نقطة نور بقلم : مكرم محمد أحمد

من طرف **tete** الخميس أبريل 02, 2009 2:58 pm

نقطة نور
بقلم : مكرم محمد أحمد

الابن قد كبر

في
المثل المصري الدارج‏,‏ إن كبر الابن يصبح مطلوبا من الأب أن يعامله مثل
آخيه‏,‏ يشركه في أمره ويشدد به عضده‏,‏ ويعطيه فرصة أن يحقق ذاته‏,‏
ويقبل اختلاف رأيه لأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية‏,‏ فإذا أخطأ الابن
يصبح من واجب الأب أن يكاشفه ويصارحه القول‏,‏ ويتلمس له الأعذار إن حسنت
المقاصد والنيات‏,‏ لكن من حق الأب أن يغضب إن ركب العناد رأس الابن وأغلق
سمعه عن قبول النصيحة والعتب‏,‏ وأخذته العزة بالإثم‏,‏ ونسي مقام الأب
وأغراه الاستكبار علي شطط القول والمسلك‏.‏

وفي داخل كل الأسر يقع
الخلاف بين الأباء والأبناء وبين الاخوة والأشقاء لأن الخلافات قائمة
وموجودة‏,‏ وتباين الرؤي أمر طبيعي‏,‏ لكن الأسرة الواعية التي تحفظ
الأصول وتحافظ علي القيم هي التي تحاصر الخلافات داخلها لا تسمح بها أن
تتحول إلي فتنة أو ضغينة‏,‏ ولا تعطي فرصة لتدخلات من خارجها تغذي الفرقة
والانقسام‏.‏

وما يصدق علي علاقات الأبناء والآباء والأفراد داخل
أسرهم العربية يصدق في كثير منه علي العلاقات بين نظم الحكم العربية التي
لايزال يحكمها المفهوم الأبوي للسلطة وعلاقات الأخوة‏,‏ ومكانة الشقيق
الأكبر الذي حمل الكثير من عبء أسرته برغم وجود جيل جديد من الحكام العرب
يعتلي سدة الحكم في سوريا والأردن والمغرب وقطر والبحرين‏,‏ ربما يكونون
قد عركوا التجارب الصعبة التي عاشها آباؤهم‏,‏ تحفزهم طموحاتهم الشابة إلي
أن يشاركوا بقوة في صياغة المستقبل العربي‏.‏

وأظن أن المفهوم
الأبوي الذي مازال يحكم العلاقات العربية لا يشكل عبئا أو نقيصة‏,‏ ولا
يكشف عن قصور في درجة التطور أو تعارض مع حداثة المجتمعات الديمقراطية
يصعب حله‏,‏ كما يعتقد كثيرون‏,‏ لأن ما يميز حضارة الشرق عن الغرب هو
علاقات الترابط الاجتماعي القوية داخل مجتمعاتنا التي حفظت وحدتها وأبقت
علي الكثير من تقاليدها الأصيلة‏,‏ ولم تسمح بأن تتسع الفجوة بين الأجيال
إلي حد يصعب ردمها‏.‏

وما من شك في أن العمل العربي المشترك يتسع
لجهود هذا الجيل الجديد من الحكام العرب الذي يمارس الحكم في ظروف دولية
مختلفة‏,‏ أنهت عصر الاستقطاب وتكاد تنهي الآن عصر الهيمنة المنفردة
والقرار الأحادي الجانب في العلاقات الدولية‏,‏ في ظل أزمة اقتصادية
عالمية ثبت باليقين أن حجمها أكبر من قدرة أي دولة متفردة‏,‏ خصوصا وأن
بعض هؤلاء الحكام الجدد يتطلعون إلي القيام بأدوار مهمة ويملكون إمكانات
وقدرات واسعة يحسن استثمارها في إطار الجهد العربي المشترك بدلا من أن
تعزف وحدها مثل لحن نشاز منفرد يصر علي أن يخرق آذان السامعين‏,‏ لا يطرب
منه سوي الآخرين وينشدون تغييرا في المناهج والأدوات لا يصادر علي ثوابت
الأمة الراسخة‏,‏ وربما تكون مشكلة هذا الجيل أنه أقل حذرا‏,‏ لايزال
يحتاج إلي عون الآباء وحكمتهم دون أن يكون جزءا من الأمر الواقع أو يكرر
أخطاءهم‏.‏

mmahasabo@yahoo.com