قرآن وسنة د. عبد الله النجار

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار
من مقاصد تكريم الرموز في أي أمة أن يكون
ما حققوه من إنجاز استحقوا التكريم بسببه عملا إراديا من جهتهم فإذا كان
للأقدار دخل في تحقيق ما وصلوا إليه. كان عملهم خارجا عن نطاق الصلاحية
للتقدير. لأن تدخل الأقدار مسألة شخصية لا يتشابه فيها اثنان. ولو طالبنا
أحدهما ببذل الجهد الذي يستحق لأمر التكريم بسببه لما استطاع. لأن الأقدار
لم تقف بجانبه. ولأن تدخل الأقدار لصنع نبوغ الشخص يشبه المعجزة في تفردها
وندرة تكررها. فلا يكون للتكليف به معني. لأن أحدا لن يستطيع أن يحاكي
المعجزة.

وبالبناء علي ذلك كان اختيار الأمهات المثاليات للتكريم بسبب أنهن قد
بذلن جهدا في رعاية أولادهن المرضي أو العمي. أو الصم. أو الذين أصيبوا
بعجز جسماني شديد عملا غير سائغ ليس من جهة أنهن لن يقدمن عملا مشكورا. بل
من جهة أن المعني الذي استلفت أنظار الذين اختاروهم يتضمن أمرا قدريا هو
ابتلاء أبنائهن بالمرض أو العاهة. فهب أن أما لم تمنحها الأقدار بمثل ذلك
وبذلت جهدا خارقا في أن يكون أبناؤها خداما أقوياء لوطنهم. ولم يكن هؤلاء
الأبناء من ذوي العاهات الجسمانية. أما تستحق تلك الأم التكريم؟. إن
الإجابة بالنفي تقتضي الظلم الفاضح والضلال الواضح. فربما كانت تلك الأم
التي صنعت مجد أبنائها بخالص عملها أحق بالتكريم من تلك التي لم تستطع أن
تظهر ذلك المجهود إلا بفضل تدخل الأقدار في صنعه. أو من جهة أنها كانت
الدافع له. ومن ثم تكون التسوية بينهما - علي الأقل - أمرا يمثل عين العدل
والصواب في مسألة التكريم هذه.

ولهذا السبب انتقدنا منهج الوزير مصيلحي في اختيار المكرمات. حيث
جمعهن كلهن من ذوي الحاجات والعاهات والابتلاءات. دون أن يراعي مقصود
التكريم وهو أن يهدف إلي حفز همة الآخرين ليحاكوا المكرمين في بذل ما
قدموه من جهد. وليس فيما ساعدتهم به الأقدار من بلوي. ومن ثم يكون التكريم
حافزا للعمل. وليس داعيا إلي الدعة والاتكال والسلبية. وانتظار العطف من
الآخرين. وكان من الممكن أن يخفف من حدة ذلك التشويه العفوي له. لو أنه
مزج بين الأمرين. ولم يجعل مسألة العاهات هذه الفيصل فيه. لاسيما وأن جهود
المكرمين لم تتجاوز حصول أبنائهم علي شهادة جامعية من كلية الدراسات
الإسلامية. أو الطب والصيدلة. أو غيرها. وكلها شهادات عادية يحصل عليها كل
عام عشرات الألوف من الطلاب بالوسائل المشروعة وغير المشروعة. وهو ما لا
يجعل لتلك الشهادات ثمن في سوق الإجازات العلمية المعاصرة. ثم ما الذي
ستستفيده الأمة من حصول طالب علي شهادة جامعية يعلم الجميع أنها لا تساوي
قيمة الحبر الذي كتبت به. ولا قيمة الورق الفخم الذي طبعت عليه. يجب إعادة
النظر كلية في أساليب اختيار الأمهات المثاليات. وإبعاد الوزير المصيلحي
إذا استمر في الوزارة عنه.