كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من طرف دره مصر السبت أبريل 04, 2009 10:25 am

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من
بين أخطر مظاهر خداع النفس في العالم العربي أننا نتوهم أحيانا أن هذا
زعيم إسرائيلي معتدل لمجرد أنه يجيد بيع الكلام المعسول‏,‏ وأن الآخر صقر
متشدد لأنه لايملك قناعا يغطي به أهدافه وأطماعه ونياته الحقيقية‏,‏ مع أن
هذا وذاك لايختلفان عن بعضهما البعض في كثير أو قليل مما يهمنا من أمور
واستحقاقات يتوجب علي إسرائيل سرعة تسديدها‏!‏

وللتاريخ فإن الرئيس
الراحل أنور السادات كان أكثر وأسبق الزعماء العرب وعيا لهذه الحقيقة وأنه
لافرق بين مناحم بيجن زعيم الليكود المتطرف وجولدا مائير زعيمة حزب العمل
مدعي الاعتدال‏...‏ بل إن السادات رأي بخياله السياسي أنه ربما يكون من
الأفضل اغتنام الفرصة المتاحة عام‏1977‏ والتفاوض مع بيجن الأكثر تشددا
علي أساس أنه لن يكون بمقدور أحد في إسرائيل أن يزايد علي هذا المتشدد‏.‏

وربما
يجوز القول ـ اجتهادا ـ إن هذا الخيال السياسي للسادات بشأن شخصية مناحم
بيجن ووزنه في المجتمع الإسرائيلي كان أحد مفاتيح النجاح لمبادرة السلام
المصرية‏.‏

وربما أيضا يجوز الاعتقاد بأن هذا هو أحد أسباب ثقة
الرئيس مبارك في مواصلة الرهان علي عملية السلام رغم كل مايصدر من مواقف
وآراء وأفكار متشددة تتباين حدتها من زعيم لآخر ومن مرحلة لأخري‏,‏ لأن
خبرة الرئيس مبارك وحكمته وفرت له القدرة علي قراءة الأحداث ـ وبالذات في
إسرائيل ـ قراءة واعية ومتأنية تمكنه من فهم تناقضات السياسة الإسرائيلية
التي تتأثر بتوازنات عديدة ودقيقة لعل أهمها التوازن الحساس بين أطماع
المؤسسة الدينية وحسابات المؤسسة العسكرية اللتين يجمعهما في النهاية حد
أدني من الاتفاق المشترك تجاه القضايا المصيرية‏.‏

إن كل ما نشهده
في السنوات الأخيرة من ارتداد في المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والتشدد
سببه أن مشروع السلام العربي ـ كان ولايزال ـ هو أكبر خطر يهدد المشروع
الصهيوني الذي تحتشد خلفه كل قوي التطرف والتشدد في إسرائيل‏,‏ وهذه القوي
المتطرفة كانت تؤمن فيما مضي بمنهج المناورة التكتيكية والتدرج في سقف
الأحلام والمطامع لكن انتصار يونيو‏1967‏ هو الذي أدار رؤوس الجميع هناك
وجعلهم يعتبرون نصائح الحذر والتريث التي وجهها لهم مؤسس الدولة العبرية
ديفيد بن جوريون بأنها أمر من مخلفات الماضي‏!‏

وفي اعتقادي أن
المعارضة العنيفة التي يمارسها حاليا المتشددون في إسرائيل بزعامة نتنياهو
وليبرمان ضد قيام دولة فلسطينية مستقلة سببها الخوف من أن تكون هذه الخطوة
مجرد بداية وليست النهاية وأن هذا الكيان الفلسطيني مهما يتضاءل حجمه أو
تقلصت صلاحياته فإنه يظل مشروعا قابلا للنمو والاتساع بمثل ماحدث لإسرائيل
التي كانت مجرد دولة صغيرة في إطار مشروع التقسيم وأصبحت كما هي الآن‏!‏

وفي
هذا الإطار لايمكن فقط فهم سر عدم وجود اختلافات جذرية بين من يبيعون لنا
الوهم باسم الاعتدال‏..‏ ومن يبعثون لنا برسائل التخويف باسم القوة
المطلقة التي يعتقدون أنها توفر لهم تفوقا غير مسبوق‏..‏ وإنما أيضا يمكن
فهم مايجري علي صعيد عملية السلام بوجه عام وعلي المسار الفلسطيني بوجه
خاص‏!‏

وعلينا أن نسقط من حساباتنا تصنيفات التشدد والاعتدال
تماما‏..‏ وأن نواصل الثقة في أن هجوم السلام هو أكبر خطر يمكن أن يهدد
المشروع الصهيوني التوسعي‏!‏‏

attalla@ahram.org.eg