يسألونك عن ضمان الاعتماد والجودة بقلم : د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين

من طرف وفاء الثلاثاء أبريل 07, 2009 4:20 pm

يسألونك عن ضمان الاعتماد والجودة
بقلم : د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين

تذهب
به الأحلام إلي حد الشطط من يظن أن مشروع ضمان الاعتماد والجودة سوف ينتهي
إلي تحقيق نقلة نوعية في التعليم الجامعي وقبل الجامعي أيضا‏,‏ فسوف تظل
تلك النقلة النوعية مرهونة بالمؤسسات التعليمية ذاتها بمواردها البشرية
والاقتصادية والتنظيمية‏,‏ ورغم الضجيج المصاحب لأنشطة الاعتماد والجودة
فهي محاولة لقياس أداء المؤسسات التلعيمية بما يساعدها علي تطوير
برامجها‏,‏ ويخشي أن تتحول عملية القياس إلي مجرد تفتيش علي وثائق
ومستندات مرتبة وفق نظام معروف سلفا دون البحث فيما وراء تلك الأوراق حيث
يعاني الواقع التعليمي مشكلات أكبر كثيرا من نظريات الاعتماد والجودة‏.‏

وإنشاء
جهاز يعني باعتماد البرامج الدراسية في مؤسساتنا التعليمية بما يضمن
جودتها خطوة تأخرت ولكنها قد تكون في الاتجاه الصحيح‏,‏ ولكن كم من خطوات
قطعناها في ذات الاتجاه دون إعداد كاف‏,‏ ولذلك فإنها شيئا فشيئا تتعثر ثم
تتثاقل فتتوقف‏.‏ بعد سبع سنوات من البحث في تجارب الآخرين ومناقشة
المفاهيم اصبح لدينا اليوم هيئة قومية تسعي الآن نحو ترسيخ المفاهيم ونشر
ثقافة الاعتماد وتهيئة المناخ لآليات العمل‏,‏ وأخشي أن تتحول الهيئة إلي
جهاز بيروقراطي يتضخم عاما بعد آخر وجماعة مصالح تكبر يوما‏.‏

في
ذات الطريق سبقتنا دول كثيرة وتجارب شتي وساعدتنا منظمات كثيرة ووقفت
الحكومة وراء المشروع بحماس حقيقي‏,‏ ولكن خبراءنا اختاروا من بين تجارب
الدول ما نحن فيه الآن بنظام تسليم المفتاح‏,‏ ومن أعماق هذا الاختيار قد
نسمع صفير البلابل أو نعيق البوم‏,‏ ولايزال الوقت مبكرا للحكم علي جدوي
التجربة أو نتائجها‏..‏ غير أن قرابة خمسة عشر شهرا تفصلنا اليوم عن إنشاء
الهيئة وهي فترة كافية لإبداء بعض الملاحظات علي عملها‏.‏

هبط نظام
الاعتماد والجودة علي مؤسسات التعليم في مصر فجأة ودون إعداد حقيقي يسهل
من مهمتها‏,‏ صحيح أن لجنة قومية شكلت لهذا الغرض عام‏2001‏ ولكن الحديث
عن ذلك النظام ظل حبيس اللجان والمؤتمرات حتي أعلن عن قيام الهيئة
عام‏2007,‏ فوجئت مؤسسات التعليم بحتمية خضوعها لمعايير قياس الأداء دون
تغيير يذكر في القوانين المنظمة لها أو هياكلها الإدارية أو مواردها
البشرية أو حتي التزاماتها السياسية أو الميزانيات المخصصة لها‏,‏
باستثناء الزيادة التي قررت لأعضاء هيئة التدريس مقابل القيام بالأعمال
المكتبية التي يتطلبها الاعتماد والجودة‏,‏ ووجدت تلك المؤسسات نفسها في
وضع لاتحسد عليه‏,‏ فهي مطالبة بأن تجتاز بإمكانات وقدرات بالغة الضعف
امتحانا عالميا جاءت اسئلته ومعاييره من الولايات المتحدة وبريطانيا
وغيرهما‏,‏ أخشي أن تصبح الهيئة القومية للاعتماد مع نظام الجودة المقترح
أشبه برجل أعمي يبحث عن قطة سوداء لا وجود لها في حجرة مظلمة فأي جودة
تبحث عنها في مؤسسة تعليمية مغلولة اليد في أكثر شئون التعليم الذي تقدمه
ليس لها الحق في تحديد عدد من تقبلهم من الطلاب وليس لها الحق في تحديد
معايير قبول الطلاب أو تعيين أعضاء هيئة التدريس وتحديد رواتبهم أو تطوير
مناهجها الدراسية التي تخضع للجان فحص مركزية‏,‏ كيف تطالب بتطبيق معايير
جودة عالمية في جامعة يبلغ عدد طلابها نحو أربعمائة ألف‏.‏

جاء
الهيكل التنظيمي للهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد غريبا حين فصل
التعليم الأزهري عن التعليم العام بإنشاء جهاز يتولي شئون الأزهر وآخر
لشئون الجامعات وثالث للتعليم العام‏,‏ فهل معني ذلك أن الهيئة سوف تتعامل
بنوعين من معايير الجودة والاعتماد؟ وماذا يفعل خبراء الهيئة في تقييم
برامج الطب والهندسة والعلوم والتربية والزراعة والإعلام والصيدلة وطب
الأسنان وغيرها من البرامج التي تقدمها جامعة الأزهر وتقدمها الجامعات
الأخري؟ المفترض أن الهيئة تريد أن تقترب بنا من معايير الجودة العالمية
فكيف تفصل بين مؤسسات التعليم في دولة واحدة؟

ومن معايير الجودة
المثيرة للدهشة وأشياء أخري أن كل كلية أو معهد في مصر مطالبة باجراء
مقارنة مرجعية لبرنامجها الدراسي مع برنامج واحدة من الكليات أو المعاهد
العالمية المناظرة المرموقة‏,‏ وهكذا بوسع معهد دسوق العالي الصناعي الخاص
مثلا ان يتخذ من‏MIT‏ مرجعا للمقارنة‏,‏ والمقارنات تتم عبر الدخول إلي
الموقع المتاح علي الإنترنت وله في النهاية أن يقول إن هناك فرقا ولكنه
علي أي حال ليس كبيرا‏,‏ يبدو لي أنه إذا ما استمر هذا الاتجاه فإن الجودة
الحقيقية المتحققة سوف تكون جودة النقل والترجمة لما يتحدث به الآخرون
وليس لما يفعلون‏.‏

بدأت الهيئة عملها بالترويج لفكرة أنها حجر
الزاوية في تطوير التعليم الجامعي‏,‏ وهي بذلك حملت نفسها ما لا تطيق‏,‏
جاءت الهيئة لتعلمنا أنه لابد لكل مؤسسة تعليمية من رسالة ورؤية‏,‏ وأن
للرسالة شروطا كما للرؤية أيضا‏.‏

وسبقتنا الهيئة فوضعت لنفسها
رسالة هي الارتقاء بمستوي جودة التعليم وتطويره المستمر واعتماد المؤسسات
التعليمية‏..‏ ومبلغ العلم لدي أنه لم يصاحب قرار إنشاء الهيئة قرار آخر
بالغاء وزارتي التعليم الأدني والأعلي والمجلس الأعلي للجامعات والمجلس
الأعلي لتطوير التعليم التي كنا نظن من قبل انهم مسئولة عن تحقيق جودة
التعليم وتطويره بالمستويات العالمية‏,‏ وانهما بكل المعايير ليست عاجزة
لا عن تجويد التعليم ولا عن تطويره‏,‏ ثم هل الهيئة تعتمد البرامج
التعليمية ام تعتمد المؤسسات التعليمية والفارق بينهما كبير‏,‏ وفي الحديث
عن رؤيتها قدمت الهيئة خليطا من المفاهيم ينتهي إلي أن الهدف من كل ما
تقوم به هو خدمة أغراض التنمية الشاملة والحفاظ علي هوية الأمة‏,‏ ولست
أدري كيف تحافظ هيئة الاعتماد والجودة علي هوية الأمة؟ خاصة أن كل
المعايير التي تطبقها هي في نهاية الأمر ترجمات لمعايير أجنبية‏,‏ ناهيك
عن الضبط العلمي لمصطلح الهوية في عصر العولمة‏,‏ الهيئة مطالبة بضبط ما
نشرته عن رسالتها ورؤيتها قبل أن تتدخل في صياغة رسالة ورؤي الجامعات
والمؤسسات التعليمية المصرية‏.‏

وإذا سئلت عن الهيئة القومية لضمان
الاعتماد والجودة فهي باختصار جورج الخامس يفاوض جورج الخامس‏,‏ تقع
الهيئة خارج اختصاصات وزيري التعليم الأعلي والأدني ولكنها تتبع السيد
رئيس الوزراء الذي هو الرئيس المباشر للوزيرين معا‏,‏ ومع ذلك تصر الهيئة
علي أنها مستقلة‏,‏ وكأن غاية الاستقلال أن تصبح الهيئة بمعزل عن سلطات
وزيري التعليم‏,‏ ففي التجارب الرئيسية العالمية الثلاث التي عرضت في
رسالة دكتوراة نوقشت أخيرا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية هناك مفهوم
آخر للاستقلال وهو الفصل الكامل بين الجهات المعنية بالاعتماد وضمان
الجودة وبين الحكومة علي الرغم من الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة لهذه
الجهات في التجربتين البريطانية والهندية‏,‏ أما في الولايات المتحدة
فتعمل تلك المؤسسات باعتبارها منظمات مدنية لا تتلقي أي دعم حكومي‏,‏
ويبدو أن مفهوم استقلال الهيئة مشابه تماما لمفهوم استقلال الجامعات‏.‏
كلاهما مستقل بنص القانون وكلاهما تابع أمين‏.‏

الملاحظات كثيرة مع
بداية التجربة‏,‏ والهيئة القومية مطالبة بالكثير من الجهد لتنقية
المعايير المستخدمة وتكييفها لواقع المؤسسات التعليمية في مصر‏,‏ حتي يمكن
الوصول إلي نتائج حقيقية في أرض الواقع وأن تستقر المعايير بدلا من تكليف
المؤسسات التعليمية بإعادة ما سبق أن قامت به بسبب التغيير في المعايير من
اللجنة القومية إلي الهيئة القومية‏,‏ باختصار ينتظر الهيئة جهد ربما أكبر
مما تتوقع إن إرادت أن تضيف إلي هيئاتنا القومية‏.‏