علي الجارم‏..‏ فصل الخطاب‏1‏ بقلم : فاروق شوشة

من طرف **سهر الليالى** الأحد مارس 29, 2009 5:13 pm

علي الجارم‏..‏ فصل الخطاب‏1‏
بقلم : فاروق شوشة

تحت
هذا العنوان شاعر العروبة الكبير علي الجارم‏:‏ فصل الخطاب‏,‏ يصدر
الدكتور أحمد علي الجارم‏,‏ الأستاذ المتفرغ بكلية الطب بجامعة القاهرة
وعضو مجمع اللغة العربية‏,‏ كتابه عن أبيه في الذكري الستين لرحيله‏,‏ عن
الدار المصرية اللبنانية‏..‏ الكتاب دفاع حار عن شاعرية علي الجارم‏,‏
ومواجهة لكل ما تعرض له شاعرا وإنسانا في حياته وبعد رحيله‏,‏ ودفاع عنه
ضد مؤامرة الصمت والتعتيم‏,‏ وضد الحاقدين عليه وسرد مظاهر التكريم لهذا
الشاعر الكبير‏,‏ كما أن الكتاب يأتي حلقة في سلسلة الوفاء الكبير والدور
المتصل الذي قام به الدكتور أحمد الجارم من أجل إعادة نشر تراث أبيه شعرا
ونثرا‏,‏ والدعوة الحارة إلي إزاحة الظلم الذي وقع عليه‏,‏ من وجهة نظره‏.‏

ويبدو
لي أن بداية هذا الموقف من شعر علي الجارم تعود إلي الفراغ الذي أصاب
الحياة الأدبية بعد رحيل شوقي أمير شعراء العربية‏,‏ وبخاصة أنه تم
اختياره ضمن الأعضاء المؤسسين لمجمع اللغة العربية في عام‏1933‏ من بين
عشرين عالما‏,‏ وكان حينئذ كبيرا لمفتشي اللغة العربية‏,‏ متقدما علي
اختيار كل من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين‏,‏ والكاتب الكبير عباس
محمود العقاد بسبع سنوات‏,‏ إذ لم يلحقا بالمجمع إلا في عام‏1940,‏

وكان
الرأي وقتها أن اللغويين ـ وعلي رأسهم علي الجارم ـ أحق من الأدباء
والكتاب بعضوية المجمع حتي لو كانوا في قامة طه حسين والعقاد‏,‏ وسرعان ما
أصبح الجارم بخبرته وبحوثه اللغوية وعمله الطويل في الميدان متقدما علي
الآخرين من أقرانه في المجمع‏,‏ وهو ما حدا بالدكتور أحمد الجارم إلي أن
يفسر مؤامرة الصمت والتعتيم علي أبيه بأن وراءها حقدا ومرارة نشآ أولا عن
سبق الجارم إلي المجمع‏,‏ وعن موقف سلبي من دار العلوم بكل ما تمثله من
ثقافة عربية وإسلامية‏,‏ ومن دور تعليمي وتربوي في حياة المجتمع المصري‏,‏
فأصبح الهجوم علي علي الجارم ـ وهو أحد رموز هذا الصرح العلمي العريق ـ
هجوما علي دار العلوم نفسها‏.‏

والغريب أننا نجد العقاد ـ وقد برئت
نفسه تماما من هذا الموقف وأصبح أكثر انعطافا إلي الموضوعية والتجرد ـ يصف
الجارم الشاعر بأنه ركن من أركان مدرسة شعرية تستحق الآن أن تعرف
بملامحها‏,‏ وأن تستقل بعنوانها فلا تلتبس بمدرسة أخري تنسب إلي علم من
أعلام الشعر المخضرمين بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين‏.‏

إنها
مدرسة يجوز لنا أن نسميها بمدرسة دار العلوم‏,‏ ونعجب لأنها لم تتميز بهذه
الميزة الواضحة‏,‏ وهي أدل عليها من كل جامعة أخري تفرقها ولا تقارب بين
أوصالها‏..‏ فلها ملامح أسرة فكرية نفسية خلقتها طبيعة الدراسة التي
انفردت بها دار العلوم ولم تشبهها دراسة من قبيلها في لغتنا‏,‏ ولا في لغة
أخري من لغات الثقافة المعروفة لدينا‏.‏

فالدرعمي لغوي عربي سلفي
عصري‏,‏ ولكن علي منهج فريد في بابه بين مناهج المعاهد السلفية والمدارس
الإفرنجية‏,‏ وبين مناهج المحافظة والتجديد‏,‏ ومناهج الابتداع والتقليد‏.‏

بهذا
المعني أصبح الجارم رأس شعراء عصره بعد رحيل شوقي‏,‏ ولم يكن ينافسه أو
يقترب منه إلا شاعران هما محمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه ـ الذي رحل معه
في عام رحيله عام‏1949,‏ ويبدو لي أن الثلاثة كانوا يتنافسون علي خلافة
شوقي‏,‏ وكانت مدائحهم الملكية أحد شواهد هذا الطموح‏,‏ وهي المدائح التي
شغلت ديوانا كاملا عند محمود حسن إسماعيل هو ديوان الملك ومساحة من شعر
علي محمود طه فيما سمي بـ أفراح الوادي التي تناولت قصائده فيها تولية
الملك فاروق ومهرجان زفافه وميلاد ابنته الكبري فريال‏,‏ وشغلت من ديوان
الجارم عددا من قصائده في أعياد الجلوس و عديد المناسبات الملكية‏.‏

ولم
يكن شعراؤنا الثلاثة وحدهم في هذا السياق‏,‏ بل كان معهم كثير من شعراء
مصر إن لم يكن كلهم‏,‏ فقد كان الملك ـ في سنوات حكمه الأولي ـ رمزا وأملا
لشباب مصر‏,‏ ورهانا تنعقد عليه آمال الوطن وأحلامه التي لم تتحقق بعد
ذلك‏.‏

ولقد تعرض شعر الجارم بعد قيام ثورة يوليو عام‏1952‏ لظلم
فادح حين أمرت الرقابة بحجب ديوانه‏,‏ كما فعلت في القصائد التي يضمها
ديوان شوقي‏,‏ والتي صاغها في الأسرة العلوية الحاكمة‏,‏ وتلقفت بيروت
الأمر‏,‏ وسرعان ما أصدرت طبعة جديدة من الشوقيات خلت من هذه القصائد حتي
يتاح لها الدخول إلي مصر‏.‏

أما محمود حسن إسماعيل‏,‏ فقد صمت
تماما عن ديوانه الملك‏,‏ ولم يعد يذكره ضمن سجل دواوينه إيثارا
للسلامة‏,‏ مع أن الديوان يشهد لمحمود حسن إسماعيل ـ شاعر الكوخ ـ بأنه
كان ديوانا يحسب له ولا يحسب عليه‏,‏ حين كان يطالب الملك في قصائده بأن
يلتفت إلي رعيته التي تعاني الجهل والمرض والحفاء‏,‏ والتي لا تكاد تجد
قوت يومها‏,‏ ويلح علي هذا الأمر في قصائد ديوانه‏.‏

وكان من أبرز
من شاركوا في القصائد الملكية العقاد وناجي وصالح جودت وغيرهم‏,‏ الذين لم
يلحق بهم من الأذي ما لحق بالجارم وصاحبيه‏..‏ ويضيف الدكتور أحمد الجارم
إلي ظلم طه حسين وتجنيه علي الجارم‏,‏ ظلما آخر شارك فيه الدكتور زكي
مبارك والدكتور محمد مندور‏,‏ لكن زكي مبارك كان لديه من لطف التأتي وخفة
الظل ما جعله يكتب عن الجارم بعد سماعه يشدو باسم مصر في المؤتمر الطبي
العربي ببغداد قائلا‏:‏ فيا أيها العدو المحبوب الذي اسمه علي الجارم‏,‏
تذكر أنك كنت حقا وصدقا شاعر مصر في المؤتمر الطبي العربي‏..‏ وهل تعرف
مصر أنك رفعت رأسها في العراق‏,‏ وأنك كنت خليفة شوقي في المعاني وخليفة
حافظ في الإلقاء؟‏..‏ والحديث موصول‏.‏