متحـف بين يــدي بقلم : مرسي سعد الدين

من طرف tofeee الثلاثاء مارس 24, 2009 12:08 pm

متحـف بين يــدي
بقلم : مرسي سعد الدين

هذا
هو ما شعرت به وأنا أقلب صفحات الكتاب البديع مقتنيات شفيق جبر والذي نشر
في كل من أمريكا وانجلترا‏.‏ لقد شدني الكتاب لسببين أولهما أنه ركز علي
فن الاستشراق‏,‏ بمعني أن الثمانين لوحة التي يحتويها الكتاب من أعمال عدد
من الفنانين الأوروبيين الذين رسموا مصر ودول المغرب كما كانت تسمي
الجزائر وتونس والمغرب‏,‏ وهنا أوافق ما كتبه شفيق جبر في تقديمه للكتاب
بأننا ندين لهؤلاء الفنانين الذين أعطوا لنا الفرصة لنعرف بلادنا كما كانت
حين زاروها‏.‏ والسبب الثاني هو أني شخصيا مهتم بحركة الاستشراق وقد نشرت
في الأهرام أكثر من ثلاثين مقالا بعنوان تحت سحر مصر قدمت فيها بعض من
كتبوا بحب وإعجاب عن مصر‏.‏

الكتاب يعد فعلا متحفا متكاملا لفن
الاستشراق ويقدم أعمالا لفنانين فرنسيين وانجليزا وألمان وإيطاليين زاروا
منطقتنا وتأثروا بها وسجلوها في لوحات فنية عظيمة‏.‏ والكتاب ليس مجرد
تقديم مجموعة من اللوحات ولكنه يحتوي أيضا علي مقالات عن هذا الفن بقلم
بعض الكتاب المتخصصين وعلي رأسهم‏.‏ كارولين وبليامز التي درست عن الفن
الاسلامي في كل من جامعة هارفارد والجامعة الأمريكية في مصر ولها مؤلفات
عديدة منها الآثار الاسلامية في القاهرة ومقالات متفرقة عن الفنانين الذين
رسموا بلادنا ومنهم باسكال كوست ودافيد روبرنس وجان ليون جيروم وغيرهم‏.‏

وهناك
بالاضافة الي مقالات بقلم عشرة من أساتذة تأريخ الفنون‏,‏ شرح لكل لوحة من
اللوحات الثمانين التي يحتويها الكتاب‏,‏ وحين نبدأ من الصفحة الأولي فيه
فإننا نشعر وكأننا في داخل متحف ننتقل من لوحة إلي أخري ونستمع في نفس
الوقت الي الشرح الذي يصاحب الجولة إما من مرشد معنا أو من تسجيل نسمعه
ونحن نتجول في المتحف‏.‏

والآن أصل الي قصة صاحب المقتنيات شفيق
جبر فنحن في عالمنا غير معتادين علي وجود مقتني الفن‏ArtCollectors,‏ ففي
مصر علي سبيل المثال هناك محمد محمود خليل ومقتنياته الموجودة الآن في
متحفه وقد جمع تلك اللوحات علي مدي سنوات طويلة‏,‏ ولكننا الآن أمام شاب
ناجح كرجل أعمال اعتنق جمع لوحات فنية‏,‏ ويعكس اختياره للوحات الفنانين
المستشرقين أولا حبه لبلده ورغبته في معرفة ماضيها وثانيا أهمية التواصل
بيننا وبين الآخرين وفي مقدمته للكتاب يقص علينا شفيق جبر تاريخ شغفه بفن
الاستشراق الذي بدأ أثناء سفرياته مع والده وكان سفيرا أصطحبه في كل الدول
التي عمل فيها‏,‏

وقد بدأ جبر باهتمامه بالصور الفوتوغرافية اذ كان
هو أيضا يحمل الكاميرا حيثما سافر ولكن في عام‏1993‏ بدأ يوجه اهتمامه الي
الفنانين التشكيليين الذين زاروا مصر ودول المغرب منذ مائة عام ويقول كانت
تلك مرحلة جديدة لي‏,‏ اذ أصابتني عدوي الاقتناء وبدأت اكتشفت كل ما
استطيع الحصول عليه عن فناني الاستشراق ولوحاتهم‏,‏ وقد زرت متاحف
ومجموعات فردية وتحدثت الي الاختصاصيين وقرأت عن الفن التشكيلي وبدأت خطوة
خطوة في اقتناء لوحاتي حتي وصلت الآن الي ثمانين قطعة خاصة‏.‏

وينتقل
شفيق جبر بعد ذلك الي نقطة مهمة أوافقه عليها تماما وذلك حين يقول‏:‏
وجانب آخر من مقتنياتي هي رسالتها‏,‏ ان جذوري في الشرق الأوسط وإني فخور
بتراثه‏,‏ انها منطقة من العالم سبقت العالم الكلاسيكي للثقافات اليونانية
الرومانية ومن ثم فإني أري أنها مهد الحضارة والدين وإذا درسنا اللوحات
المقدمة فسنجد ان الموضوع الأساسي فيها هو شمال إفريقيا‏,‏ بالاضافة الي
بعض اللوحات لمناطق أخري منها لوحة شارع في دمشق بقلم فنان الماني‏.‏

لن
أستطيع أن أقدم اللوحات الثمانين التي يحتويها الكتاب‏,‏ اذ ان هذا عمل
مثل شخص يحاول أن يصف آثار توت عنخ آمون بعيدا عن الآثار نفسها‏,‏ ولكن
هناك عددا من المقالات الشارحة التي تعطي خلفية واسعة للوحات ومن هذه
المقالات ما كتبته كارولين ويليامز بعنوان صور استشراقية أوحت بها مصر
ومنها تتحدث عن اللوحات التي عبرت عن مصر في القرن التاسع عشر وتشرح
الظروف والتأثيرات التي أثرت علي الطريقة التي رسم بها هؤلاء الفنانون ـ
فرنسيون وبريطانيون وإيطاليون وألمان ونمساويون وأمريكان ـ

والذي
عملوا بعد عام‏1850‏ لوحاتهم وحددت الكاتبة تلك الفترة بثلاث مراحل الأولي
من‏1820‏ الي‏1840‏ وهي مرحلة أول الفنانين فكانوا أساسا من الفرنسيين
والبريطانيين وكانوا مصورين فوتوغرافيين دعاهم محمد علي ليسجلوا
الاكتشافات الأثرية وكان من ضمن هؤلاء الفنانين روبرت هاي وبروسير ماللهان
وتشارلز جلاير وكان آخرهم دافيد روبرتس الذي زار مصر من سبتمبر‏1838‏ حتي
فبراير‏1839‏ وكان عضوا في الاكاديمية الملكية بلندن وكان أول فنان يصل
الي مصر بغرض اعداد مجموعة لوحات للعرض التجاري‏,‏ ومن أهم أعماله الاجزاء
الثلاثة مصر والنوبة والتي نشر من‏1846‏ الي‏1849‏

وكانت معظم
اللوحات عن الآثار الفرعونية من الجيزة الي أبو سمبل ولكن بها أيضا لوحات
عن آثار القاهرة وأهلها‏,‏ ومن أهم لوحات روبرنز التي يحتويها الكتاب منظر
انقاض الاقصر من نهر النيل والتي رسمها عام‏1838‏ وتأتي المرحلة الثانية
من‏1850‏ الي‏1875‏ وتشرح الكاتبة هنا تأثر انتشار التصوير الفوتوغرافي في
القرن التاسع عشر علي الفن التشكيلي وبرغم ان الكاميرا استطاعت أن تقدم
موضوع تصويرها بالتفصيل الدقيق والسريع والذي يمكن اعداد نسخ منه الا أنه
كانت هناك بعض التعقيدات ومنها أن الأشخاص الذين يتحركون لا يمكن أن
يصبحوا جزءا من الصورة كما لا يمكن تصوير المناطق ذات الضوء الخافت مثل
البازارات والبيوت في الداخل‏,‏

وبالاضافة الي ذلك فإن المصور
الفوتوغرافي ليس في قدرته ان يكون صورة مثل ما يفعل الفنان التشكيلي‏,‏
ولكن أهم مشكلة كانت عدم القدرة علي استعمال الألوان التي كانت أهم عامل
في طبيعة مصر والتي أثارت اهتمام الفنانين الأجانب اذ كان التصوير
الفوتوغرافي أبيض وأسود ومن ثم فقد استعمل الفنانون التشكيليون الألوان
والضوء بعد عام‏1860‏ ومن ثم فقد ركزوا علي بعض الموضوعات ومنها الشخوص
وحياتهم اليومية ومن أهم لوحات تلك الفترة لوحة بائعة الفخار المصرية
بجوار الجيزة‏.‏ لاليزابيث جيريشاو‏(‏ عام‏1876)‏ وفيها أيضا لوحات يوم
السوق في أسوان ومنظر من سوق شرقي ومنظر للنيل من القاهرة‏.‏

وتحكي
كارولاين ويليز بعد ذلك المرحلة الثالثة من‏1880‏ الي‏1900‏ وفيها يسيطر
الفنانون الانجليز والفرنسيون والكثير من أعمال تلك الفترة تم رسمها في
باريس أو روما وفي داخل الاستوديوهات وهي لوحات اعتمد فيها الفنانون علي
الاسكتشات التي رسموها أثناء زيارتهم لمصر أو صور فوتوغرافية‏.‏ وتأتي
أخيرا فترة فناني القرن العشرين ومنهم فاهرام مانانعمان وهو أرقي وآخر
بلجيكي ومن أهم أعمال تلك الفترة رجل عجوز وفتاة صغيرة وهي دراسة لوحظ
السن المتقدم أمام وجه الفتاة الصبوح‏.‏

لقد استمتعت حقا بهذه الرحلة الجميلة بين لوحات هي في نفس الوقت تسجيل لمصر والشرق الأوسط لفترة تاريخية مهمة‏.‏

عيد الأم
إني
أعتقد أن كل يوم هو عيد الأم وإن كل أم هي أم مثالية يجب أن نكرمها كل
يوم‏.‏ ولا أدري لماذا في هذه المناسبة أذكر دائما قصة قرأتها منذ فترة عن
ابن عاق تعدي بالضرب علي أمه وقبض عليه وأثناء محاكمته ذهبت الأم الي
المحكمة وحين وقف ابنها أمام القاضي بكت الأم ورجت من القاضي الا يحكم
عليه فسألها كيف تطلبين ذلك بعد ان اعتدي عليك فكان ردها البسيط أصله ابني
يا حضرة القاضي‏.‏