عندما تتحول الديمقراطية لمعاداة الشعب لا نريد برلماناً أو نواباً مثل الكويت بقلم : محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم : محمد علي إبراهيم
عندما تتحول الديمقراطية لمعاداة الشعب
لا نريد برلماناً أو نواباً مثل الكويت

كنت فيما مضي معجبا بتجرية الديمقراطية
الكويتية فهي صاحبة أول مجلس نيابي في الخليج.. كانت هذه الدولة بثقافتها
وصحافتها التي رسم ملامحها مصريون بمثابة تجربة سياسية حقيقية في زمن مبكر
رزحت فيه المنطقة العربية تحت ديكتاتوريات أو أسر حاكمة لا تقبل بالرأي
الآخر اعتقاداً منها انه يمكن أن يؤدي لثورة تطيح بالحكم أو انقلاب يؤدي
نفس الغرض..

لكن مؤخراً تحولت الديمقراطية في برلمان الكويت إلي خنجر يطعن به
النواب وطنهم واضطر الأمير إلي حل البرلمان خمس مرات خلال ثلاثة أعوام..

السؤال الذي وجدتني مدفوعاً لطرحه هو لماذا أضحت البرلمانات التي
يدخلها بعض الإسلاميين ميادين لفوضي هدامة؟ والواقع ان النواب الذين
يطلقون علي أنفسهم اسم "الإخوان" أو "السلفيين" يعطوننا يوماً بعد آخر
نموذجا للفوضي البرلمانية.. ويا ليتها فوضي تعبر عن آراء متضاربة ولكنها
فوضي هدامة تكرس الانتقام والشتائم والانتقائية والإقصائية..

إن مايحدث في البرلمان الكويتي من خلافات يجعلني أشفق علي مجلس الشعب
في مصر وأنا أري نواب كتلة الاخوان والمعارضين يهاجمون الحكومة بضراوة
الانتقام وليس بخلافات السياسة.

في مجلس الشعب المصري أري الآن نفس الظاهرة التي عجلت بحل برلمان
الكويت.. وهي أن نواب الأخوان في مصر والمعارضة لا يعملون علي تكريس
الوحدة الوطنية ويزيدون الكراهية وفقا لاهوائهم.. نواب الاخوان في مصر
يمارسون الانتقامية والشتائمية والانتقائية وهي لا تقل خطورة عن أي خطر
خارجي.

النواب في مصر والكويت فهموا الديمقراطية علي نحو خاطئ لا ينفع معه
مسكنات أو حقن أو أدوية.. للأسف الشديد ألاحظ أن هناك تنسيقاً بين نواب
الاخوان في القاهرة والكويت.. فعندما رفعوا الأحذية في القاهرة. حذوا
حذوهم في الكويت في تطابق غريب ونية مسبقة علي ان يحذو السلفيون حذو بعضهم
البعض.

السؤال المشروع الذي يفرض نفسه الآن في مصر والكويت هل سيظل الشعب العربي راهنا مستقبل بلادنا وتقدم التنمية فيها بهؤلاء المشاكسين؟


إن ما يحدث بين نواب المعارضة والحكومة في مجلس الشعب المصري ليس
نوعاً من الاستجوابات وإنما هي اشتباكات هدفها في المقام الأول تعطيل
أعمال الحكومة ونسف مشاريعها التنموية.

المعارضة في مصر تعتبر تعطيل مشروعات الحكومة انتصاراً. وتشويه
صورتها إنجازاً. والصراخ في وجه مسئوليها ووزرائها شجاعة.. في الكويت اضطر
الأمير إزاء عنف ما تلاقيه الحكومة إلي حل البرلمان 5 مرات في ثلاثة
أعوام.. ولولا أن الرئيس مبارك من أصحاب البال الطويل لأقدم علي حماية
الديمقراطية من نفسها.. الرئيس مبارك مازال حريصاً علي نجاح الديموقراطية
المصرية.. لكن هذه الديموقراطية مطالبة بأن تترفع عن العبث السياسي والردح
والاستجوابات المفبركة والمزايدات العلنية والصراعات الجانبية.

إن مراقبتي لما يحدث في مصر والكويت تجعلني أتساءل دائماً هل ما يحدث
خطأ الدولة أم خطأ النواب أنفسهم أم أنه خطأ الشعب الذي أتي بهم عن طريق
الانتخابات عبر صناديق اقتراع شرعية؟

الحقيقة أنني مازلت متأكداً من أن الخطأ فينا نحن الذين لم ندرك أهمية اختيار النائب الحقيقي.


لقد أعلن أمير الكويت بعد حل البرلمان ما يفيد هذا المعني عندما توجه
بخطابه للمواطنين قائلاً "أتوجه إليكم أن تعينوني بقوة علي حسن اختيار من
يمثلكم في الدفاع عن مصلحة الكويت حاضراً ومستقبلاً وتحقيق تطلعاتكم في
وطن آمن مستقر ومزدهر".

ولو انتقلنا بالمشهد من الكويت لمصر نجد أن نواب الإخوان والمعارضة
ابتعدوا عن أداء دورهم الحقيقي في تقييم أداء الحكومة ومحاسبة الوزارات
بهدف الحفاظ علي الاستقرار وتحقيق تنمية وطنية مستديمة وتفرغوا للملاسنات
المتفجرة بينهم وبين نواب الوطني.. و السؤال هو هل يمكن تحقيق انجاز في
اجواء مشحونة بالغيوم والتربص والتوتر والتعسف والعنف والتشكيك.. لقد
أصبحت عبارات التشكيك وإهانة الوزراء وتأليب الحكومة ضد رجال الأعمال
والوقيعة بينهم وبين الحكومة هي السائدة في الساحة التي من المفترض ان
يسعي الجميع فيها إلي مصلحة الوطن وليس إلي الجدل العميق والخلافات
وافتعال الأزمات وتبادل عبارات التشكيك والإهانة بين أبناء وطن واحد.

أن أخطر ما في هذا التلاسن أنه لا يصور الأمر علي أنه خلاف في وجهات
النظر بين فريق وآخر. ولكنه انتقل من خلاف السياسة إلي خانة التخوين.

فخطورة ما يقوم به نواب الإخوان أنهم يضعون الحكومة دائماً في خانة
الفساد والخيانة ومحاباة رجال الأعمال.. ديمقراطية الإخوان أنهم يريدون من
الجميع أن يوافقوا علي آرائهم بلا مناقشة لأنهم لا ينطقون عن الهوي!!

الإخوان يعطلون مثلاً قانون نقل الأعضاء رغم اجازته في مجمع البحوث
الإسلامية وهو أعلي مجلس علمي في الأزهر الشريف.. سبب تعطيل صدور القانون
أن الإخوان لا يوافقون علي موت جذع المخ ويقولون إنه ليس وفاة "يقينية"
وقد عطلوا المشروع أكثر من مرة.. لا سبب وجيهاً للتعطيل سوي أن الحكومة هي
التي قدمته وبالتالي لا يصح الموافقة علي ما تقدم به الخصوم.

الشيء الثاني الهام هو أن الإخوان اعترفوا انه إذا احتاج احدهم
لزراعة عضو فإنه يسافر للخارج لإجرائها.. والمعني انهم طالما يمتلكون
القدرة المالية فلا يكترثون لباقي الشعب.

لو كان نواب الإخوان في برلمان مصر ينظرون إلي المصلحة العامة
لطالبوا بإقرار هذا المشروع لوضع حد لتجارة الأعضاء التي يقدر البعض حجمها
في مصر بحوالي 50 مليون دولار سنويا.. وهناك شبكات منظمة يقودها أطباء
بالتعاون مع مستشفيات لهذه التجارة المدمرة.

هذه واحدة من النقاط الكثيرة التي يختلف فيها الإخوان مع الحكومة
والحزب الوطني ومثلها نقاط كثيرة كتصدير الغاز وممارسات الاحتكار وارتفاع
الأسعار وعجز الموازنة وغيرها. لكن الخلاف يظل منحصرا في أن الإخوان لو
وافقوا علي قانون "حكومي" أي قانون فإنهم يكونون قد ارتكبوا ذنبا كبيرا أو
معصية.. من ثم سيظل الخلاف بين الحكومة والمعارضة سائدا بمنطق داحس
والغبراء.. حرب بلا منطق أو مبرر سوي تعطيل التنمية وتخريب الاقتصاد
وتعطيل الاستثمار.. الغريب أن أحد النواب الإسلاميين في الكويت قال إنه لو
كان في الحكم لوافق علي هذه القوانين ولكن بطريقة مختلفة.. إذن القضية
ليست في الاعتراض علي القوانين الحكومية ولكن أن يكون الإخوان في الحكم
حتي يعطوا الصفة الشرعية لهذه القوانين!!.