انقسام عراقي حول الدور العربي بقلم : د‏.‏ محمد السعيد إدريس

من طرف **ashraf** الثلاثاء أبريل 14, 2009 4:49 pm

انقسام عراقي حول الدور العربي
بقلم : د‏.‏ محمد السعيد إدريس

فرضت
الاستراتيجية البديلة التي عرضها الرئيس الأمريكي باراك أوباما للانسحاب
من العراق البحث في مشاهد أو سيناريوهات المستقبل العراقي‏,‏ بمعني أي
مستقبل ينتظر العراق‏,‏ لكن فريقا من الإخوة العراقيين ارتأوا ضرورة أن
يتغير السؤال وأن تتغير المهمة بالتالي إلي‏:‏ أي مستقبل يجب ان ينتظر
العراق؟‏.‏ الفارق شاسع بالطبع بين المهمتين المترتبتين علي كل من
السؤالين‏,‏ فالمهمة التي تترتب علي سؤال‏:‏ أي مستقبل ينتظر العراق هي
عدم وجود مهمة‏,‏ بمعني ترك الأمور تتفاعل وننتظر ماسوف تسفر عنه من نتائج
واحتمالات‏,‏ أما المهمة التي تترتب علي سؤال‏,‏ أي مستقبل يجب ان ينتظر
العراق‏,‏ فهي مهمة شاقة تحتاج إلي إرادات عدة وليس إرادة واحدة‏,‏ واعباء
هائلة تبدأ أولا بوضع تصور نموذجي أو مثالي للعراق الجديد الذي يجب ان
ينشأ بعد الانسحاب الأمريكي من العراق‏,‏ يم يجمع كل القوي والقدرات
الممكنة وغير الممكنة لفرض هذا العراق الجديد‏.‏

وهكذا تحددت
المهمة الثقيلة علي المؤتمر الذي نظمه المركز العراقي للدراسات
الاستراتيجية في العاصمة الأردنية عمان الذي كان عليه ان يضع معالم
ومسئوليات استراتيجية عربية للمستقبل العراقي‏,‏ أي أن منظمي المؤتمر
اختاروا ان تكون البداية بالدور العربي‏,‏ أو أن تكون رؤية المستقبل
العراقي‏,‏ رؤية عربية خالصة‏,‏ وليس مجرد رؤية عراقية‏,‏ وعيا بأن العراق
دون عروبته لن يكون عراقا كما عرفه اهله وكما خبرته امته بوابة شرقية لها
علي مدي التاريخ‏,‏ وأن العراق خارج عروبته سوف تتقاذفه الاهواء وتتجاذبه
الانواء‏,‏ وينفرط عقده بين ولاءات طائفية وعرقية في الداخل‏,‏ وارتباطات
إقليمية ودولية في الخارج‏.‏

كان تحديد مهمة المؤتمر علي هذا النحو
كفيلا بتفجيره منذ لحظاته الأولي لولا ان إدارة المؤتمر كانت حكيمة
بالدرجة الكافية ليس فقط في ترتيب الجلسات ولكن أيضا في جدية اختيارات
المشاركين بحيث تضمن التوازن الذي يحمي المؤتمر ويأخذ به إلي بر الأمان‏,‏
فقد كان المشاركون‏,‏ وبالذات من الاخوة العراقيين يمثلون مختلف التيارات
والاتجاهات بين من هم منخرطون في ماسمي بـ العملية السياسية‏,‏ أي الذين
قبلوا نظام الحكم الذي فرضه الاحتلال ورعاه‏,‏ ومن رفضوا هذه العملية
وجرموها وجرموا كل من شارك فيها‏,‏ بين من قبل بالمعارضة‏,‏ ومن اختار
المقاومة‏,‏ بين من بقي في العراق يمارس الحكم أو يعارضه أو يقاومه ومن
خرج من العراق‏,‏ بين من خرج واكتفي بالرفض ومن انخرظ في صفوف المقاومة أو
الداعمين لها‏,‏ ولذلك كان الانقسام حادا حول مايتعلق بالدور العربي‏.‏

انقسم
المشاركون حول تقويم الدور العربي علي مدي السنوات الست التي مضت علي غزو
الأمريكيين للعراق وتدميره واحتلاله‏,‏ لكنهم رغم هذا الانقسام‏,‏ اتفقوا
علي ادانة الدور العربي‏,‏ فالذين انخرطوا في العملية السياسية وأصبحوا
وزراء أو نوابا في البرلمان العراقي ادانوا الدور العربي لضعفه وتردده في
دعم العراق‏,‏ وتباروا في كشف مدي سلبية الدور العربي مقارنة بأدوار أطراف
إقليمية أخري‏,‏ سواء كانت إيران أو حتي تركيا‏,‏ ولم يقبل هؤلاء بما حدث
من إغلاق للسفارات‏,‏ حتي لو كان السبب هو انعدام الأمن‏,‏ وقارنوا بين
مواقف الدول العربية التي اغلقت سفاراتها بسبب الخوف من انعدام الأمن
ومواقف دول أخري تعرضت سفاراتها للاعتداء واستمرت مفتوحة علي نحو مافعلت
تركيا وروسيا ودول أخري‏,‏ هؤلاء وجهوا اللوم أيضا للدول العربية لأنها
تتردد في الاستثمار في العراق‏,‏ وبعضها مازال يطالب العراق بدفع تعويضات
عن سياسات خاطئة أو جرائم ارتكبها النظام السابق‏,‏ هؤلاء يرون ان الدور
العربي الجديد يجب ان يكون قويا وفاعلا‏,‏ وأن يبدأ من الآن ولاينتظر
الانسحاب الأمريكي‏.‏

أما الذين رفضوا الانخراط في العملية
السياسية سواء اكتفوا بمعارضة الاحتلال ونظامه الحاكم في بغداد أو انخرطوا
في مقاومته‏,‏ فوجهوا إدانات قوية للدول العربية وللنظام الرسمي العربي
ابتداء من دور بعض الدول العربية في تأييد أو دعم الاحتلال أو الصمت عن
إدانته‏,‏ وانتهاء بقبول جامعة الدول العربية واعترافها بالنظام الذي
اقامه الاحتلال في العراق تحت مسمي العملية السياسية وبالدستور الذي وضعه
الاحتلال وفرض المحاصصة السياسية التي فجرت الحرب الطائفية‏,‏ وانتزع
العراق من عروبته عندما لم ينص علي ان العراق جزء من الأمة العربية علي
نحو ماكان في العهد السابق وعلي نحو ماهو موجود في دساتير معظم الدول
العربية‏,‏ ولكنه اكتفي بالنص علي ان العراق دولة إسلامية‏,‏ وسكانه من
العرب جزء من الأمة العربية‏,‏ ومع ذلك تعاملت الجامعة العربية مع هذا
العراق الذي يعيش تحت الحماية الأمريكية ولايري نفسه دولة عربية بأوامر
أمريكية‏.‏

أما الإدانة الأهم فهي للموقف العربي المعادي للمقاومة
الوطنية في العراق سواء كانت قومية أو إسلامية‏,‏ والتورط في الخلط بين
المقاومة وبين الإرهاب الذي فرض علي العراق‏,‏ لم توفر الدول العربية
الحاضنة اللازمة لرعاية وحماية وتسليح وتدريب المقاومة العراقية كي تحرر
وطنها المحتل‏,‏ علي نحو ماحدث لمقاومات كثيرة‏,‏ بل إن المقاومة العراقية
ولدت يتيمة واستمرت يتيمة ومضطهدة ومحاصرة من اهلها وعشيرتها العربية‏,‏
وفضلا عن ذلك لم تنهض الدول العربية لرعاية وحماية وكفالة النازحين من
العراقيين الفارين من جحيم الاحتلال واعوانه علي نحو ماكان مأمولا حتي
لايقع هؤلاء النازحون تحت ذل الحاجة والعوز‏.‏

هذا الانقسام حول
الدور العربي خلال السنوات الست التي مضت علي الاحتلال الأمريكي للعراق
والاتفاق علي إدانته‏,‏ كان عقبة كأداء أمام وضع رؤية استراتيجية عربية
للعراق الذي يجب ان يكون‏,‏ وهنا تفاقمت المشكلة من نواح كثيرة‏,‏
أولاها‏:‏ عن أي عرب نتحدث؟ بعد ان انقسم العرب بين مايسمي بـمحور
الاعتدال‏,‏ الصديق لأمريكا والحريص علي عدم الصدام معها‏,‏ وبين مايسمي
بــ محور الشر‏,‏ أو محور الممانعة‏,‏ الذي يصطدم مع السياسات
الأمريكية‏,‏ وبين دول عربية أخري باتت خارجة عن سياق هذا التقسيم‏.‏

ثانيتها‏:‏
من أين يبدأ الدور العربي؟‏,‏ هل من دعم العراق القائم أي دعم النظام الذي
أسسه الاحتلال ورعاه ويعيش تحت حمايته ووصايته‏,‏ أم من دعم المقاومة
وتبني مشروعها لإسقاط هذا النظام وتأسيس العراق الجديد علي قواعد جديدة من
الاستقلال والحرية والديمقراطية؟

وهكذا وجد المؤتمر نفسه يغرق في
بحور ماهو سياسة واقعية‏,‏ وما هو غير واقعي‏,‏ أو خيال سياسي‏,‏ فالذين
يعملون الآن من داخل النظام الحاكم في العراق يرون ان الواقعية السياسية
تفرض دعم هذا النظام والسعي إلي اصلاحه وتطويره ومساعدته والنهوض به إلي
المستوي الذي يمكن ان يرضي كل العراقيين‏,‏ وأن أي انخراط عربي في دعم
مايسمي بـ المقاومة هو اللاواقعية بعينها‏,‏ لأن هذه المقاومة تتلاشي
الآن‏,‏ وأن الانسياق وراء الشعارات لن يؤدي إلا إلي مزيد من الخراب في
العراق‏.‏

هذه الرؤية لـ الواقعية السياسية وجدت من يدحضها من
انصار المقاومة‏,‏ الذين أكدوا ان الواقعية الحقيقية هي رؤية الأشياء كما
هي‏,‏ وهذه الرؤية للعراق تقول ان هذا الوطن اعتدي عليه وظلم واحتل‏,‏ وأن
هناك من باعوا أنفسهم للشيطان وساعدوه وحكموا باسمه‏,‏ كما أن حقيقة
الأمور تؤكد ان الاحتلال‏,‏ كل احتلال‏,‏ لابد له من زوال‏,‏ وأن أمريكا
لن تبقي للأبد في العراق‏,‏ وان المقاومة هي الخيار الواقعي وغيرها هي
الخيال‏,‏ ولذلك فإن الدور العربي يجب ان يركز علي دعم المقاومة كي تقوم
بمهمتها في تحرير العراق علي نحو مافعلت كل الشعوب التي تعرضت للعدوان
والاحتلال‏,‏ وأنه لو كان الزعيم الفرنسي ديجول مثلا قد قبل بالحكومة
العميلة التي فرضها الألمان في باريس اثناء الحرب العالمية الثانية ماكانت
فرنسا التي نعرفها الآن موجودة‏,‏ ولو ان خيار الزعيم البريطاني تشرشل لم
يكن خيار المقاومة لظلت ألمانيا تحكم بريطانيا حتي الآن‏.‏

الخلاف
علي من أين يبدأ الدور العربي في العراق وأي عراق يجب ان يكون جوهر
الاهتمام العربي ظل يسيطر علي اجواء المؤتمر الأمر الذي كان لابد ان يفرض
منهاجية جديدة للتفكير في الإجابة عن تلك التساؤلات‏,‏ هذه المنهاجية
فرضتها كل تلك الصعوبات الناجمة عن الانقسامات العراقية غير المحدودة‏,‏
لكنها وجدت مايحفزها من تقدم يعيشه العراق الآن بعد سنوات من العذاب
والاقتتال الطائفي وهو ذلك التوافق العراقي البديع نحو ضرورة تحريم وتجريم
الطائفية السياسية كبداية لابد منها لقيام العراق الجديد‏.‏