كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من طرف **بهاء** الأربعاء أبريل 01, 2009 10:15 am

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

لا
شيء أخطر علي أي أمة من أن تقع في محظور الجمود وأن تخاصم التطور‏,‏ خصوصا
في علوم السياسة والاقتصاد‏..‏ لأن ذلك معناه الاستسلام للأفكار المتحجرة
التي تريد أن توقف حركة الأمم والشعوب نحو المستقبل‏.‏

ومثلما يري
علماء الطبيعة أن الكرة تظل ساكنة لا تبرح مكانها حتي يركلها أحد اللاعبين
فإذا بها تتحرك وتتدحرج‏,‏ يمكن القول أيضا إن الفكر الإنساني يبقي ساكنا
كهدوء الليل فإذا بحوادث الأيام تحركه وتدفع به لينطلق حتي يعود إلي سكونه
ولايعاود التفكير حركته مرة أخري إلا بظهور قوة أخري تنقله من خندق السكون
إلي ساحة الحركة‏.‏

وأي نظرة دقيقة علي المشهد الإقليمي الراهن
تكشف لنا بوضوح أن الوطن العربي يعيش مرحلة من أخطر مراحل حياته‏,‏
وأدقها‏,‏ حيث يجد نفسه محاطا بظروف تتماوج من حوله‏,‏ فيتماوج معها
الفكر‏,‏ فتأخذه اتجاهات شتي‏,‏ وأحداث متغايرة‏,‏ وظروف متقلبة‏,‏ تمثل
في مجموعها تحديات تتطلب القدرة علي سرعة تجديد الفكر وتحديثه‏.‏

إن
من الظلم لحاضر أمتنا العربية ومستقبلها أن تظل أسيرة لعدد من المفكرين
تحرك عقولهم قوة واحدة‏,‏ مهما تعددت القوي من حولهم‏,‏ وكأن أفكارهم
لاتتبدل ولاتتفاعل مع الأيام والأحداث‏,‏ خصوصا وأن هؤلاء المفكرين قولبوا
فكرهم علي مبدأ واحد‏,‏ إن صلح لزمان غابر‏,‏ فما هو بصالح لزمان آت‏...‏
مفكرون يعوزهم الإدراك بأن الأيدي المكبلة لاتستطيع حراكا‏,‏ وأن العقول
المقولبة لاتنتج إلا أفكارا مسبقة الإعداد‏,‏ وأنهم بوعي منهم أو عن غير
وعي أسري لأفكار ومعتقدات عاشت معهم ردحا من الزمن‏,‏ فلاهم بقادرين علي
الخروج من أطرها‏,‏ ولاهم بمصدقين أنهم رعوا أفكارا ومناهج ولآماد
طويلة‏,‏ إيمانا منهم بمصداقيتها‏,‏ فإذا هي أفكار ومناهج أضرت بأكثر مما
أفادت وشتتت صفوف الأمة بدلا من أن توحدها‏!‏

إن أي مفكر مستنير
يجب أن يدرك أنه مهما بلغ رصيده من الخبرة ومعرفة خبايا السياسة
ودهاليزها‏,‏ فإن آخر شيء يمكن له القول به هو أن حصاد خبرته يصلح لكل
الظروف‏,‏ وإنما تتحدد النتائج ضمن الظروف التي أقيمت عندها التجربة التي
صنعت له الخبرة‏,‏ فليست كل المواجهات واحدة وليست كل الأجواء متشابهة‏,‏
ومن هنا فإن التعامل مع أي قضية تحت ظروف مغايرة سوف يفرز نتائج مختلفة
عما تشير إليه أجندة الخبرة والتجربة‏.‏

وعلي الأمة العربية التي
تواجه خطر الغرق في بحار كثيرة‏,‏ أمواجها متلاطمة ورياحها عاتية‏,‏
وشواطئها مليئة بالأشواك والأحجار المدببة‏,‏ أن تدرك أن الأفكار المتحجرة
مؤهلة للغرق في محيط التطورات السياسية المتلاحقة‏,‏ وأن الأمر يتطلب
تحديثا للأفكار والرؤي القادرة علي استمرار الطفو فوق سطح الأحداث
الجارية‏.‏

attalla@ahram.org.eg