راحـــــــــــلان بقلم : يوسف القعيد

من طرف maream الإثنين مارس 30, 2009 5:58 pm

راحـــــــــــلان
بقلم : يوسف القعيد

في
بيروت رحل عن عالمنا الدكتور محمد يوسف نجم‏..‏ عرفت ذلك من يوميات محمد
علي فرحات في جريدة الحياة‏,‏ وهو بدوره عرف بوفاته من نعي الجامعة
الأمريكية في بيروت لواحد من أساتذتها‏.‏

ونجم ـ لمن لا يعرف ـ لم
يكن واحدا من نجوم الكتابة في صحف زماننا‏,‏ ولكنه أكاديمي‏,‏ لعب دوره
كما يجب أن يلعبه‏,‏ مثقف عربي في النصف الأول من القرن العشرين‏,‏
فلسطيني درس في الجامعة الأمريكية في بيروت قبل النكبة الكبري ـ وأي
الأعوام كانت بدون نكبات؟ ـ وعمل بالتدريس في الجامعة بعد النكبة الكبري‏.‏

وبرغم
إقامته المصرية لفترة من الوقت‏,‏ وقيامه ببعض أدوار عمره الثقافية
فيها‏,‏ لكنه كان بيروتي الإقامة والحياة‏,‏ حقق وأصدر المجموعات الكاملة
لمجلة أبو نضارة كتابات ورسوم المسرحي المصري الرائد يعقوب صنوع‏,‏ وقد
أصدرها من باريس‏..‏ والمجموعة الكاملة لمجلة أبوللو التي أصدرها هنا في
مصر أحمد زكي أبو شادي‏,‏ وكانت المنبر المصري‏,‏ ثم العربي في مرحلة
أولي‏,‏ والمهجري علي مستوي العالم كله في مرحلة تالية‏.‏

وأيضا
حقق مجموعة مجلة الضياء لإبراهيم اليازجي‏,‏ وقد أنجز هذا العمل وأصدره
نجم خلال إقامته المصرية‏,‏ وربما ظل يحتفظ طوال حياته بشقة تخصه في شارع
كورنيش النيل‏,‏ بالقرب من مبني الإذاعة والتليفزيون‏,‏ وتولي إصدار
مجموعة الجامعة لفرح أنطون‏..‏ كيف تناسي من كتبوا عنه بعد رحيله‏,‏ دوره
في تجميع أعداد مجلة أحمد حسن الزيات الرسالة وطبعها عن طريق التصوير
الحديث‏,‏ وإصدارها في مجلدات ضمن مشروع تولته دار سعاد الصباح للطبع
والنشر في بيروت والقاهرة والكويت‏,‏ وتم تجليدها في مجموعة مجلدات توشك
أن تشكل مكتبة متكاملة‏,‏ لو قرأها إنسان ولم يقرأ سواها لتكونت لديه
ثقافة توشك أن تصل إلي حدود الاكتمال‏,‏ مع أن الكمال لله وحده‏,‏ لا
تتصور أن هذه المهام شكلت مشروعه‏..‏ فالرجل قام مشروعه علي التأريخ
للمسرح العربي‏,‏ وفي المقدمة منه المسرح المصري طبعا‏,‏ وبالذات البدايات
المسرحية التي عرفتها الحضارة العربية‏,‏ ومازال كتابه عن فن كتابة
المسرحية‏,‏ من الكتب المؤسسة التي لابد من قراءتها لكل من يكتشف بداخله
الرغبة في الكتابة للمسرح‏..‏ رأيته مرة أو مرتين في القاهرة‏,‏ وصورته
الذهنية عندي ربما اختلطت بطيف إحسان عباس‏,‏ قد تكون هناك الكثير من
الأمور المشتركة بينهما‏,‏ وإحسان عباس هو الذي ترجم رواية هيرمان ميلفيل
الشهيرة‏:‏ موبي ديك‏,‏ واعتبرت النص المؤسس لأدب البحار بعد ذلك‏.‏

وفي
المغرب العربي رحل عن عالمنا الدكتور عبدالكبير الخطيبي‏,‏ عن‏71‏ عاما‏,‏
بعد رحلة اغتراب مكاني عن بلاده المغرب‏,‏ حيث عبر المياه إلي فرنسا
لفترات طالت أكثر مما ينبغي‏,‏ ورحلة مرض لم تكن طويلة‏,‏ والرجل كان يكتب
بالفرنسية‏,‏ وكتبه المنشورة بالعربية ترجمت بعد ولادتها في منفي لغة
الآخر‏,‏ روايته الأولي كانت‏:‏ الذاكرة الموشومة‏,‏ وقد صدرت سنة‏1971,‏
جمع الخطيبي بين تناقضين‏,‏ كان الرجل مغربيا حتي النخاع‏,‏ ولكنه أيضا
حاول أن يكون فرانكفونيا منفتحا علي هذا الفضاء الرحب إلي آخر مدي‏,‏ مع
أنه بدأ حياته الأدبية عندما كان في الثامنة عشرة من عمره شاعرا
بالعربية‏,‏ وربما كان الوحيد الذي بعد أن أجبر علي هجر لغة أهله
وجذوره‏,‏ واختار الفرنسية للكتابة‏,‏ لم تنقطع صلته بالعربية أبدا‏,‏
سواء علي مستوي الكتابة أو القراءة‏.‏

رحلته تذكرنا برحلة مغربي
آخر هو عبدالفتاح كليطو‏,‏ أفضل من درس التراث العربي باحثا عن بذور الحكي
والعقل والاستنارة فيه‏,‏ مستخرجا إياها بعد أن اكتشف شدة احتياجنا لها
الآن‏..‏ عبدالفتاح كليطو يكتب بالفرنسية‏,‏ ثم تترجم أعماله إلي اللغة
العربية‏,‏ فلا تشعر بأنها خرجت إلي الوجود فرنسية أبدا‏,‏ إنها الرحلة
نفسها التي مر بها إدوارد سعيد‏,‏ الفلسطيني المولد‏,‏ الذي اختار منفي
اللغة الإنجليزية ليكتب به‏,‏ وظل يتنقل بينهما طيلة حياته‏,‏ لقد درس
عبدالكبير الخطيبي علم الاجتماع‏,‏ وكانت الدكتوراه التي حصل عليها من
السوربون عام‏1965‏ عن الرواية المغاربية‏,‏ لم يشغل نفسه بعلم الاجتماع
الميداني‏,‏ ولم يجر وراء ظواهر يومية عابرة‏,‏ لكنه ركز علي البعد النظري
في عمله‏,‏ كان ينتقل بشكل دائم ومستمر‏,‏ بيين شاطئ الأبيض المتوسط‏,‏
وخلال الحل والترحال عرف بعض مفكري فرنسا‏,‏ ثمة عبارة قالها عنه رولان
بارت ـ وهو من هو وكان من كان ـ قال عنه‏:‏

ـــ إنني والخطيبي نهتم
بأمور واحدة‏:‏ الأدلة‏,‏ الآثار‏,‏ الحروف والعلامات‏,‏ وفي الوقت نفسه
يعلمني الخطيبي جيدا‏,‏ ويخلخل معرفتي‏.‏

له رواية قرأت عنها
الكثير‏,‏ وإن لم يتسن لي قراءتها‏..‏ عنوانها‏:‏ حب باللغتين صدرت
عام‏1983‏ في باريس‏,‏ ومن المؤكد أن اللغة لعبت دور البطولة في هذا
النص‏,‏ وأن التأرجح بين لغة الأصل‏,‏ واللغة المكتسبة كان هما من همومه
اليومية‏,‏ كان يعيش أزمة‏,‏ والأهم أنه كان يعيها ويدركها‏,‏ ولديه شجاعة
التعبير عنها ومن خلال نص أدبي‏.‏

قد تسألني عن السبب الذي يدفعني
للكتابة عن الراحلين‏,‏ وأقول لك إنني أضيق أحيانا لحد الاختناق بالإحساس
أننا نكتفي بمصرنا‏,‏ ولا نفكر في النظر حولنا‏,‏ أيضا فإن ما يكتب في
صحافة الأشقاء العرب من المحيط الهادر إلي الخليج الثائر أو الذي كان هكذا
في غابر الأيام‏,‏ أقول إن ما يكتبه الأشقاء العرب عنا‏,‏ يولد لدي شعور
صحي بالخلجل الذي لا حدود له‏.‏