الإسلام وتعزيز قيم الانتماء والمواطنة بقلم‏:‏د‏.‏فاطمة الزهراء سالم

من طرف سمير الإثنين مارس 23, 2009 3:36 pm

حوارات معاصرة
الإسلام وتعزيز قيم الانتماء والمواطنة
بقلم‏:‏د‏.‏فاطمة الزهراء سالم
مدرس بكلية التربية ـ عين شمس

الإسلام وتعزيز قيم الانتماء والمواطنة بقلم‏:‏د‏.‏فاطمة الزهراء سالم 44667_20m

كل
منا ينتمي لأصل نشأ وتربي فيه‏,‏ وما من طير أو دابة علي وجه الأرض إلا
ولها فصيلة أو سلالة نبعت منها‏,‏ سواء كانت سلالة نباتية أو حيوانية أو
بشرية أو معدنية وهكذا‏.‏

وفي لحظة تأمل ثاقبة‏,‏ نجد أن عظمة
وجلالة التصنيف هذه لها دلالتها وقيمتها التي يتسني إدراكها واستيعابها
جيدا‏,‏ وأهم هذه الدلالات والقيم‏,‏ هي قيمة الانتماء للأصل
والمنشأ‏.‏واليوم‏,‏ ونحن ننادي أكثر من أي وقت مضي بتعزيز قيمة
الانتماء‏,‏ لنا أن ندرك‏,‏ أن قيمة الانتماء وجدت مع بدء الخليقة‏,‏ وأن
الله خلق التمايز والاختلاف بين جميع الكائنات الحية وغير الحية من أجل
الانتماء واحترام المنشأ والأصل‏,‏ فالطبيعة الإنسانية لها حق الاحترام
والتقدير‏,‏ والذات الإنسانية لها أفضليتها علي سائر الكائنات الأخري‏,‏
أما بقية الكائنات فلها أن تسخر في خدمة الإنسان خليفة الله في الأرض‏.‏

ومن
ثم إذا كان الانتماء وجد مع نشأة الكون وفقا للتصنيف الإلهي‏,‏ لماذا إذن
ندعو لتعزيز وتدشين قيمة الانتماء في نفوس البشر من جديد؟

الجواب
عن ذلك يكون من خلال المدينة الحديثة التي أسهمت بشكل أو بآخر في اختراق
الكثير من الثوابت والأصوليات والتي من أهمها القيم الخلقية التي تؤصل قيم
التواصل والانتماء‏,‏ وأصبح الشغل الشاغل لمعظم الأفراد هو تعزيز القيم
المادية علي حساب القيم الخلقية والدينية‏,‏ بل إن الكثير من الشباب في
الآونة الأخيرة يبحثون عما يغير ثوابتهم وأصالتهم كي يسايروا العصر
وتطوراته‏,‏ فيغيرون في عاداتهم المتوارثة من مأكل وملبس ومظاهر رفاهية‏,‏
دون تغيير في المضمون العقلي‏,‏ فما يتغير هو الشكل فحسب‏,‏ ظنا أن العائق
في سبيل الحداثة والتجديد هو القيم الدينية والخلقية‏,‏ لذلك قرر البعض
خلع القيم الخلقية والدينية المتوارثة والمتفق عليها من أجل مسايرة عمليات
التحديث‏,‏ فما كانت النتيجة إلا أن تاهوا وسط التيار المادي‏,‏ الذي لم
يفهموا مضمونه بل انساقوا وراءه لتقليده فحسب‏,‏ فنسوا المرجع والأساس
فضلوا‏,‏ وأصبحوا بلا هوية لا مادية لأنهم لا يفهمون طبيعة التغيير
ومتطلباته الأساسية‏,‏ ولا الثقافية لأنهم بعدوا عن التمسك بالتراث والقيم
الخلقية‏..‏

وهولاء ينطبق عليهم قول المولي جل شأنه‏:‏ ولا تكونوا
كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون سورة الحشر الآية
التاسعة عشر أي أنهم نسوا المرجع لكل مسألة‏,‏ والبرهان لكل حجة‏,‏
والجامع لكل شقة واختلاف‏,‏ وهو دين الله رب العالمين‏,‏ المرجعية
الدينية‏,‏ والثوابت والقيم التي لا يفنيها الدهر مهما أفني من قيم مادية
وأحل قيما أخري مستحدثة وبديلة‏.‏

دعونا إذن نركز علي فضيلة
الانتماء والمواطنة للأصل أو المرجع أولا‏,‏ والتي بدورها توجهنا إلي
ضرورة احترام الوطن والدولة التي احتوت واستوعبت مشكلات النمو من صحة
وتعليم وتكافل ومجانية‏,‏ ثم أمن مجتمعي من حيث التوظيف والمشاركة في
مشروعات مدنية ودينية وثقافية‏,‏ ضم حقوق البشر من تأمينات ومعاشات ومتوسط
دخل وفقا للإمكانات المتاحة‏.‏

الانتماء الديني أساسه الحفاظ علي
المجتمع وتشييد دولته في إطار دستور أخلاقي يدعو إلي المساواة وفقا
لمعايير الاجتهاد فالكل يعمل ويبدع ويفتت الصعاب من في ظل تراحم ديني
ومبادئ أخلاقية وضمير جمعي وعمل مؤسسي يحترم ويقدر الأفراد المنتمين إلي
الدولة‏,‏ ويشيد بكفاءتهم التي طورت وتقدمت بالمجتمع في قطاعات وميادين
متعددة‏,‏ وكأن يد الله معهم‏,‏ ومساندته لهم لا تنقطع لأنهم يعملون
للترقي والنهوض بدولتهم باعتبارهم مواطنين يتمتعون بحقوق المواطنة
المدنية‏,‏ ومن قبل هم علي إيمان بأن أفضيلة الانتماء للأصل والمرجع تحتم
عليهم تخطي الصعاب وإحداث التنمية الدائمة في جميع المجالات‏,‏ فهؤلاء
يزكيهم المولي عز وجل في قوله تعالي‏:‏ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون
الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه ومن أوفي بما عاهد
عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما سورة الفتح الآية العاشرة‏.‏

ومن ثم
فإنه مبايعة الله ودينه ومبادئه التي أرساها في كتابه الحكيم‏,‏ وأوصي بها
الأنبياء جميعهم‏,‏ ونبي الأمة محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ في السنة
النبوية‏,‏ وهي من أسس وأركان بناء المجتمع الصالح الذي يعزز قيم الانتماء
والاحتماء بالمرجع واللجوء إليه في تفسير شتي معضلات الحياة الدنيوية‏.‏

ونحن
بحاجة دائمة إلي إبداعات الشباب ومشروعاتهم القيمة التي تسهم في بناء
المجتمع وتقدمه‏,‏ وتحفزهم علي تحقيق ذواتهم‏,‏ فالتوعية الدينية السليمة
تحفز الشباب دوما علي العمل وتحمل المسئولية والكفاح من أجل البناء لا
الهدم‏,‏ وهذا يتأتي من خلال إفساح الطريق لشبابنا للتعبير عن أفكارهم
وأطروحاتهم بشأن المستقبل‏,‏ والوقوف بجانب الأفكار الملائمة لنهضة
المجتمع وتشجيعها ماديا ومعنويا حتي تتحقق في الواقع الفعلي‏.‏

فقوة
المجتمعات تقاس برصيد أفرادها الإبداعي‏,‏ إلا أن الإبداع الجمعي في نطاق
مجتمعي أوسع مدي وانتشارا لأنه يسم المجتمع بأنه مجتمع متقدم‏,‏ ومن ثم
الإبداع في ظل المعلوماتية والتكنولوجيا هو صنعة ومهارة بحاجة إلي تشجيع
الشباب علي اختراقها وفتح مجالات لصناعات إبداعية جديدة تخلق فرصا لعمل
الشباب وتقضي علي أزمة البطالة‏,‏ وتقضي علي أثارها المدمرة للبنية
الخلقية والنفسية للبشر والمجتمعات‏.‏

وهناك الكثير من الجهات التي
تمول وتتبني مشروعات الشباب سواء كانت مشروعات صغيرة أو متوسطة أو كبيرة
في مجالات متعددة كالطاقة والتكنولوجيا والهندسة الزراعية‏,‏ والتخطيط
العمراني‏,‏ والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والتغذية‏,‏ فقد ظهرت
الجمعيات في مصر والدول العربية‏,‏ مثل جمعية تنمية الصناعات الصغيرة
والمتوسطة بالمدن الجديدة‏,‏ جمعية تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة في
مصر‏,‏ وجمعية الرواد الشباب‏,‏ وجمعية أمبرتيك‏,‏ والجمعية الأردنية
الأمريكية ـ غرفة التجارة الأمريكية في الأردن‏,‏ وجمعية رجال الأعمال
الخيرية بالمدينة المنورة‏,‏ ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية
الموهوبين بالمملكة العربية السعودية‏..‏ وهكذا الكثير من المؤسسات
والجمعيات التي ترعي مشروعات الشباب وإبداعاتهم‏.‏

وحتي لا نتعجل
التغيير‏,‏ فالشباب بحاجة إلي مساندة أهل الخبرة والوقوف بجانبهم كي تكون
أفكارهم‏,‏ ومشروعاتهم لها صدي وموجهة الوجهة السليمة‏,‏ هذا مع ضرورة أن
تستوعب ذوو الخبرة أفكار الشباب ومشروعاتهم ودراستها بشكل جيد وعدم إبداء
النقد فيها قبل العودة إلي الأصول والإلمام بالموضوع ككل والقدرة علي
تكوين رؤية لمستقبل المجتمع في ظل المشروع المطروح‏,‏ فأهل الخبرة لابد أن
يكونوا علي دراية بالمعرفة المعاصرة‏,‏ ولديهم قدرة علي استخدام
التكنولوجياا‏,‏ ويتمتعون بثقافة موسوعية تؤهلهم لأن يكونوا أهل خبرة‏,‏
لا لمجرد التقادم فحسب أو العمر الزمني‏,‏ فالقدرة علي تغطية واستيعاب
جميع الأمور الماضية والمعاصرة والمستقبلية‏,‏ هي ما تشكل الخبرة الحقيقية
وليست سنوات التقادم فحسب‏.‏

من هنا فإن تعزيز قيم الانتماء
والمواطنة يبدأ‏,‏ بالانتماء للذات الإلهية ومعرفة حدود العقيدة ومبادئها
السامية والعمل من أجل الحفاظ عليها لا من أجل طمسها‏,‏ أو البعد عنها
فالبعد عن القيم الدينية والخلقية يؤدي إلي طمس معالم الهوية وتشتيت الذات
وبالتالي تضمر فضيلة الانتماء للعقيدة وللمبدأ وللذات‏,‏ ومن ثم المجتمع
الذي يعيش فيه المرء‏.‏

والانتماء والمواطنة يتطلبان العمل وإبراز
القدرة علي الانتاج من أجل البقاء والتقدم داخل المجتمع‏,‏ فالانتماء ليس
شعارات وخطابات أو بالأوراق الرسمية‏,‏ فهذا في ظل العولمة والمعلوماتية
أصبح لا قيمة له‏,‏ وإنما الانتماء للمجتمع يغني العمل والعمل والعمل‏...‏
دوما‏,‏ والإبداع في المجال ومواجهة الصعاب ومواصلة التحدي في إطار جماعي
يشجع علي العمل والإبداع المؤسسي في مختلف الميادين والقطاعات‏.‏

أما
الفردية‏,‏ وإعلاء المصلحة الخاصة علي مصلحة المجتمع فهذا يؤدي إلي إضعاف
قيم الانتماء والتخلي عن قيم المواطنة في سبيل قيم مادية وعروض أفضل خارج
دائرة المجتمع وانتماءاته‏.‏

من هنا فوجود ضمير جمعي مطلب أساسي‏,‏
من أجل تعميق قيم الانتماء والتمتع بحقوق المواطنة السليمة‏,‏ والقيام
بأعبائها الملقاة علي عاتق المرء‏.‏

وهذا الضمير من اعتناق مبادئ
وقيم العمل والالتزام وتحمل المسئولية‏:‏ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا
المزمل‏:5,‏ والصدق والشفافية وحمل الأمانة إنا عرضنا الأمانة علي السموات
والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان
الأحزاب‏:73,‏ والعمل من أجل المصلحة العامة‏,‏ وتوافر إرادة جمعية تسعي
إلي تفعيل الأفكار النظرية والمشروعات‏,‏ وتحققها في أرض الواقع ولتكن
منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم
المفلحون آل عمران‏:104.‏