قرآن وسنة د. عبد الله النجار

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

تسود روح التشدد والانتقام لدي كثيرين
ممن يستظهرون احكام الشارع علي بعض القضايا المعاصرة فهم لايكتفون بأن
توقع علي المجرمين العقوبات التي قررها الشارع الحكيم سبحانه. ولكنهم
يريدون زيادة عليها وتشديدا فيها. ومن العجيب ان تلك الروح المتشددة تكاد
تكون عامة وتسمعها من الجاهل قبل المتعلم ومن الطالب الثانوي قبل الجامعي.
وقبل طالب الدراسات العليا فإذا ماوقعت جريمة تتسم بقدر زائد من العنف أو
البعد عن مواطن الرحمة والانسانية طالب الجميع بعنق الحاني وقتله. وتعليقه
بعد قتله في ميدان التحرير ويقولون في حماس بالغ: انه لو تم ذلك لارتدع
الجناة ولما وقعت تلك» الجريمة العنيفة مرة ثانية مع انه لايضر بعد ذبح
الشاة سلخها كما يقولون وكفي بالموت عقابا علي اعتي الجرائم فإن الحياة
اغلي مصلحة في حياة الانسان.

ومن قبيل هذا التشديد مايقال من معاصري الباحثين عن حكم جراحة اصلاح
غشاء البكارة بأن ذلك لايجوز ابدا. وان فيه غشا وخداعا للزوج وان من ازيلت
بكارتها يجب ان تتحمل وزر عملها الي يوم الدين وان تظل مطاردة به الي ان
تموت وهذه القسوة في الحكم لاتعبر عن صحيح حكم الله وانما تعبر عن تلك
النزعة المتشددة التي تقوم علي التشفي والانتقام والنظرة القاصرة لبعض
الباحثين في عصرنا. مع ان باب رحمة الله وتوبته مفتوح امام جميع العصاة بل
وامام الكافرين ليؤمنوا بالله ويتوبوا اليه فإذا ما آمنوا به قبل منهم ذلك
الايمان وعفا عما بدر منهم قبله وهذا معني حديث النبي صلي الله عليه وسلم
"الاسلام يجب ماقبله" وقد امر الله بالستر علي العصاة حتي ولو كان عصيانهم
مشهورا بين الناس واقيم عليهم العقاب بسببه. ولهذا نهي النبي صلي الله
عليه وسلم عن تعيير المخطئ بذنبه بعد توقيع العقاب عليه ولما سمع احد
الصحابة يدعو عليه بالخزي قائلا: اخزاك الله. حزن النبي صلي الله عليه
وسلم وقال : "لاتقولوا هكذا لاتعينوا عليه الشيطان" وفي رواية : لاتكونوا
عونا للشيطان علي أخيكم حتي يستقيم حاله ويعود الي صفوف الصالحين.

وقد روي الشعبي ان رجلا جاء الي عمر بن الخطاب قائلا: ان لي بنتا
اصابت حدا في زنا لكنها استقامت وحسن خلقها وجاء رجل يخطبها أفاذكر له ما
كان منها فقال له: لو فعلت ذلك لاعاقبنك عقابا يتحدث به أهل الامصار
انكحها نكاح العفيفة الطاهرة المسلمة. وروي الامام مالك في الموطأ ان رجلا
خطب من رجل اخته وكانت قد سبق منها الزنا فاخبر الخاطب بذلك. فبلغ ذلك عمر
فاحضره وعاقبه وقال له: مالك والاخبار عن ماضيها وفي رواية انه قال له:
زوجها واسكت وروي مثل هذا عن طارق بن شهاب عن عمر.

وليس لقسوة باحثي عصرنا في التعامل مع من زالت عذريتها نظير في كتب
القدامي واقصي ماذكروه: ان الرجل اذا تزوج امرأة علي انها بكر فبانت ثيبا
له ان يسترد مادفعه لها زائد علي مهر الثيب. ولم ينصبوا لها المشانق كما
يريد المحدثون في عصرنا ان الستر علي المنحرفين مطلوب شرعا بكل وسيلة تؤدي
اليه.