تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏3‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي

من طرف ادهم الإثنين مارس 23, 2009 3:22 pm

هذا هو الإسلام
تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏3‏
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف

تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏3‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي Sostntawe2ss

من
أسمي ألوان التكريم من الله تعالي لرسوله محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏
امتنانه ـ سبحانه ـ علي المؤمنين به‏,‏ كما في قوله ـ عز وجل ـ‏(‏ لقد من
الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آيته ويزكيهم
ويعلمهم الكتب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين‏)(‏ سورة آل
عمران‏:164)‏

والمعني‏:‏ لقد أنعم الله علي المؤمنين‏,‏ وأحسن
اليهم‏(‏ إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم‏)‏ أي بعث فيهم رسولا عظيم القدر‏,‏
هو من العرب أنفسهم‏,‏ وهم يعرفون حسبه ونسبه وشرفه وأمانته ـ صلي الله
عليه وسلم ـ

وعلي هذا المعني يكون المراد بقوله‏(‏ من أنفسهم‏)‏ أي
من نفس العرب‏,‏ ويكون المراد بالمؤمنين مؤمني العرب‏,‏ وقد بعثه الله
عربيا مثلهم‏,‏ ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع
بتوجيهاته‏.‏

ويصح أن يكون معني قوله‏‏من أنفسهم‏)‏ أنه بشر مثل
سائر البشر الا أن الله ـ تعالي ـ وهبه النبوة والرسالة‏,‏ ليخرج الناس ـ
العربي منهم وغير العربي ـ من ظلمات الشرك الي نور الايمان‏,‏ وجعل رسالته
عامة فقال‏‏ وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين‏)‏

وخص الله ـ تعالي ـ
منته وفضله بالمؤمنين‏,‏ لأنهم الذين انتفعوا بنعمة الاسلام‏,‏ الذي لن
يقبل الله دينا سواه والذي جاء به محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ

ثم
بين ـ سبحانه ـ مظاهر هذه المنة والفضل ببعثة الرسول ـ صلي الله عليه وسلم
ـ فقال‏‏ يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة‏).‏

والخلاصة
أن الضلال والجهل وغير ذلك من الرذائل‏,‏ كانت قد استشرت في العالم بصورة
لاتخفي علي عاقل فكان من رحمة الله بالناس ومنته عليهم أن أرسل فيهم نبيه
محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ لكي يخرجهم من ظلمات الكفر والفسوق والعصيان
الي نور الهداية والاستقامة والايمان‏.‏

وفي سورة البقرة آية
كريمة‏,‏ قصت علينا أن إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ قد تضرعا إلي
خالقهما وهما يبنيان البيت الحرام‏,‏ أن يبعث في هذه الأمة المحيطة بهذا
البيت‏,‏ رسولا كريما يهديهم الي الصراط المستقيم‏.‏

وهذه الآية هي
قوله ـ تعالي ـ‏‏ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم
الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم‏).‏

والمعني‏:‏
ونسألك ياربنا أن تبعث في الأمة المسلمة‏,‏ أو في ذريتنا رسولا منهم يقرأ
عليهم آياتك الدالة علي وحدانيتك‏,‏ ويعلمهم كتابك بأن يبين لهم معانيه‏,‏
ويرشدهم الي ما فيه من حكم ومواعظ وآداب‏,‏ كما يهديهم الي الحكمة التي
تتمثل في اتباع سنة نبيك ـ والتي بها يتم التفقه في الدين ومعرفة أسراره
وحكمه ومقاصده‏,‏ والتي يكمل بها العلم بالكتاب انك يامولانا أنت العزيز
الحكيم‏.‏

ولقد حقق الله تعالي دعوة هذين النبيين الكريمين فأرسل
في ذريتهما رسولا منهم‏,‏ وهو محمد صلي الله عليه وسلم ـ أرسله الي الناس
كافة بشيرا ونذيرا‏.‏

وقد أخبر ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه دعوة
إبراهيم‏,‏ فقال‏‏أنا دعوة أبي إبراهيم‏,‏ وبشارة عيسي بي‏,‏ ورؤيا أمي
التي رأت‏,‏ وكذلك أمهات المؤمنين يرين‏).‏

هذا‏,‏ ومن الآيات
الجامعة لمعاني الامتنان والاحسان من الله ـ تعالي ـ علي خلقه‏,‏ بسبب
ارسال الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ فيهم‏,‏ قوله ـ سبحانه ـ في سورة
الأنبياء‏(‏ وماأرسلناك الا رحمة للعالمين‏)(‏ الآية‏:107).‏

أي‏:‏ وما أرسلناك ـ أيها الرسول الكريم ـ بهذا الدين الحنيف وهو دين الاسلام‏,‏ الا من أجل أن تكون رحمة للعاملين من الانس والجن‏.‏

وذلك
لأننا قد أرسلناك بما يسعدهم في دينهم وفي دنياهم وفي آخرتهم متي
اتبعوك‏,‏ واستجابوا لما جئتهم به‏,‏ وأطاعوه فيما تأمرهم به أو تنهاهم به
أو تنهاهم عنه‏.‏

وفي الحديث الشريف‏:‏ إنما أنا رحمة مهداة
فرسالته ـ صلي الله عليه وسلم ـ رحمة في ذاتها ولكن هذه الرحمة انتفع بها
من استجاب لدعوتها‏,‏ أما من أعرض عنها فهو الذي ضيع علي نفسه فرصة
الانتفاع‏.‏

وحقا لقد كان الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ الرحمة
المهداة والنعمة المسداة‏,‏ والسراج المنير‏,‏ وصدق الله ـ تعالي ـ اذ
يقول في ختام سورة التوبة‏.‏
‏
(‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز
عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم‏(128)‏ فإن تولوا فقل حسبي
الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم‏(129)‏

أي‏:‏
لقد جاءكم أيها الناس رسول كريم من أنفسكم أي‏:‏ من جنسكم‏,‏ ومن نسبكم‏,‏
فهو عربي مثلكم‏,‏ فمن الواجب عليكم أن تؤمنوا به وتطيعوه‏.‏

فالمقصود
من هذه الجملة الكريمة ترغيب العرب في الإيمان بالنبي ـ صلي الله عليه
وسلم وفي طاعته وتأييده‏,‏ فإن شرفهم قد تم بشرفه‏,‏ وعزهم بعزه‏,‏ وفخرهم
بفخره‏,‏ وهم في الوقت نفسه قد شهدوا له في صباه بالصدق والأمانة والعفاف
وطهارة النسب‏,‏ والأخلاق الحميدة‏.‏

وقوله‏‏ عزيز عليه ماعنتم‏)‏ أي‏:‏ حريص علي إيمانكم وهدايتكم وعزتكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة‏.‏

والحرص علي الشيء معناه‏:‏ شدة الرغبة في الحصول عليه وحفظه‏.‏

وقوله‏(‏بالمؤمنين
رءوف رحيم‏)‏ أي‏:‏ شديد الرأفة والرحمة بكم ـ أيها المؤمنون ـ والرأفة
عبارة عن السعي في ازالة الضرر‏,‏ والرحمة عبارة عن السعي في ايصال
النفع‏,‏ فهو ـ صلي الله عليه وسلم ـ يسعي بشدة في إيصال الخير والنفع
للمؤمنين‏,‏ وفي إزالة كل مكروه عنهم‏.‏

قال بعضهم‏:‏ لم يجمع الله
ـ تعالي ـ لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي ـ صلي الله عليه
وسلم فإنه قال بالمؤمنين رءوف رحيم وقال عن ذاته ـ سبحانه ـ‏(‏ إن الله
بالناس لرءوف رحيم‏).‏

هذه بعض الآيات القرآنية‏,‏ والأحاديث
النبوية‏,‏ التي صرحت بأن الله ـ تعالي ـ بفضله وكرمه‏,‏ قد امتن علي
الثقلين‏,‏ بأن أرسل فيهم رسوله محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي حين
فترة من الرسل‏,‏ لكي يدعوهم الي إخلاص العبادة لله الواحد القهار‏,‏ لكي
يرشدهم إلي التحلي بمكارم الأخلاق‏,‏ ومحاسن الشيم‏,‏ ولكي ينهاهم عن
الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏,‏ فبلغ ـ صلي الله عليه وسلم ـ رسالة ربه‏,‏
وأدي الأمانة‏,‏ ونصح للأمة‏.‏

نسأل الله ـ تعالي ـ أن يرزقنا شفاعته يوم الدين‏.‏