رشيد .. واستجوابات الحكومة !بقلم: محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم: محمد علي إبراهيم
رشيد .. واستجوابات الحكومة !


كان أمس يوماً واجهت فيه الحكومة استجوابات أعضاء مجلس الشعب حول أسعار
السلع وكيفية مواجهة الاحتكار وضرورة مراعاة مصالح الفلاحين.. وقبل أن
أتطرق إلي رد الوزير الهادئ المدعم بالمنطق يهمني أولاً أن أشرح الطريقة
التي يتم بها تقديم الاستجوابات في مجلس الشعب.وفي بقية برلمانات العالم.

غريب جداً أن تستند الاستجوابات إلي المعلومات الموجودة في الصحف
فقط.. في البرلمان الانجليزي هناك قواعد للاستجواب أهمها أن يكون لمشكلة
عاني منها فرد أو مؤسسة أو مجموعة داخل دائرة العضو الانتخابية.. ولابد أن
يكون الاستجواب مصحوباً بعدة توقيعات من أهالي الدائرة الانتخابية وذلك
حتي يتأكد مجلس العموم البريطاني بأن العضو لايتحدث عن اهواء شخصية أو
يقدم الاستجواب لابتزاز الحكومة..

البرلمان الهندي يشترط علي مقدم الاستجواب أن يكون موقعاً من عدة
أحزاب "لأن الحكومة تتشكل عادة من ائتلاف حزبي" أو يوقع عليه حزب المعارضة
الرئيسي وبنسبة لا تقل عن مائة نائب لضمان الجدية والمصلحة العامة.

عندنا في مصر الاستجوابات حق لكل نائب إخواني أو معارض أو مستقل..
المجلس لا يدقق إن كان مقدم الاستجواب يريد شيئاً من الوزير أو يسعي وراء
تعيين أحد أقاربه أو انه جزء من شو سياسي يستهدف إحراج الحكومة وحزب
الأغلبية.

الاستجوابات في مجلس الشعب المصري تعتمد في المقام الأول علي ما
تردده الصحف أو الشائعات المتداولة في الأوساط المعارضة أو جرياً وراء
استغلال قضية ما ضد الدولة مثل تصدير الغاز لإسرائيل والذي بلغ من جهالة
البعض أن قالوا إن الغاز المصري يستخدم الآن في الحرب الإسرائيلية. مع أن
البترول هو المستخدم في المعدات العسكرية وليس الغاز الذي يقتصر استعماله
علي استخدامات منزلية.

الاستجوابات التي تقدم للحكومة فيها من الدعائية أكثر مما فيها من
التخصص.. فالنائب يطلب حضور رئيس الوزراء لاستجوابه ويعترض إذا جاء الوزير
المختص ليجيب عن تساؤلات الأعضاء.. فالنائب يبني مجده في مجلس الشعب علي
أنه استدعي رئيس الوزراء كام مرة. وكيف اشتبك مع الوزير الفلاني ولماذا
احرج المسئول العلاني.. هذه للأسف أفضل دعاية يروجها النواب في دوائرهم..
وأحيانا ما تكون الاستجوابات مرهونة بتقديم خدمات في دوائر نواب المعارضة.
أوظائف لأبناء دوائرهم.. وإذا فشلت الحكومة في ذلك فعليها أن تتحمل قرع
طبول الحرب.

وأجيء لرد الوزير رشيد علي الاستجوابات أمس واشدد علي نواب المعارضة
والإخوان الذين كانوا ثائرين جداً علي ارتفاع اسعار الحديد. لم يلفت نظرهم
الانخفاض الشديد الذي حدث بعد فتح باب الاستيراد.. انخفاض اسعار الحديد
محلياً يؤكد نجاح سياسات الحكومة في العمل لصالح المستهلك وزيادة المعروض
من السلع.

للأسف الاستجوابات التي تقدم في مجلس الشعب تركز علي فئة دون أخري
والأخطر انها تركز علي مصالح قلة وتتجاهل المنافع التي تعود علي الكثرة..
مثلا الحكومة تراعي اسعار توريد الفلاحين لمحاصيلهم وتقوم بزيادتها عاماً
بعد آخر. لكن في الوقت ذاته هناك حد معين لا يمكن أن تتخطاه الحكومة وإلا
انعكس سلبياً علي المستهلك.. منطقياً إذا زادت أسعار الحاصلات الزراعية
سيجد المستهلك - مثلاً - ساندوتش الفول بخمسة جنيهات وهذا تدمير لمحدودي
الدخل.

كان الأجدي بالسادة النواب مقدمي الاستجوابات أن يضفوا عليها لمسة
احتراف فيقولوا إن زيادة أسعار توريد المنتجات الزراعية أو الألبان من
شأنه أن يؤدي لعاملين سلبيين الأول تخفيض العمالة في مصانع الصناعات
الغذائية ومنتجات الألبان والثاني ارتفاع أسعار هذه المنتجات في السوق
الأمر الذي يمثل عبئاً علي المستهلك.

عندما يتقدم أحد باستجواب في مجلس الشعب لابد أن يضع نصب عينيه التوازن بين مصلحة المستهلكين والفلاحين.. أو المستهلكين والمنتجين.


لا أحد تنبه من السادة مقدمي الاستجوابات أن أسعار السلع الغذائية في
مصر أقل من مثيلاتها في الدول العربية المجاورة "الأردن - لبنان - سوريا -
فلسطين".. كان يفترض بأحد نواب الحزب الوطني ان يقف في مجلس الشعب عارضاً
جدولاً لمقارنة أسعار السلع الغذائية بين مصر ودول المنطقة حتي لا يترك
الأمور للمزايدات والاجتهادات.. إن البرلمان ساحة لمقارعة الحجة بالحجة
بين الأحزاب بشكل عام وواجب أعضاء الحزب الوطني الحاكم أن تكون لديهم
بيانات واحصائيات يردون بها علي الخصوم السياسيين.

إنني أخشي ان تكون الاستجوابات المقدمة ضد الحكومة في الفترة القادمة
منحصرة في ارتفاع سعر سلعة أو ندرتها أو فرض رسوم حماية أو اغراق علي
منتجات بعينها.

أتمني أن تكون استجوابات النواب في الفترة القادمة تركز علي ضرورة
الارتقاء بمستوي الصناعة المصرية لتتمكن من التنافسية في الأسواق
الخارجية.

إن الخطر الحقيقي الذي يواجه الاقتصاد المصري ليس في الأسعار..
فالأسعار انخفضت في الفول والعدس والأرز والسكر وزيوت الطعام والبيض
والمسلي وهذه حقيقة راسخة.. هذا العام هو عام المستهلك بلا جدال.

لكن الخطر يكمن في تراجع الإنتاج وتقليل فرص التشغيل.. لابد أن يكون
الاهتمام البرلماني بعيد النظر ولا يقتصر علي سلع وأسعار.. نتمني أن نجد
نائبا في المعارضة أو الحزب الحاكم يطالب الحكومة باستمرار وقف التصدير في
سلع أخري غير الأرز لتستمر الأسعار تحت السيطرة. ونتمني أن يطالب آخرون
بإصلاح التجارة الداخلية ليزيد المعروض من السلع في الأسواق فكلما زاد
العرض انخفض السعر.

إن الرقابة البرلمانية مسئولية وليست عبثا أو وجاهة.. الرقابة
البرلمانية ممثلة في الاستجوابات وطلبات الإحاطة يجب أن تعكس مصالح عامة
للشعب وليس لخدمة أغراض دعائية أو انتخابية.. الاستجواب مسئولية وكلما كان
مدعما بالمستندات وليس بقصاصات الصحف كان تأثيره أجدي وأعمق.