سيناريو للتنمية المستدامة في المواقع المصرية بقلم : د‏.‏ محمد رياض

من طرف هايدى الأحد مارس 22, 2009 10:51 am

سيناريو للتنمية المستدامة في المواقع المصرية
بقلم : د‏.‏ محمد رياض

التنمية
المستدامة بالنسبة للظروف المصرية هي غالبا جمع من الأنشطة التي لا تحتاج
إلي غزارة المياه مثل الزراعة‏,‏ وذلك بالتركيز علي حياة مدنية صغيرة إلي
متوسطة تعتمد اقتصاديا علي الصناعة التحويلية والحرفية والتعدين ومجموعة
اقتصاد الخدمات‏(‏ تعليمية وصحية ومعيشية وترفيهية وثقافية‏)‏ وبنية تحتية
منضبطة‏(‏ مياه وشبكة طاقات متجددة واتصالات‏),‏ ففي الصحاري الساحلية
والداخلية بعض النشاط الأولي بسيادة زراعة الري الحديث‏(‏ تنقيط ورش وري
محوري وصوبات‏)‏ والسماكة‏(‏ طبيعية ومزارع سمكية منتقاة‏)‏ وثروة حيوانية
متلائمة مع ايكولوجيا حياتية أميل إلي الجفاف‏,‏ أما الوادي والدلتا
فيحتاج زمنا طويلا لإعادة صياغة وتجديد أشكال الانتاج الحالية وعلي رأسها
اعادة تأهيل الممارسين للأنشطة‏,‏ زراعية وصناعية وحرفية وخدمية‏,‏ علي
أساليب حديثة أكثر حفاظا علي التربة التي أصابها الضعف والوهن نتيجة
الاستغلال الجائر وكثرة الفاقد بتبوير الأرض للتوسع العمراني ورفع قيمة
الأرض كمصدر مفاجئ للثروة‏.‏

شروط المواقع ملزمات لأشكال التنمية
حيث
إن قرابة تسعة أعشار مساحة مصر أراض إما هي صخرية جبلية في الصحراء
الشرقية وغالبية سيناء‏,‏ وإما هي مسطحات وكثبان رملية دائمة التحرك في
الصحراء الغربية‏,‏ بينما يقتسم وادي النيل والدلتا والصحاري الساحلية ـ
بما يشبه التساوي ـ العشر الباقي من الأراضي المصرية‏,‏ ينال نطاق الصحراء
الساحلية علي البحر المتوسط شيئا من الأمطار الشتوية‏,‏ بينما سواحل البحر
الأحمر في مجموعها جافة باستثناء الرطوبة البحرية وبعض المياه الجوفية من
أمطار طارئة كل بضع سنوات‏.‏

لهذا فعلي الأغلب أن تكون التنمية
استراتيجيا مزدوجة المكان ومختلفة النشاط الاقتصادي كأن نقول بصفة عامة‏:‏
تقدم المزرعة في الوادي الغذاء للناس في مهاجرهم الجديدة الصحراوية‏,‏ حيث
يقدمون أشكالا من الانتاج تبدأ من الحرف اليدوية‏(‏ كالخزف مثلا‏)‏ إلي
محاجر الأحجار النبيلة‏(‏ كالديوريت وأنواع الجرانيت والبروفرايت‏)‏ إلي
صناعات التقنيات المتوسطة ذات العمالة الكثيفة وبخاصة الأسمنت‏,‏ وأخيرا
صناعات التقنية العالية كثيفة رأس المال كالبترول والغاز وتوليد الطاقة
بأنواعها الحفرية والمتجددة وصناعات الالكترونيات الخ‏,‏ مع تنشيط كل
أنواع الخدمات العامة‏,‏اضافة إلي السياحة الأجنبية مع توليد نمط السياحة
الداخلية لأنها لا تتأثر بأحداث محلية أو إقليمية تشل السياحة الأجنبية
بضع سنوات فتحدث خللا في أنشطة عديدة مرتبطة بها‏.‏

نموذج دول
الخليج في التمويل الخرافي للتنمية الزراعية‏(‏ الثمانينيات
والتسعينيات‏)‏ أصبح في خبر كان‏,‏ المناطق الصالحة فقط هي التي تواصل
الزراعة بدون عون رسمي وغيرها أصبح أطلالا كقري مشروع الوادي الجديد في
الواحة الخارجة لأسباب كثيرة علي رأسها أن السياسة تركب الاقتصاد وليس
العكس‏,‏ وهناك مشروعات زراعية أخري تبنتها الدولة‏,‏ فيما بعد هي ليست
بعيدة عن هذا النمط ذي التكلفة العالية والجدوي القليلة‏.‏

فلو أن
الأعمال التنموية كانت أكثر ارتباطا بشركات وأفراد وأقل اعتمادا علي
الحكومات وأقل ارتباطا بمخططات مرسومة لكان حساب النجاح والخسارة محسوما
بقدر الاستثمارات والجهد المبذول‏.‏

المطلوب تشجيع المبادآت في مصر
وأن تكف الدولة وأجهزتها عن اعتبار كل متر تبيعه بأسعار ليست متوافقة مع
أحجام المشروعات وتأهيل الناس‏.‏ الهجرة من الوادي المكتظ مطلوبة ولكنها
لا تجد التشجيع والتقنين والحماية‏,‏ ومن ثم لا نجد سوي العمل في أدني
صوره كالعمل الخدمي الموسمي متدني الأجر في قطاع السياحة‏,‏ أو العمل
بأجور غير متناسبة في أعمال انتاجية حرفية‏.‏ وأخيرا فإن برامج التعليم
العام حتي مرحلة الإعدادية مازالت متجمدة ومازالت تقود في معظمها إلي
مرحلة الثانوية والجامعية التي هي في الواقع شديدة التشبع فضلا عن أن
مخرجاتها ذات تأهيل علمي وظيفي متوسط أو دونه مما يجعلهم غير مطلوبين في
سوق العمل‏.‏

سيناريوهات مقترحة للتوقعات المستقبلية
سيناريوهات
دولية‏:‏ ماذا تكون عليه قيمة الموقع الدولي استراتيجيا واقتصاديا لو أن
مصر أصبحت دولة محايدة؟ هل يقع حيادها بين نموذجين أولهما نموذج سويسرا
والثاني نموذج السويد المنتمية إلي الاتحاد الأوروبي كنظام اقليمي‏,‏ لكن
لها شئون ارتباطية خاصة؟ وما شكل العلاقات الإقليمية والعربية لمصر ضمن
الجامعة العربية كنظام إقليمي؟ وما هية الشأن المصري الخاص مع الجنوب
النيلي؟ وهل تصبح مركز نشاط اقتصادي انتاجي تجاري حضاري ومالي أقل عرضة
للاهتزازات السياسية الايديولوجية الراهنة والمستقبلية؟

سيناريوهات سيناوية‏:‏ سيناريو استراتيجية تحويل شرق اقليم القناة بعرض بضعة كيلو مترات اقتصاديا وعمرانيا إلي النطاقات التالية‏:‏

‏1‏
ـ نطاق صناعي من البحريات المرة إلي السويس وعيون موسي‏,2‏ ـ نطاق زراعي
صناعي من البحيرات المرة إلي القنطرة‏,3‏ ـ نطاق خدمات نقل مائي بري حديدي
وصناعة من القنطرة إلي الموانيء الحرة في بورسعيد وشرق التفريعة‏.‏

تطوير
وتكثيف الخطوط العابرة لسيناء عمرانيا واقتصاديا خاصة الطريق عبر ممر متلا
والجدي إلي نخل والثمد ورأس النقب ورأس خليج العقبة وطريق الوسط من
الاسماعيلية إلي القسيمة عبر ممر جفجافه وما بين جبل المارة ولبني في
الشمال وجبال يلق وحلال في جنوبيه مستفيدا من الآبار العديدة مثل جفجافة
وروض سالم وأبو عجيلة والقسيمة والجديرات‏.‏

تكثيف العمران بين
رمانة وقطية وبير العبد تساعده علي ذلك ترعة السلام‏,‏ تدريجيا محاولة
تجفيف جنوب شرق المنزلة بحيث يتكون قوس عمراني متعدد الاقتصاد جنوب
بورسعيد بين بحيرتي المنزلة والبردويل‏,‏ فضلا عما ذكرناه سابقا من
الاهتمام الصناعي الزراعي الخدمي شرق قناة السويس‏.‏

البحر الأحمر
والجبال الشرقية‏,‏ هل تستمر السواحل علي البحر وخليجي السويس والعقبة
ريفيرا الجنوب؟ هل يمكن إحداث خليط عمراني اقصادي مع السياحة عبر بعض
الأودية من الصعيد إلي البحر وبخاصة محاجر متنوعة وبعض التعدين في مناجم
قديمة ومصادر معدنية جديدة تكتشف بكثرة الحركة وتخصيص رأسمال استكشافي
لخامات معدنية‏(‏ حديد ـ فوسفات ـ نحاس ـ ذهب‏).‏

تكوين مزارع
حديثة متوافقة مع مصادر المياه الجوفية في الأودية هي غالبا زراعية مختلطة
بتربة أنواع من الحيوانات البيئية كالجمال والنعام وأنواع من الماعز
الأحمر ذات الجلود فائقة الجودة وسلالات خيول مختارة‏.‏

الصحراء
الغربية‏:‏ تشمل نحو ثلثي مساحة مصر تمتد في اقاليم ايكولوجية متعددة
الرئيسي منها نطاق الساحل ذو المناخ شبه المتوسط‏,‏ ونطاق الهضاب الشمالية
الذي يتخلله منخفضات النطرون والقطارة وسيوه‏,‏ ثم نطاق الهضبة الوسطي
بمنخفضات الفيوم والريان والبحرية والفرافرة‏,‏ وأخيرا الهضبة الجنوبية
أعلاها وأكثرها تضرسا وتزيد في الارتفاع جنوبا بغرب إلي هضبة الجلف الكبير
وسفوح جبل العوينات‏,‏ وتنتشر بها عدة منخفضات أكبرها الخارجة والداخلة
ومنخفضات أصغر علي طول درب الاربعين القديم بآباره المعروفة‏,‏ ولكل نطاق
في هذه الصحراء الشاسعة مكوناته من التراكيب الجيولوجية ومياهه الباطنية
وكثبانه وبحاره الرملية‏.‏ بهذا الحجم كانت الصحراء الغربية مطمح ومطمع
أفكار كثيرة حول التنمية وحل مشكلة السكان باستزراع‏(‏ غزو‏)‏ الصحراء
أولها مديرية التحرير‏,‏ ثم الوادي الجديد ثم توشكي ثم أفكار ممر
التنمية‏,‏ ومشروعات التحديث الايكولوجي لجزء من الساحل الشمالي كمصايف أو
خليط عمراني ومصايف‏.‏ وأخيرا مشروعات الزراعة الجديدة حول درب الاربعين
المعروف باسم شرق العوينات‏,‏ لكن ربما كان من أهمها وأقدمها فعلا مشروع
توليد الطاقة من منخفض القطارة إلي جانب مشروعات
الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وأخيرا مشروع الطاقة النووية في الضبعة‏.‏

علي
الأغلب فإن أقرب المشروعات تحقيقا هي طاقة الرياح التي يمكن أن تولد قوي
ليست فقط لإنارة مراكز العمران بل أيضا لإدارة صناعات بيئية وتعدينية
عديدة في نطاقاته الساحلية والواحية

الوادي والدلتا‏:‏ التركيز
السكاني والمدني وأغلب الاقتصاد المصري زراعي صناعي خدمي متقوقع ومتزاحم
في هذه الرقعة الصغيرة من مصر‏,‏ لهذا فمشكلاتها متداخلة متشابكة يحسن
التروي إزاءها حتي لا تنهار‏,‏ فعلي سبيل المثال فإن أولي المشكلات مرتبط
بكل ما نعرفه من مسببات تدهور التربة‏:‏ أسمدة كيماوية وصرف زراعي وصحي
ومحاصيل نهمة للمياه وتناقص مساحة الحقول بنمو العمران لاستمرار نمط
السكان القروي الأفقي بدل الرأسي رغم تغير أشكال الحياة والاقتصاد‏,‏
وباختصار في مجال الصناعة فإن نمط المصانع الضخمة تقنيا وإداريا وانتاجيا
يحتاج إلي تفكيك وتحديث وتدريب يتابع التغير الدائم في الآلات والعمالة
واحتياجات السوق كي يصبح نشاطا رابحا‏.‏

أخيرا فالمطلوب سيناريوهات
للمواقع في المعمور النيلي والصحاري المصرية علي ضوء تكنولوجيا العصر ورأس
المال المتاح وأفكار الخبراء والمنتفعين تتبلور في خطط جماعية وتعرض
للنقاش العام باعتبارها مشروعات قومية للأجيال‏,‏ ففي مثل هذه الخطوات
الاجرائية ضمانات ضد التسرع والهدر‏,‏ ومن مناقشتها المفتوحة يتضح من
الامكانات ما لم نكن نعرفه‏.‏