كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من طرف الجارح الخميس أبريل 09, 2009 10:09 am

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

أعظم
جائزة يحصل عليها الكاتب هو أن يجد مردودا إيجابيا لما يكتب‏,‏ ولاشيء
يسعد صاحب القلم أكثر من سعادته عندما تصله إشارات الاهتمام بما يجتهد في
أن يطرحه في سطور مقالاته‏...‏ ومن هنا تجئ مسئولية الكاتب في أن يعبر في
كتاباته عما يريد بأسلوب راق وفكر مركز‏,‏ لأن الكتابة بغير فكر لا تغذي
عقلا ولا تشرح صدرا‏!‏

والكاتب عندما يتهيأ للكتابة لابد أن يكون
قد أهل نفسه بفترة من التفكير فيما يريد أن يكتب فيه‏,‏ وإلا أفلتت منه
الفكرة وتاهت منه معالم الطريق الذي يصل به إلي عقل القارئ‏,‏ وربما لهذا
يشعر بعض الكتاب بحالة من التردد والحيرة قبل أن يخط أحدهم السطر الأول في
مقاله‏,‏ ليس لأن الكاتب هنا في حالة عجز‏,‏ وإنما هو في حالة استغراق من
أجل البحث والتدقيق‏!‏

إن الكاتب صاحب المنهج والفكر والرسالة لا
يختلف في كثير أو قليل عن الطبيب‏,‏ وعندما يجلس الكاتب إلي مكتبه فهو مثل
الطبيب عندما يصل إلي عيادته ويجد أمامه مجموعة من الحالات المرضية
العاجلة والملحة‏,‏ ويتحتم عليه بسرعة أن يقرر في أي موضوع سيكتب مثلما
يفعل الطبيب في جدولة الحالات عنده علي ضوء خطورة وأهمية كل حالة علي
حدة‏..‏ ولهذا يري كثير من الكتاب أن الكتابة في حد ذاتها لم تعد تشكل
عبئا خصوصا بالنسبة للمحترفين الذين ما إن يمسك أحدهم بالقلم حتي يتواصل
سيل الكتابة دون انقطاع حتي نهاية الفقرة الأخيرة من المقال‏...‏ ولكن
العبء الأكبر يجئ في مرحلة التفكير الذي يسبق الكتابة‏!‏

ولعل هذا
هو السبب في أن وراء كل كاتب عظيم مكتبة عظيمة مليئة بكل كنوز الفكر
والثقافة والمعرفة في شتي المجالات والتخصصات‏...‏ ومن يقرأ أكثر ويستوعب
أكثر هو الذي يكتب أفضل من غيره‏!‏

وليس هناك كاتب لم يضع معظم
عمره في القراءة‏,‏ وحتي الذين فقدوا حاسة النظر واستهوتهم حرفة الكتابة
لم يكن أمامهم من خيار سوي أن يستعينوا بمن يقرأ لهم‏...‏ مجرد أن يقرأ
لهم فقط وليس مهما هنا أن يكون القارئ فاهما أو غير فاهم لما يقرأ‏...‏
المهم أن يكون المستمع مستوعبا ومركزا كل حواسه مع القراءة المسموعة‏...‏
وقد كان المرحوم الدكتور طه حسين أحد أبرز النماذج العبقرية في هذا
المجال‏!‏

والحقيقة أننا عندما نفتح الباب علي مصراعيه لكل من يريد
القراءة بثمن زهيد ـ علي غرار مشروع مكتبة الأسرة الذي ترعاه السيدة سوزان
مبارك ـ فإننا نفتح الباب أمام الوطن لكي يتوافر لديه في المستقبل رجال
قادرون علي صنع التقدم استنادا إلي عقول واعية ومرتبة اكتسبت قدرتها
ونباهتها من حسن القراءة وجدية الإطلاع‏.‏

والتاريخ يقول لنا إن كل
أمة عظيمة كان فيها دائما رجال عظام لايملكون فقط مقومات القيادة المتعارف
عليها‏,‏ وإنما هم في البداية والنهاية أناس يعشقون الاطلاع ويبحثون عن
المعرفة ويؤمنون بالعلم ويحترمون الثقافة والمثقفين ويحلقون بأفكارهم
المتجددة نحو آفاق المستقبل‏.‏

وما أكثر الأمم التي تراجع دورها وتعطل تقدمها لا لشيء إلا لأنها خاصمت القراءة والاطلاع خصوصا عند منطقة صناعة القرار‏.‏

attalla@ahram.org.eg