كي لاتسقط من فوق سلم الحلم الجميل بقلم : منير عامر

من طرف **احمد** الإثنين مارس 23, 2009 3:17 pm

كي لاتسقط من فوق سلم الحلم الجميل
بقلم : منير عامر

عديدة
هي الأحلام التي تمر علي شاشة خيال اي منا منذ طفولته إلي نهاية العمر
وكثيرة هي الاحلام التي تتزاحم ايضا علي خيال المجتمعات‏.‏

ولا أحد بقادر علي حساب عدد الاحلام الفردية أو الاجتماعية التي لم نجد سلما كي نصعد إلي منصة تحقيقها‏.‏

وعلي
مستوي تحقيق الاحلام الفردية لا استطيع نسيان ملامح العالم الجليل د‏.‏
ستيف كوفي الذي احترف تدريب رجال الإدارة المتوسطة والعليا علي ترتيب
اولويات الحياة‏,‏ وصارت كتبه وبرامجه لتقوية الروابط الأسرية هي الأعلي
مبيعا لسنوات عديدة لا لشيء إلا لاصراره علي الحقائق البديهية التي تتيح
انتقال الافراد والمجتمعات من قاع التخلف إلي قمة الابداع‏,‏ واعاد اكتشاف
حقائق بديهية في ترتيب أولويات الحياة‏,‏ حين راح يؤكد في محاضراته
وتدريباته ان الاداء المتوسط لاي عمل هو الشيء الذي يجب رفضه من قبل اي
مدير ناجح‏,‏ لانه لايوجد عدو للتميز قدر العمل المتوسط‏,‏ فالقبول بعدم
الامتياز هو رضوخ لسلطان انصاف المواهب‏,‏ وهو تقليل لقدرة الابداع في
الأسرة أو الشركة او المجتمع‏.‏

وحين ذكرت له ان مايدرب عليه
المديرون موجود فيما ذكره استاذنا عبدالعزيز صالح استاذ الآثار عندما
اكتشف التدريبات المدرسية لأحمس محرر مصر من الهكسوس‏,‏ وكيف كان أحمس
يعيد حل المعادلة الرياضية بأكثر من طريقة‏,‏ ويكرر ذلك عدة مرات‏,‏ ومن
التعليم المرتبط بالتدريب اخذ أحمس طريقة لتطوير العجلة الحربية التي هزم
بها الهكسوس‏,‏ ابتسم الرجل وقال‏:‏ انظر إلي زميلك المقبل من الصين والذي
يجلس بجانبك‏,‏ وسيذكر لك ان ما اقوله من بديهيات وتحكي انت ان احمس قد
اكتشفه وطبقه‏,‏ سيؤكد لك زميلك المقبل من الصين ان كونفوشيوس قد درب عليه
تلاميذه‏,‏ فلم يكن يقبل منهم سوي الاتقان في اداء كل عمل‏,‏ واعتبر
الاتقان هو الوسيلة الأولي لصيانة الحياة وتطويرها‏.‏

وأضاف الرجل ان البديهيات موجودة في كل البلاد وكل الحضارات‏,‏ المهم فقط ان توقظها في اعماق من يعيشون معك وتحت قيادتك‏.‏

واخذ
الرجل من كلماتي طريقا ليشرح لي ـ وانا المصري ـ كيف ان المصري القديم كان
منتبها طوال الوقت للعلاقة بين الهدف وبين الزمن او ما نقول عنه نحن في
حياتنا المعاصرة‏,‏ العلاقة بين البوصلة التي تحدد الاتجاه‏,‏ وبين الساعة
التي في ايدينا والتي نقيس بها كيفية قضاء الوقت في الوصول إلي الهدف الذي
نرغبه‏.‏

يؤكد ستيف كوفي ان المصري القديم كان يؤمن بأن حياته لن
تكون طيبة ما لم ينتج بيديه وموهبته ما يجعل حياة غيره أقل ارهاقا‏,‏ واخذ
من اتقان العمل وسيلة لتخفيف كروب غيره‏,‏ فلو لم يستطع المصري زراعة
القمح وصناعة الدقيق والرغيف‏,‏ لما عرف الكون كيفية سد الجوع بتناول
الخبز‏,‏ ومن غير اكتشاف صناعة الصندل من جلد الحيوانات ليرتديه في
قدمه‏,‏ لم يكن المصري ليستطيع حماية نفسه من العقارب والحشرات الزاحفة‏,‏
ومن غير اكتشاف صناعة الكرسي‏,‏ لما استطاع الفرعون ان يجلس في مكانه أعلي
من اتباعه ورعاياه كي يأمرهم ويقودهم‏.‏

ومضي الرجل يعدد ما اهداه
المصريون القدماء لنا‏,‏ حين رفضوا فكرة العمل المتوسط‏,‏ واصرار الواحد
منهم علي ابداع التميز في عمله‏,‏ ولعل ذلك ما بقي واضحا في التصميم
المعماري لمعبد الدير البحري‏,‏ الذي قام به معماري مصري هو سننموت الذي
يقال أنه احب الملكة حتشبسوت‏,‏ واراد تخليد عصرها عبر كل الازمنة
المقبلة‏,‏ لقد ضبط الرجل بوصلة قلبه علي هدف واضح‏,‏ فاهدانا عملا
معماريا مازال قادرا علي تعليمنا كيف نهتم بالضوء كي نري الجمال‏,‏ وان
المعابد ليست مجرد اماكن فخمة وضخمة فقط‏,‏ ولكنها وسيلة يتصل فيها الفاني
بالمقبل من اجيال فيخلد بالاتقان‏.‏

ويتوقف الرجل عند سؤال لم يضعه
بعد في اي من كتبه المنشورة‏,‏ السؤال القائل‏,‏ هل تتذكر من قاموا
بتأليفك انت شخصيا كفرد وكطاقة وكواحد يملك احلاما؟

وعلت الدهشة
وجوه من كانوا يحضرون تلك الحلقة النقاشية‏,‏ فكل منا بشكل أو بآخر ينسب
كل نجاح له في حياته وعمله إلي موهبته وحدها‏,‏ وإلي كيفية تحمله للصعاب
التي واجهها من قبل‏,‏ وهنا اخذ الرجل يذكرنا ببديهية يعرفها اي دارس للطب
النفسي‏,‏ ألا وهي النبوءة الذاتية والمقصود بها ان كل ما هو مطمور في
جيناتك الأولي يخرج إلي النور عندما يوفر له المجتمع المحيط بك طريقا إلي
هذا النور‏,‏ فكأن هناك تزواجا شديدا بين الكامن من مواهبك وبين البيئة
التي تحيط بك‏,‏ فاذا كان والدك ووالدتك أواجدادك هم من أودعوا في خزائن
خلاياك طاقات مبدعة‏,‏ فتلك الطاقات المبدعة تحتاج إلي مناخ مساعد كي تخرج
إلي النور‏,‏ وعلي ذلك فكل منا حين ينظر إلي اساتذته واقرانه والهوايات
التي مارسها ونجح فيها واختارها‏,‏ حين ذاك سيعرف ان موهبته ونجاحه ليسا
من ابداعه وحده‏,‏ بل هي من نسج المجتمع الذي شاركه في تهيئة المناخ
المناسب لظهور تلك الموهبة وتحقيق هذا النجاح‏.‏

وما أعلنه ستيف
كوفي من حقائق بديهية وجد اندهاشا من الحاضرين‏,‏ لا لشيء إلا لان المجتمع
الأمريكي ـ رغم مايدرب افراده علي العمل الجماعي ـ إلا انه يفضل دائما
نسبة التفوق إلي الشخص نفسه متناسيا دور الغير في صناعة هذا التفوق‏.‏

لم اجد بدا من أن اسأل الرجل‏:‏ ماذا عن الاحلام الطيبة في الرقي عند المجتمعات التي يقال عنها متخلفة؟

اجانبي‏:‏
التخلف ليس اختيارا من المجتمعات أو من الافراد‏,‏ ولكن مناخ الكرة
الأرضية منقسم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتي هذه اللحظة بين
مجموعة من المتقدمين الذين وصلوا بالعلم إلي آفاق عالية‏,‏ ومن يحاول
اللحاق بهم من دول الجنوب سواء من افريقيا وبعض من دول اسيا ومعظم دول
أمريكا الجنوبية‏,‏ هنا يقوم المتقدمون بنسج خيوط عنكوبتية لإبقاء الوضع
المتخلف علي ماهو عليه‏,‏ وذكر الرجل كلمة لكرستوفر وزير خارجية كلينتون
في فترة رئاسته الأولي‏,‏ حين كان يحاضر في احدي الجامعات‏,‏ من ان
الدولار الذاهب كمعونة لدولة ما‏,‏ انما يصطاد اربعة دولارات علي الاقل من
المجتمع الذي يذهب إليه‏,‏ ولهذا تسقط كثير من احلام اهل الجنوب‏,‏ لان
جمال الاحلام وحده لا يكفي للرقي‏,‏ بل لابد من إرادة ذكية لزحزحة خيوط
العنكبوت التي تغزلها الدول المتقدمة ضد الدول التي يقال عنها متخلفة‏,‏
وتلك معركة اخري علي المجتمعات ان تخوضها كي تصل ما بين البوصلة اي
الهدف‏,‏ وبين الوقت الذي تقضيه للوصول إلي حياة مقبولة‏.‏