حق الإنسان في الأمن بقلم‏:‏د‏.‏ محمد عبدالسلام كامل

من طرف **سهر الليالى** الإثنين مارس 23, 2009 3:29 pm

مفاهيم
حق الإنسان في الأمن
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد عبدالسلام كامل
أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية البنات جامعة عين شمس

حق الإنسان في الأمن بقلم‏:‏د‏.‏ محمد عبدالسلام كامل 44667_11m

حق
الانسان في الأمن والأمان من الحقوق التي عنيت بها الشريعة الإسلامية كما
يعيش علي هذه الأرض آمنا سالما مطمئنا‏,‏ فلا تعتريه ظواهر الخوف
والوجل‏,‏ ولا تروعه أسباب الذعر والفرق‏,‏ وفي هذا يقول رسول الله صلي
الله عليه وسلم فيما يرويه عنه فضالة بن عبيد رضي الله عنه‏:‏ المؤمن من
أمنه الناس علي أموالهم وأنفسهم‏.‏

كما يحذر رسول الانسانية محمد
صلي الله عليه وسلم من ترويع الناس وإخافتهم وإشاعة الذعر في نفوسهم‏,‏
وذلك بمختلف الأسباب والوسائل في الترويع أو الترهيب‏,‏ سواء بالإشارة
بالسلاح‏,‏ أو التهديد بالكلام الظالم‏,‏ أو بغير ذلك من الأساليب التي
تثير في نفوس الآخرين الرهبة والوجل‏.‏ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ لا يشير أحدكم إلي أخيه بالسلاح‏,‏
فإنه لا يدري لعل الشيطان يترع في يده‏,‏ فيقع في حفرة من النار‏.‏

وعن
النعمان بن بشير رضي الله عنه قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم
في مسير فخفق رجل علي راحلته‏,‏ فأخذ رجل سهما من كنانته‏,‏ فانتبه الرجل
ففزع‏,‏ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ لا يحل لرجل أن يروع
مسلما‏.‏

إلي غير ذلك من النصوص التي تنهي عن ترويع الآمنين وإثارة
الرعب في نفوسهم‏,‏ ولئن كان هذا النهي في حق التخويف للأفراد‏,‏ فلا جرم
أن يكون النهي أشد كثيرا في حق من يعتدي علي المجتمع بترويعه وتخويفه
وإثارة الرعب في صفوفه‏,‏ ولهذا جرم الاسلام الحرابة‏.‏ قال تعالي إنما
جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو
يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في
الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم‏.‏ إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا
عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم‏[‏ سورة المائدة‏/‏ الآيتان‏34,33].‏ وفي
الآية إشعار بأن مرتكب هذه الجريمة محارب لله تعالي‏,‏ لأن الناس في
ديارهم وطرق سفرهم إنما هم في أمن الله وحفظه‏,‏ فمن أخافهم وروعهم فقد
حارب الله تعالي‏,‏ وهم محاربون لرسول الله صلي الله عليه وسلم ولكل حاكم
بعده‏,‏ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم والحكام المسلمين بعده قد أنيط بهم
حماية أموال الناس ودمائهم وأعراضهم في الاقامة والسفر سواء بسواء‏,‏

فمن
أخاف الناس في شيء من ذلك فقد حارب رسول الله إن كان ارتكاب الجريمة في
وقته صلي الله عليه وسلم أو قد حارب الحاكم الذي ترتكب الجريمة في وقته‏,‏
لأنه يخفر بحرابته ذمة هذا الحاكم ويعتدي علي سلطاته‏.‏ هذا وقد أخذت
عناية السنة النبوية بحق الانسان في الأمن عدة مظاهر‏,‏ أهمها‏:‏ حق
الانسان في أن يعيش آمنا علي نفسه ودينه وأهله وعرضه وماله‏,‏ فقد أوجبت
السنة النبوية الحماية اللازمة للانسان علي هذه الأمور وجعلت من يقتل في
سبيل ذلك شهيدا‏,‏ فعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله
صلي الله عليه وسلم يقول‏:‏ من قتل دون ماله فهو شهيد‏,‏ ومن قتل دون دينه
فهو شهيد‏,‏ ومن قتل دون دمه فهو شهيد‏,‏ ومن قتل دون أهله فهو شهيد‏.‏
وحذر النبي صلي الله عليه وسلم من الاعتداء علي المسلم في نفسه أو ماله أو
عرضه‏,‏ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
قال‏:‏ كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه‏.‏ وحق الانسان في
الحماية والأمن يتمتع به جميع المواطنين الذين يعيشون في الدولة
الاسلامية‏,‏ ولا ينبغي أن يفهم شخص أن النصوص النبوية سالفة الذكر ـ التي
ذكر فيها المسلم وحده‏,

‏ تختص به دون غيره من المواطنين فالدولة
الاسلامية‏,‏ فمثل هذا الفهم غير صحيح‏,‏ لأن هناك نصوصا نبوية أخري تحذر
بشدة من الاعتداء علي المعاهدين‏,‏ وتوجب الحماية والأمن لهم‏,‏

كما أن وثيقتي دستور المدينة وصلح نجران قد قررتا الحق للمعاهدين في أن يعيشوا آمنين علي أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وديانتهم‏.‏

ومن النصوص النبوية التي تحذر بشدة من الاعتداء علي المعاهدين‏:‏

ـ من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة‏,‏ وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما‏.‏

ـ من قتل معاهدا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة‏.‏

ـ
من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يجد رائحة الجنة‏.‏ ويترتب علي وجوب
الحماية والأمن للمعاهدين علي أنفسهم وجوبها علي أموالهم‏,‏ فإن حرمة
المال من حرمة النفس كما ذكر الكاساني‏,‏ وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب ـ
كرم الله وجهه ـ عن المعاهدين أموالهم كأموالنا‏,‏ ودماؤهم كدمائنا‏.‏

كما يترتب علي ذلك أيضا وجوب الحماية والأمن للمعاهدين علي أعراضهم‏.‏

بل
إن السنة النبوية ذهبت إلي أبعد من هنا‏,‏ فكفلت حرية التدين للمعاهدين
الذين يعيشون في الدولة الاسلامية‏,‏ ولهم عهد ذمة وأمان‏,‏ وقررت لهم
الحق في أن يعيشوا آمنين علي ديانتهم‏,‏ نجد ذلك في تطبيقاته صلي الله
عليه وسلم مع اليهود في وثيقة دستور دولة المدينة‏,‏ ومع النصاري في وثيقة
صلح نجران‏...‏