الرئيس أوباما والخيارات الصعبة بقلم : أمين هويدي

من طرف **محمد** الثلاثاء أبريل 14, 2009 4:24 pm

الرئيس أوباما والخيارات الصعبة
بقلم : أمين هويدي

حينما
غادر الرئيس جورج دبليو بوش البيت الأبيض الي غير رجعة بعد الانتخابات
الأخيرة‏,‏ احتل الرئيس الحالي باراك أوباما كرسيه في المكتب البيضاوي‏,‏
ليتولي هو وفريقه مسئولية إدارة الحكم في البلاد‏,‏ ولم يكن الأمر بهذه
البساطة فقد ترك له الرئيس السابق تركة ثقيلة عليه أن يواجهها بقرارات
صعبة‏...‏ ترك له عالما يتخبط في نفق مظلم وسط أزمة مالية طاحنة احتار
الجهابذة حتي الآن في التغلب عليها وقد لا ينجحون في ذلك لعدة سنوات
مقبلة‏,‏ مما اضطر الولايات المتحدة لقبول عرض الصين ـ غريمتها ولا نقول
عدوتها ـ للتعاون في حل المشكلة وكان هذا انتقالا من استراتيجية المقاطعة
الي استراتيجية المشاركة وهذا تغير مهم بحق‏.‏

ولم تكن هذه الأزمة
هي الوحيدة التي ورثها الرئيس الجديد‏,‏ إذ ترك له الرئيس السابق ساحة
عالمية غير مستقرة تشتعل فيها النيران في أماكن متفرقة نتيجة لسياسته
الرعناء التي لم تعرف الا استخدام القوة الخشنة مع الغير‏...‏ العراق
وأفغانستان وإيران وكوريا والشرق الأوسط بصراعاته الملتهبة‏,‏ ولكن أسوأ
ما تركه الرئيس السابق في مخلفاته كان وجها أمريكيا قبيحا مكروها من أغلب
دول العالم وشعوبه‏,‏ وأيضا جهازا إداريا تعشش فيه الاتجاهات اليمينية
المحافظة التي شيعت سياسة الرئيس السابق‏,‏ وكذلك اللوبي الصهيوني
المتغلغل في وسط جهات ومراكز اتخاذ القرار‏.‏

مشكلات عويصة يواجهها
أوباما بشأن المشكلات التي يواجهها أصحاب القرار في كل مكان مما جعل أحد
رؤساء الولايات المتحدة يعلق علي توليه الرئاسة ما أسوأها من وظيفة؟‏!!.‏

أعلن
الرئيس الجديد أنه سيواجه الموقف الصعب باستراتيجية جديدة تحت شعار
التغيير مما بعث الأمل في الرأي العام الأمريكي وربما أيضا في أغلب دول
العالم وشعوبه إذ توقع الكثيرون أن المشكلات المعلقة التي يعانون منها في
طريقها الي الحل‏,‏ وقد كانت الآمال أكثر كثيرا من واقع الحال الذي شعرت
به فكتبت في هذا الأمر مركزا علي أن الرئيس أوباما ليس فرافيرو العجيب لأن
الأمر الواقع أصعب كثيرا من الخيال وأن الكلام أبسط كثيرا من الأفعال‏.‏

كانت
القضايا المتراكمة معقدة تحتاج الي وقت في عالم لم يعد يطيق علي تحملها
صبرا ووجد الرئيس أيضا أن الوسائل المتاحة لا تتناسب مع ظلام الموقف الذي
غلف كل شئ ولم يكن أمامه والحالة هذه إلا أن يعمل علي إشعال شمعة هنا
وشمعة هناك‏,‏ حتي يعطي جرعة مهدئة للآمال المتعطشة لحلول سريعة للقضايا
المتراكمة‏,‏ ولمواجهة أغلبيته المتآكلة في الرأي العام الأمريكي الذي كان
في عجلة من أمره ليري حلولا واقعة للمشكلات الموروثة‏..‏

أعلن
الرجل عن رغبته في التغيير وأدلي بتصريحات هنا وهناك افتقرت حتي الآن الي
القدرة علي التنفيذ مما جعل الرئيس الإيراني يرد علي رسالة طيبة أرسلها
إليه يأمل فيها بتحسن العلاقات بين البلدين بأن رسالة الرئيس الأمريكي
عبارة عن كلام لا يغني أبدا عن قيامه بالتغيير علي الأرض في القضايا
المعلقة بين البلدين‏,‏ الإعلان عن حسن النيات في السياسة لا يدخل في
الكمبيوتر لأن الأعمال والقدرة علي تغيير الأمر الواقع السيئ الي أمر واقع
أفضل هو الذي يدخل في الحسابات‏,‏ فالقول شيء والفعل شيء آخر‏,‏ فالأهم هو
القدرة علي تجسيد النيات الطيبة في واقع مقبول علي أساس توازن المصالح
وليس علي أساس توازن القوي‏..‏

وظهر من سياسته حتي الآن أنه يميل
الي سياسة المصالحة وإعطاء ظهره لسياسة القطيعة والخصام التي كان يتبعها
الرئيس السابق‏,‏ لان الرئيس أوباما يعتنق سياسة الرئيس ابراهام لينكولن
التي كانت تتسم بالمصالحة والاستعانة حتي بخصومه ليعملوا الي جانبه في
إدارة البلاد‏,‏ فاستعان بـ هيلاري كلينتون منافسته في الانتخابات
فاختارها وزيرة للخارجية تعمل الي جانبه لتغيير السياسة الأمريكية وتحسين
وجهها القبيح‏,‏ ونجده يتصل بإيران ـ إحدي دول الشر في نظر الرئيس السابق
ـ ويعمل في نفس الوقت علي إشعال شمعة في العالم الإسلامي لتحسين علاقاته
معه‏.‏

ونظرا لتناثر المشكلات علي جبهة واسعة وجد أن الولايات
المتحدة برغم كونها أقوي دولة في العالم عاجزة عن حلها وحدها وبمفردها
فغير من السياسة التي اتبعها الرئيس السابق من سنفعلها وحدنا ومن ليس معنا
فهو ضدنا الي اتباع سياسة أخري بالسعي الي جذب شركاء يساعدونه في إطفاء
الحرائق وحل الأزمات باختيار بعض الدول الإقليمية المحورية التي تتفق معه
في سياسته الإقليمية عموما لمساعدته في حل القضايا المتراكمة‏,‏ وعلي سبيل
المثال تقرب من القاهرة التي ظهرت أمامه كدولة محورية إقليمية قادرة علي
إدارة الأزمات‏,‏

مع قدرتها علي الاتصال بكل اللاعبين في الجوار
حتي المتناحرة منها‏:‏ فهي علي اتصال بالإسرائيليين والفلسطينيين‏,‏ وعلي
اتصال بدمشق والسعودية وإيران‏,‏ قادرة في نفس الوقت علي التأثير في
المواقف المختلفة فحققت التهدئة بعد حريق غزة‏,‏ وحققت التفاهم بين الفئات
الفلسطينية المتناحرة‏,‏ ولها كلمتها في العالم العربي حتي علي دول
الممانعة‏..‏ كما اختار باكستان وإيران قي سعيهما لعلاج مشكلة أفغانستان
إذ عن طريقهما تفتح طرق إمدادات القوات العسكرية هناك بعد أن سدت قوات
القاعدة طرق الاتصال في ممر خيبر‏.‏

وهذا تغيير هائل اتبعه الرئيس
الجديد‏,‏ ولكن مازال ينقصه توفير القوة الدافعة لهذه السياسة من حسم
الأمور في النقاط الساخنة وفي الأزمات المشتعلة مثل فلسطين وأفغانستان
والتي مازال حائرا بين سحب قواته منها أو تعزيزها للقضاء علي القاعدة رغما
عن إعلانه فشل الاستراتيجية العسكرية هناك‏,‏ فاحتلاله الأراضي بالقوات
المسلحة أمر صعب وسحبها منها أمر أصعب‏.‏

وإن جاز لي أن اقترح علي
الرئيس أوباما اقتراحا عمليا يثبت به التغيير المتوقع علي الأرض‏,‏ فإني
أقترح عليه أن يركز علي مشكلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي باتباع نفس
أسلوب الرئيس جيمي كارتر بجمع الأطراف المعنية في كامب ديفيد أو غيره من
الأماكن للوصول الي حل علي أساس توازن المصالح‏,‏ فهذا يحقق له انتصارا
شخصيا بالإضافة الي أنه يفتح الطريق الي حل مشكلات أخري كثيرة لأننا هنا
في قلب الأرض والذي عن طريق تحقيق الاستقرار فيه يمكن تحقيق الاستقرار في
باقي نواحيها‏.‏