نقـاط علي الحـروف بقلم : مرسي سعد الدين

من طرف وفاء الثلاثاء أبريل 07, 2009 4:21 pm

نقـاط علي الحـروف
بقلم : مرسي سعد الدين

وهذا
هو ما يفعله الكتاب الذي انتهيت من قراءته وهو مذكرات طبيب عبدالناصر بقلم
الدكتور الصاوي حبيب‏,‏ والكتاب يعالج نواحي مختلفة‏,‏ أهمها هي رحلة
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع المرض‏,‏ وقد بدأت تلك الرحلة منذ أن
تولي الدكتور الصاوي الاشراف علي رعاية الرئيس اعتبارا من يوليو‏1967‏ حتي
وفاته‏,‏ وقد مضي علي وفاة الرئيس جمال عبدالناصر أكثر من خمسة وثلاثين
عاما‏,‏ والسؤال هو لماذا الآن وبعد هذه السنوات يقرر الدكتور الصاوي أن
يضع النقاط علي الحروف؟

الإجابة هي‏,‏ وهي ما يذكره الكاتب في
تقديمه‏,‏ أن هناك أقلاما كثيرة تناولت حالة الرئيس الراحل الصحية وسبب
وفاته وأن البعض قدم شروحا بعيدة كل البعد عن الحقيقة‏,‏ مثل أنه مات
بالأمصال أو مات بالسم نتيجة التآمر وغيرهما من تحليلات البعض‏,‏ ولذلك
فقد شعر المؤلف أن الكتابة علي ما أعرفه ضرورة والسكوت خطأ وهذا ما يفعله
الدكتور الصاوي في هذا الكتاب‏.‏

والكتاب برغم صغر حجمه فهو لا
يتعدي المائتي صفحة يعد مجموعة من الكتب‏,‏ فهو أولا ـ وهذا هو المهم ـ
شرح لما حدث للرئيس الراحل من تسلسل للأمراض حتي وافته المنية‏,‏ ولكنه
أيضا سيرة ذاتية لشخص واجه من التحديات أكبرها ومن العراقيل أكثرها‏,‏ لكي
يحقق أحلامه لأن يصبح طبيبا متخصصا يشار له بالبنان‏,‏ بل وأن يكون مسئولا
عن صحة أهم زعيم عربي عرفه العالم الحديث‏.‏

والكتاب أيضا به من
المعلومات الطبية ما يجعل منه مرجعا للفرد العادي الذي يجب أن يعرف أعراض
الأمراض الخطيرة التي قد تصيبه‏,‏ مثلما يعرف أعراض مرض السكر والبول
السكري وأهمية اتباع نظام غذائي وما يحدثه الانفعال والتوتر والقلق لمرضي
السكر وكيف يؤدي الي رفع السكر في الدم‏,‏ ونعرف أيضا ما ينتج عن مرض
السكر من آلام في الساقين وأسفل الظهر‏,‏ ويشرح الكاتب هذا في ضوء ما كان
يعاني منه الرئيس عبدالناصر‏.‏

ونسير مع الكاتب في رحلة المرض
فنذهب معه الي تسخالطوبو علي شاطئ البحر الأسود وهي مدينة استشفاء صيفية
وسياحية في الوقت نفسه‏,‏ وهناك خضع الرئيس عبدالناصر الي كشف طبي بواسطة
عدد من كبار الأطباء الروس وهناك من‏27‏ يوليو‏1968‏ بدأ العلاج بحمامات
المياه لمدة عشرين دقيقة وبرغم خضوع الرئيس للعلاج إلا أنه لم يتوقف عن
العمل وقابل العديد من قادة الاتحاد السوفيتي منهم قائد الطيران لإجراء
مباحثات‏,‏ كما قابله مصمم الطائرات الميج السوفيتي‏,‏ كما كان الرئيس علي
اتصال يومي بالقاهرة‏.‏

ويستمر الكاتب ليشرح أنه بحلول عام‏1969‏
كانت الأوضاع الصحية للرئيس جمال عبدالناصر أكثر استقرارا وقام عدد من
الأطباء الألمان والانجليز بالكشف علي الرئيس واقتراح بعض العلاجات له‏,‏
وكان مقررا أن يسافر الرئيس الي تسخالطوبو في أغسطس‏1969‏ ولكنه أجل السفر
نتيجة حرب الاستنزاف وغارات العدو والخسائر بين المدنيين بالاضافة الي
حريق المسجد الأقصي‏,‏ وفي يوم‏9‏ سبتمبر قامت اسرائيل بعملية عسكرية علي
شاطئ البحر الأحمر ردا علي عملية فدائية سابقة قامت بها قوات الصاعقة
المصرية‏,‏ ويقول د‏.‏ الصاوي إنه حين قابل الرئيس عبد الناصر في موعد
الكشف اليومي كان الانفعال والتأثر واضحين علي وجهه وكان السبب انه حين
اجتمع بقادة الجيش في العملية الفدائية أخبر المجتمعين أنه يتوقع أن يرد
الاسرائيليون وأن المكان المتوقع هو شاطئ البحر الأحمر‏,‏ ولكنهم بدلا من
تعزيز مواقعهم قاموا بسحب بعض القوات من الموقع بغرض التدريب فسهل علي
اسرائيل مهاجمة محطة الرادار‏.‏

وقد أثر ذلك علي الرئيس وفي صباح
يوم‏11‏ سبتمبر استيقظ الرئيس في الصباح الباكر وهو يشعر بضيق في النفس لم
يستمر طويلا‏,‏ وعلي حد قول د‏.‏ الصاوي انه حين وقعت الكشف الطبي عليه
سمعت دقة ثالثة للقلب الي جانب الدقة الأولي والدقة الثانية الموجودتين
بصفة طبيعية‏,‏ ومن ثم قام بعمل رسم وبعض التحليلات التي أوضحت بدون شك
وجود جلطة حادة في الشريان التاجي‏,‏ وبمرور الوقت عاد الرئيس الي نشاطه
بالكامل‏.‏

وبعنوان العام الأخير يحدثنا المؤلف عن المجهود الذي
قام به الرئيس بعد زيارة السودان‏,‏ ثم حضوره المؤتمر الدولي للبرلمانيين
في‏2‏ يناير وألقي فيه خطابا وفي‏28‏ يناير‏1970‏ سافر الرئيس الي موسكو
في رحلة غير معلن عنها وكانت بالطيران المنخفض ولمدة يومين فقط‏,‏ وكانت
خاصة بطلب صواريخ لمواجهة غارات العمق علي أهداف مدنية كانت إسرائيل تشنها
ردا علي حرب الاستنزاف‏,‏ ومضت الأيام في مجهود وعمل وسفر متكرر كان
يستهلك رصيدا مما تبقي من صحته‏.‏

وفي يوليو‏1970‏ سافر الرئيس
عبدالناصر الي الاتحاد السوفيتي ومكث في موسكو يومين حيث أجري مباحثات
سياسية مع القادة السوفييت وزار في أثناء تلك الزيارة ضاحية ياربيخا وبها
مستشفي عام ومصحة للاستشفاء مخصصة للقادة فقط وهناك أجريت له تحاليل
معملية وتصوير طبي وفحص اكلينيكي‏.‏

ويصل د‏.‏ الصاوي الي مؤتمر
القمة العربي الذي عقد في القاهرة في جامعة الدول العربية وأقامت الوفود
في فندق الهيلتون المجاور للجامعة‏,‏ وهناك أقام الرئيس من‏9/25‏
الي‏9/27‏ وكان يستقبل الملوك والرؤساء العرب في المطار ويقيم مباحثات
فرعية علي هامش المؤتمر ومفاوضات جانبية في الفندق ويرأس جلسات المؤتمر في
الجامعة العربية‏,‏ ويقول المؤلف انه بانتهاء مؤتمر القمة العربي كان قد
مر عام علي الأزمة القلبية الأولي التي كان يتعين علي الرئيس أن يغير نمط
حياته ولكنه بذل في ذلك العام مجهودا فوق الطاقة‏,‏ فقد كان يعمل أكثر
من‏18‏ ساعة يوميا‏.‏

وبعنوان يوم ليس له آخر يصف د‏.‏الصاوي
استدعاءه يوم‏28‏ سبتمبر حسب طلب الرئيس وتوجه الي حجرة النوم حيث وجد
الرئيس مستلقيا علي السرير وقال له إنه شعر بتعب في أثناء توديعه أمير
الكويت في المطار وأحس أن قدميه لا تكادان تقويان علي حمله‏,‏ واستدعي
د‏.‏ الصاوي الدكتور منصور فايز والدكتور زكي الرملي وأحضر جهاز رسم القلب
وكان موجودا بصفة دائمة في حجرة المكتب وأكد الأطباء خطورة الحالة نتيجة
لوجود انسداد جديد في الشريان التاجي‏.‏

ويذكر د‏.‏ الصاوي أن
الرئيس عبدالناصر فتح الراديو الموجود علي الكوميدونو بجوار السرير وقال
إنه يرغب في سماع خبر في نشرة أخبار الخامسة ولم يذكر هذا الخبر‏,‏ ولم
يعرفه أحد حتي الآن‏,‏ وظل الرئيس يصغي الي نشرة الأخبار حتي انتهت‏,‏
وطلبت منه إلا يتحرك وأن يستريح وكان قد أغلق جهاز الراديو ورد قائلا انا
استريحت ياصاوي وفوجئت برأسه يميل الي الجانب فجأة‏,‏ وفي الحال تحسست
النبض فوجدته قد توقف فقمت بعمل تنفس صناعي وتدليك خارجي للقلب في وجود
د‏.‏ زكي الرملي والدكتور منصور فايز‏,‏ واستمرت هذه المحاولات نحو ثلث
ساعة دون جدوي‏,‏ لقد توفي الرئيس عبدالناصر بالصدمة القلبية وهي من أخطر
مضاعفات انسداد الشريان التاجي‏,‏ واستراح جمال عبدالناصر كما جاء في آخر
عبارة قالها‏.‏

وأذكر حين كنت مستشارا ثقافيا في ألمانيا الشرقية
اني عرضت فيلم جنازة الرئيس عبدالناصر التي شاركت فيها الملايين من شعبه
الذي أحبه وارتبط به ومازلت حتي الآن أردد الموسيقي الجنائزية التي ألفها
اندريه رايدر لأغنية الوداع ياجمال ياحبيب الملايين‏,‏ ومازلت أذكر كيف
بكي الجميع وهم يشاهدون الجنازة وينصتون الي الأغنية‏.‏