المنطقة المحظورة‏!‏بقلم : عبدالله عبدالسلام

من طرف maream السبت مارس 21, 2009 10:11 am

أفق جديد
بقلم : عبدالله عبدالسلام

المنطقة المحظورة‏!‏

تبقي
السياسة في مصر‏,‏ برغم التغيرات الدرامية التي تشهدها منذ‏2005,‏ أشبه
بمنطقة محظور الدخول إليها‏,‏ عصية علي الاستجابة للمؤثرات الشعبية‏,‏
مكتفية بذاتها وليست في حاجة إلي أعضاء أو حتي منتسبين جدد‏.‏

أحيانا
تحدث مناوشات علي الأطراف‏,‏ كأن تنظم نقابة أو جماعة مظاهرة أو اعتصاما
للاحتجاج علي قرار حكومي وقد تنجح في تأجيل القرار أو تعديله‏,‏ لكن الأمر
ينتهي عند هذا الحد‏,‏ وسرعان ما يعود كل شيء إلي سابق عهده‏,‏ لتبقي
السياسة ملكية حصرية للدولة وينشغل الناس بحياتهم وكأن شيئا لم يكن‏.‏

علي
مدي السنين‏,‏ ظلت القرارات التي تمس حياة الناس من قريب أو بعيد‏,‏
مسئولية الدولة سواء كانت مصيرية تهم الوطن كله‏,‏ أو تتعلق بفئة معينة
مثل حركة التغييرات الصحفية الأخيرة‏,‏ واعتاد الناس علي استقبال تلك
القرارات بالنقاش حولها دون أن تكون لديهم القدرة علي ردها أو التأثير
مسبقا في عملية صنعها أو الضغط من أجل اتخاذ قرارات معينة بتوجه محدد وفي
وقت محدد‏.‏ والشاهد أن حالتنا مشابهة لدول عديدة تبنت مقولة السياسة أخطر
من تركها لرجل الشارع‏,‏ أو مقولة دع السياسة للساسة‏..‏ ولا تدس أنوف
الناس فيها‏..‏ لكن ما حدث في باكستان الأسبوع الماضي‏,‏ جعلني أعتقد أن
هذه المقولات ليست صحيحة‏,‏ بل فاسدة منطقيا وأخلاقيا‏,‏ والأهم عمليا‏.‏

تحت
راية العدالة‏,‏ خرج الباكستانيون بقيادة المحامين مطالبين بإعادة رئيس
القضاة افتخار تشودري إلي منصبه‏,‏ بعد عزله عام‏2007‏ بشكل غير
قانوني‏..‏ أصر الناس علي أن القضية لا تتعلق بشخص بل بقيمة عظيمة هي
العدالة جوهر السياسة ومغزي الحياة نفسها‏..‏ وكم كانت مؤثرة كلمات قالها
أحد المحامين الباكستانيين العدالة هي الحل لمشاكلنا‏..‏ نريد عدالة في
المدارس والطرق‏,‏ وفي النقل‏..‏ نريد أن نستعيد المعني الأسمي للعدالة في
الإسلام وهو المساواة‏.‏

ألا تعني كلمات هذا المحامي أن يكون للناس
رأي في قرارات الحكومة؟‏..‏ ألا تعني استجابة حكومة باكستان للضغوط
الشعبية وإعادة رئيس القضاة نجاح رجل الشارع ـ ولو علي استحياء ـ في دخول
المنطقة المحظورة وهي السياسة؟‏.‏

ثم إن هذا الدخول الشعبي ـ في
الحالة الباكستانية ـ أدي إلي نزع فتيل أزمة كادت تتسبب في انزلاق البلاد
إلي حافة الفوضي‏,‏ أي أن توسيع دائرة السياسة ليس خطرا‏,‏ كما يدعي ملاك
المنطقة المحظورة وقاطنوها‏,‏ بل الخطر هو أن تبقي السياسة محاطة بأسلاك
شائكة تدمي كل من يجرؤ علي الاقتراب منها‏.‏

إن السياسة‏,‏ مثل
عديد من الأمراض‏,‏ معدية وعابرة للحدود‏..‏ وإذا كان الباكستانيون قد
استطاعوا فتح كوة صغيرة في حائط السياسة ودخلوا منها‏,‏ فإننا نأمل أن
تدخلها شعوب أخري‏..‏ وعندها ستتحول المناوشات إلي حوارات‏,‏ ويصبح
المتظاهرون والمحتجون طرفا أصيلا في لعبة السياسة وسيتوقف ملاك المنطقة
المحظورة عن وصفهم بالفئة الخارجة علي الشرعية وعندها أيضا سيكون للقرارات
معني سواء كانت تغييرات وزارية أو حتي صحفية‏.‏

aabdelsalam65@gmail.com