنود‏,‏ والصينيين‏,‏
واليابانيين‏,‏ والأمريكيين‏,‏ والأفارقة‏,‏ لأن هؤلاء جميعا جنس واحد‏,‏
ولأن الشعر كله جوهر واحد‏.‏ وكما نجد هذا الجوهر في الأشكال المختلفة في
اللغة الواحدة نجده في اللغات المختلفة واللهجات المتعددة‏.‏
‏
***‏
لكن ما هي حال الشعر الآن؟
إنه موجود كتراث حي‏,‏ فهل هو موجود كإبداع جديد راهن؟
هذا هو السؤال الذي نريد أن نجيب عليه في هذا الملتقي‏.‏

نحن
لانشك في أن الشعر موجود في كل زمان ومكان‏,‏ لأنه حاجة إنسانية أصيلة
تطلب الارتواء في كل عصر وفي كل بيئة‏,‏ حاجة نستشعرها في كل وقت وفي كل
حال‏.‏ في الأيام القاسية والأيام الرحيمة‏,‏ في الأفراح والأتراح‏.‏ فهل
نحن نلبي حاجتنا للشعر في هذا العصر؟ وهل نجد الدليل علي ذلك في المشهد
الشعري الراهن؟
‏
***‏
ونحن نهدي
عملنا في هذا الملتقي لخليل مطران‏,‏ شاعر القطرين‏,‏ وثمرة الثقافتين‏,‏
رسول الرومانتيكية‏,‏ وحارس مجد الفصحي‏.‏ الناسك الزاهد‏,‏ والفارس
المحارب دفاعا عن الحرية‏:‏

أنا لا أخاف‏,‏ ولا أرجي
فرسي مؤهبة وسرجي
فإذا نبا بي متن بر
فالمطية بطن لج
لاقول غير الحق لي قول
وهذا النهج نهجي‏!‏