فاقد السيادة لا تغطيه قمة "2"بقلم: محمد علي إبراهيم

مصر المستقبل
بقلم: محمد علي إبراهيم
فاقد السيادة لا تغطيه قمة "2"
منذ الاعلان عن قمة الدوحة وكلمة
"المصالحة" هي الأكثر ترديدا علي ألسنة المسئولين العرب.. وللأسف البعض
يردد الكلمة دون أن يهتم بتحقيق معناها.. وآخرون يركزون عليها بشكل فيه
خبث ودهاء وكأن الذين لم يحضروا القمة هم الرافضون للمصالحة العربية.

بداية لابد أن ندرك أن المصالحة "تستنسخ" في كل القمم العربية.. فمنذ
أعلنت جامعة الدول العربية عام 1945 وحتي الآن والكلمة مطروحة علي الساحة
حتي فقدت معناها.. فمنذ أن ظهرت للوجود لم يحاول العرب تحويل "المصالحة"
إلي معني حقيقي.

في كل قمة نفاجأ بأن هناك دولتين أو ثلاثاً علي خلاف وتبذل المساعي
والوساطات حتي ترضي الدول بالجلوس إلي مائدة تضم الزعماء.. وتعتبر الدولة
المضيفة انها نجحت في تحقيق المصالحة لمجرد أن هؤلاء القادة قبلوا بحضور
القمة.. يمكن أن يحضروا ولا يتحدثوا الي بعضهم البعض أو تقتصر تحيتهم
لبعضهم علي ايماءة رأس أو ابتسامة باهتة ويجتهد بعضهم الا يكون السلام
باليد أو "الشيك هاندز" كما وصفها د.مفيد شهاب رئيس وفد مصر لقمة
الدوحة..من ثم لابد أن نسأل أنفسنا هل هناك ضرورة للمصالحة الشكلية في كل
قمة عربية؟ المشكلة أن لكل دولة عربية رأياً مختلفاً في القضايا السياسية
العامة التي تهم جميع العرب.. الحكومات العربية ترتكب أحيانا أخطاء في
حكمها علي القضايا القومية.

فالقضايا القومية ينبغي ان يكون عليها إجماع بديهي.. فطالما أن
القضية قومية فهذا يعني أنها تخص العرب وحدهم. ومن ثم فالمصلحة العربية
العليا تقتضي أن تكون وجهة النظر واحدة ازاء هذه القضايا.. لذلك عندما
نقول إن هناك قضية قومية لا يصح أن ترتبط بمصالح فيجذبها هذا الي جانبه
وذاك الي فريقه.

القضايا القومية ينبغي أن يكون عليها اتفاق.. لا يصح أن تكون هناك
قضية كالصراع العربي الإسرائيلي واتفق العرب في قمم سابقة علي حل الدولتين
الفلسطينية والاسرائيلية.. ثم تجيء قوة اقليمية غير عربية "إيران" فتشجع
فصيلا فلسطينيا علي الانقلاب علي فصيل آخر لنحظي في النهاية بثلاث دول..
ولا يجوز أيضا أن يكون هناك اتفاق عربي علي إتمام الحوار الفلسطيني
والمصالحة الفلسطينية ثم تجيء دول عربية وتفسد هذا الحوار عن عمد سعيا
وراء اختطافه ليتم علي أرضها أو في عاصمة موالية لها.

للأسف المصالح العربية تعارضت وتضاربت عندما تعامي العرب عن مصلحتهم
واسلموا قيادتهم لقوة تشاركهم حدود مياههم الاقليمية في الخليج العربي.

مشاركة قوة اقليمية للعرب حتي لو لم تحضر قمتهم معناه ان القضايا
العربية التي تهم أساسا اصحابها صارت أداة لتوسيع النفوذ الخارجي علي حساب
الحيز الوطني والأمن القومي.. وبالتالي كلما توسع تأثير النفوذ الخارجي
أصبح من المستحيل امكانية حلها بمقومات عربية فقط.. أدي هذا التدخل في
القضايا القومية العربية إلي أن اصبح حلها مرهونا برضا القوي الاقليمية
أولا وأخيرا.. لم يعد أحد مهتما بسؤال الشعب العربي عما يريد.. هذه كارثة
ومصيبة.. أن تكون القضية عربية وحلها يتم استيراده من الخارج.

مضي الزمن الذي كان فيه الحكام يفكرون نيابة عن شعوبهم. فإذا ببعض
العرب يدخلوننا إلي زمان يحل فيه مشاكلنا زعماء غير عرب نتيجة لصداقات أو
تحالفات يقيمونها مع قادة عرب.

مصلحة الشعوب العربية ان تتوصل لحل قضاياها من خلال مؤسساتها الوطنية
وعلي أساس نظريات واقعية وموضوعية لطبيعة المشكله بغض النظر عن دوافع هذا
الطرف أو ذاك.

من أجل هذا المعني قال الرئيس مبارك في الخطاب الذي ألقاه د. مفيد
شهاب في القمة إننا لا نسمح بتدخلات أطراف غير عربية تغذي الخلاف وتكرس
الانقسام.

الرئيس مبارك يدرك من خلال الكلمة البليغة التي ألقاها في القمة انه
طالما أن كل الأزمات العربية قومية فلا يصح أن يصبح التدخل الخارجي في هذه
الأزمات ملازماً لرغبة أطراف غير عربية في إحداث تغيير في ميزان القوي
الداخلية للشعوب الأمر الذي يؤدي إلي تقوية طرف علي حساب آخرين "حزب الله
في لبنان وحماس في فلسطين".. وهذا يعني ببساطة عدم الاعتراف باستقلال
الطرف صاحب الأزمة لأننا فرضنا عليه وصاية.. ونزعنا عنه الآليات والقوانين
التي تكفل ممارسته لسيادته.

انني هنا لا أحمل المسئولية بكاملها للأطراف الخارجية ولكن أصحاب
الأزمات الداخلية يتحملون قدراً كبيراً من المسئولية لأنهم يثيرون
الانقسامات العربية ويقبلون علي مد أيديهم إلي الأطراف الخارجية للاستعانة
بهم للانتصار في معركتهم الداخلية.

وإذا كانت الدول العربية ستصدر بياناً في ختام اجتماعاتهم بالدوحة
فإنني أطالبهم باتخاذ كلمة الرئيس مبارك نبراساً لهم وهادياً لسواء
السبيل.. علي الدول العربية التوقف عن استنساخ مصالحات في كل قمة.. الأهم
أن يعتمدوا المصارحة والمكاشفة ويدفعوا الأيادي الخارجية بعيداً عن
قضاياهم ويدركوا أن الهوية العربية هي درعهم وسيفهم.