الشــوارعـيزم‏..‏ ومـبدأ ســورس‏!‏ بقلم : د‏.‏ عمرو عبد السميع

من طرف **بهاء** الثلاثاء أبريل 14, 2009 4:47 pm

الشــوارعـيزم‏..‏ ومـبدأ ســورس‏!‏
بقلم : د‏.‏ عمرو عبد السميع

موقف
قوي الشوارعيزم من الإعلام والعمل علي استخدام هياكله وأوعيته‏,‏ من
الأمور التي باتت تقتضي انتباها وتركيزا شديدين‏,‏ إذ إن تحويل مجري
الإعلام لإضعاف أدواته وافقادها الفاعلية‏,‏ وسلب الدولة أحد أسلحتها
الأمضي في مواجهة كل ما يتهددها‏,‏ كان الطريق السالك لضرب كيان هذه
الدولة‏,‏ وتمهيد الأرض لهندسة وتشييد الوجود البديل الذي تريده كتائب
الشوارعيزم‏(‏ بعض رموز الحكومة المتنفذين وبعض نجوم رجال الأعمال
المتمولين وإرهابيي الصوت والقلم من الإعلاميين المأجورين‏),‏ وعماده ضرب
القوانين والأعراف والمعايير وحدود الالتزام الوطني والمهني كيما يصفو
الجو‏,‏ ويرتفع البناء المحدث خلوا من تلك المعاني‏,‏ ومرتبطا علي أوثق ما
يكون الارتباط بمشاريع الخلاص الفردي‏,‏ ومخدما علي أجندات الأجانب ما
وسعه التخديم‏,‏ ومستقويا بهم ما وسعه الاستقواء‏.‏

إعلام الدولة ـ
كما تم تصميم أدواره ـ يعمل علي حشد وتعبئة الجماهير خلف الأهداف السياسية
للنظام الوطني‏,‏ وإفشاء تيارات من الوعي وسط الناس حول أهداف المشروع
النهضوي للدولة الحديثة‏,‏ والمرتكزات السياسية والعقائدية لفكر النظام‏,‏
وتحريض الجمهور علي تقديم السنادتين الرمزية والمادية لذلك المشروع‏.‏

فلما
احتشد صائغو الوجود البديل لضرب كيان الدولة‏(‏ مرة بمحاولة تصفية
الاقتصاد الوطني في شركات توظيف الأموال‏..‏ ومرة بمحاولة ضرب العقيدة
الأمنية الحامية للنظام عبر كتائب الإرهاب الديني الأسود‏,‏ ومرة ثالثة
بقوي الفوضي الهدامة المنفذة لتعليمات السادة وراء البحار‏),‏ بدا أن
واحدة من الأولويات الأكثر حضورا في تلك العملية الإجرامية كان ضرب أدوات
الضبط المادي للدولة‏(‏ الشرطة ـ الجيش ـ المخابرات ـ الحزب ـ الإعلام‏),‏
أو ـ بالعربي ـ نزع سلاح الدولة‏!‏

ولما كان الإعلام هو بطن تلك
الأدوات الرخو القابل للضرب والاصابة بأكثر من العناصر الأخري المحصنة
بطبيعة تكوينها وبما يفوق قدرات المهاجمين ونجاعة أسلحتهم‏,‏ فإن التركيز
علي استهداف ذلك الإعلام في السنوات القليلة الماضية كان شديدا بالغ
الضراوة‏,‏ وقد مر بمرحلتين‏:‏
‏
*‏ أولاهما‏:‏ تشويه صورة إعلام
الدولة‏,‏ووسمه بأنه صنو لمعني الشمولية وضرب الديمقراطية‏,‏ وأنه مرتبط
بمنطق وفكر العصر المستهدف أساسا بمحاولات التصفية وهو عصر ثورة
يوليو‏1952‏ وما بعدها‏,‏ والذي مهد طرقا معبدة ـ بحسب الغطاءات الدعائية
لمهاجميه ـ الي الهزائم العسكرية‏,‏ والإفلاس الاقتصادي‏,‏ واغتيال
الحريات‏.‏

وتواصلت الإغارات علي إعلام الدولة في خطاب قوي
الشوارعيزم ودعاياتها وسط انهماكها في تشييد الوجود الجديد المخاصم لكل
المراكمات الوطنية سياسيا واجتماعيا وثقافيا‏.‏

وبلغ الهجوم درجة
عالية من التنظيم والفاعلية بتخليق وتصنيع معادل موضوعي لإعلام الدولة عبر
نشأة رهط من الصحف الخاصة‏(‏ جرائد آخر الزمان‏),‏ وبعض التليفزيونات
المملوكة للأفراد‏(‏ فضائيات آخر الليل‏),‏ وهي التي أوسعت النظام
هجوما‏,‏ واخترقت كل محددات الاستقرار عن قصد وتدبر‏,‏ طارحة الأنموذج
الذي تمثله‏(‏ حكم رجال الأعمال‏)‏ بوصفه بشارة الثورة علي الأوضاع
السائدة‏,‏ وطليعة الحرية في مواجهة الاستبداد‏.‏
‏
(‏وربما يهمنا ـ
هنا ـ أن نأخذ هامشا علي هذا الكلام فنضغط علي فكرة أن الإعلام الخاص في
ذاته لا ينبغي أن يكون محلا لإنكار أو استنكار‏,‏ ولكن طبيعة الأدوار التي
لعبها ويلعبها بعض ذلك الإعلام هي التي نشير إليها في هذا السياق‏).‏

علي
أية حال‏..‏ تم تنميط إعلام الدولة بوصفه سوفيتيا وسلطويا‏,‏ ودعائيا
كاذبا‏,‏ وتم تسويق إعلام الأفراد باعتباره حرا ومفتوحا وليبراليا‏,‏ مع
أن إعلام الأفراد ظهر ومارس أدواره جميعا في إطار منظومة الدولة الحالية
والنظام القائم الآن‏!!‏

قامت قوي الشوارعيزم باستخدام الإعلام
الجديد علي نحو عنيف وباطش لإشاعة واذاعة طقس الفوضي الهدامة‏,‏ وترويع
الناس‏,‏ ومؤسسات الدولة ومسئوليها الذين هرول بعضهم الي ربط نفسه بهذا
الإعلام الجديد‏,‏ كما ـ بالضبط ـ ربطوا أنفسهم‏(‏ بعملية‏)‏ تأسيس الوجود
البديل‏,‏ كون أولئك المسئولين فاقدين للتربية السياسية التي تعصمهم من
ممارسة تلك الانتهازية السياسية الفاضحة‏!‏
‏
*‏ أما المرحلة
الثانية‏:‏ فعمودها الفقري هو بناء ثقافة إعلامية جديدة تصوغ أفهام الناس
ووجداناتهم علي نحو يكره جدية الرسائل الإعلامية‏,‏ ويشيح عما هو تثقيفي
أو حامل لمفردات الخطاب الوطني ومشيع لها‏.‏

وفي هذا السياق كثيرا
ما نسمع أقوالا مرسلة من طراز‏‏ الناس قرفت من السياسة‏..‏ الناس منهكة
من الجري وراء قوت يومها وتريد الترفيه ودغدغة مشاعرها والتجاوب مع
رغباتها العارمة في الاستمتاع‏..‏ السياسة باتت تعني الكآبة والناس يريدون
الفرح‏..‏ الإعلانات لا تأتي إلا لمواد الرقص والطقش والفقش وتهرب من
برامج الكلام التخين حول الأولويات التنموية والثقافية والأمنية‏).‏

وهذه
المرحلة الثانية بالذات ـ وأعني بها‏(‏ تبديل الوظائف الأساسية للنظام
الإعلامي‏)‏ هي محور سطوري اليوم‏,‏ وأربطها ـ اذا أذنتم وكما سيبين من
شرح تال ـ باسم جورج سورس رجل الأعمال الأمريكي‏/‏المجري‏,‏ والفيلسوف
الاقتصادي وتاجر العملة‏,‏ والناشط السياسي‏,‏ وداعم المجتمع المدني ذي
التسعة وسبعين عاما‏,‏ واليهودي المنحدر من أسرة عانت في أحد معسكرات
الحرب العالمية الثانية للتعذيب النازي قبيل هجرتها الي الولايات المتحدة
الأمريكية‏.‏

إذ لعب سورس ـ هذا ـ دورا خطيرا بأمواله في دعم عملية
اسقاط الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية منذ‏1979‏ وقد كان يوزع‏3‏
ملايين دولار سنويا في تلك الدول علي حركات الانشقاق السياسي وبينها حركة
تضامن البولندية‏,‏ وميثاق‏77‏ في تشيكوسلوفاكيا‏,‏ وكذا المنشق الروسي
أندريه سخاروف‏,‏ كما أنشأ عام‏1984‏ معهد المجتمع المفتوح في المجر‏,‏
وقام بتمويل والمساهمة في تنظيم الثورة الوردية في جورجيا‏(‏ عمل الكسندر
لومايا وزير التعليم الجورجي السابق مديرا تنفيذيا لمؤسسة سورس للمجتمع
المدني في جورجيا لعدة سنوات وقد التفت حول تلك المؤسسة منظمات شاركت في
الثورة الوردية عام‏2003‏ ضد الرئيس السابق شيفر نادزه‏),‏ وحظرت روسيا
وتركمنستان أنشطة ومبادرات لسورس علي أراضيهما‏..‏ ولمؤسسة سوررس للمجتمع
المفتوح نشاط في إفريقيا ـ أيضا ـ خاصة جنوب إفريقيا‏,‏ وعملت علي دعم
المنظمات التي روجت لتغيير نظام روبرت موجابي في زامبيا‏.‏

وفي
محاولة للاختصار غير المخل حتي أصل بكم الي ما أريد‏,‏ فإن الاتهام
التقليدي الشائع جدا الذي يوجه لسورس هو أنه أداة للمخابرات المركزية
الأمريكية‏(CIA)‏ والمخابرات الخارجية البريطانية‏(MI6),‏ والموساد
الإسرائيلي‏,‏ وان أمواله التي يدفعها لما يسمي بالترويج للديمقراطية‏,‏
ومساعدة الحركات السياسية المنشقة‏,‏ وضرب الأنظمة السياسية الوطنية هي
عملية موجهة ـ بالكامل ـ من تلك الأجهزة المخابراتية‏.‏ وعلي الرغم من
يسارية توجهات سورس وهجومه العنيف علي إدارة جورج‏.‏دبليو‏.‏بوش
السابقة‏,‏ إلا أن الأدلة برهنت ـ باستمرار ـ علي علاقته ومؤسسته بجهاز
المخابرات المركزية‏,‏ وليس بإدارة أمريكية بالتحديد‏.‏

نهايته‏..‏
مناسبة
كل ذلك الكلام هو أنني وقعت ـ بمحاسن الصدف ـ علي خبر ذي أهمية كبري في
هذا السياق ويفيد بأن مؤسسة سورس فكرت ـ أخيرا ـ في تأسيس فرع لها بمنطقة
الشرق الأوسط‏,‏ وذهب المدير المرشح لقيادة ذلك الفرع‏(‏ ألماني‏)‏ الي
واحد من أكبر مكاتب الاستشارات القانونية في العالم وعلي رأسه أحد
القوميين العرب المشهورين للقيام بالعمل الإجرائي للإشهار‏,‏ وقال له‏:‏
نحن نريد تغيير ثقافة الإعلام في المنطقة‏..‏ وافشاء ما يمكن
تسميته‏RotanaCulture‏ أو ثقافة روتانا في المنطقة‏(‏ نسبة الي نوع المادة
التي تبثها محطة المنوعات والأفلام الشهيرة دون علاقة مع القناة
نفسها‏)..‏ بمعني إحلال الغناء والمنوعات والترفيه بدلا من الخطاب الوطني
الزاعق‏,‏ والأدبيات التي تدفع الي التوتر وربما الحرب‏(‏ من وجهة نظر
مؤسسة سورس‏).‏ وبعد أن فرغ الألماني من شرح المشروع سأله القومي العربي
صاحب مؤسسة الاستشارات‏:‏ هل فرغت من احتساء قهوتك؟ فقال له‏:‏ نعم‏,‏
فإذا بالقومي العربي يشير ـ بطرف سبابته ـ الي الباب ضاغطا علي مخارج
ألفاظه‏:‏ إذن تفضل‏!!‏

ومن فرط ذهول الألماني ممثل مؤسسة سورس‏,‏
فقد خرج متخبطا ولم يميز الباب وسط الحائط المجلد بخشب الجوز‏,‏ فدفش فيه
فيما صاحب مكتب الاستشارات القانونية يحدجه بغضب مستطير‏.‏

فهم
الرجل العربي رسالة سورس أو خطة المخابرات الأمريكية‏,‏ وهي اطاحة الخطاب
الإعلامي الوطني بالرقص والغناء والمنوعات‏,‏ وثقافة تشبه ما هو سائد في
روتانا وذلك كخطوة أساسية في تقويض النظم الوطنية في المنطقة‏.‏

هذه
هي المرحلة الثانية من التعامل مع إعلام الدولة‏(‏ سلاح الأنظمة الوطنية
المستهدف‏)..‏ والخطة ـ بالمناسبة ـ هي نفس ما أنيط براديو‏(‏ سوا‏)‏ الذي
ظهر بتخطيط مخابراتي أمريكي وتمويل من الكونجرس لتسويق خطاب الأغاني بدلا
من خطاب الارتباط الوطني‏.‏

والخطة كما لا يخفي علي فطنتكم‏,‏ هي ـ
بنصها وفصها ـ بعض ما تردده قوي الشوارعيزم في مصر متبرمة من تعبوية
الإعلام السياسي المقرف‏,‏ ومهللة لثقافة التخدير عبر افتعال المرح والرقص
والغناء عمال علي بطال‏.‏

اسأل نفسك‏..‏ لماذا لا يدري الناس شيئا
عن شرق العوينات أو مكانها‏,‏ ولا عن انجاز النظام في الصعيد الذي لا
سابقة له طوال الخمسين عاما الماضية‏,‏ ولا عن سعة وطاقة المحطة النووية
المزمع انشاؤها؟‏..‏ ثم عاود سؤال ذاتك ولماذا كان الناس يعلمون ـ تفصيلا
ـ في زمان آخر عن المشروعات القومية الكبري كالسد العالي‏,‏ ومشروع
الصواريخ‏,‏ ومجمع الحديد والصلب‏,‏ ومجمع الألومنيوم‏,‏ والمفاعل النووي
بأنشاص؟

والإجابة ـ ببساطة ـ لأن إعلام الدولة كان حاضرا في الحالة
الثانية‏,‏ ولأن مشروعه الوطني كان واضحا‏,‏ ولأنه لم يتعرض لكل هاتيك
الموجات المروعة من الاستهداف والتدمير‏.‏

في زمن الشوارعيزم‏..‏ انظر حولك ستجد جورج سورس قريبا ومبدأه حاضرا‏!!‏