المياه‏...‏ من أجل الأمن والسلام بقلم : د‏.‏ ليلي تكلا

من طرف **بهاء** الثلاثاء أبريل 28, 2009 7:39 pm

المياه‏...‏ من أجل الأمن والسلام
بقلم : د‏.‏ ليلي تكلا

بينا
في مقال سابق أن المياه قضية مصيرية ترتبط بجوانب كثيرة من جوانب
الحياة‏,‏ فالحياة ذاتها لا تستمر بدون المياه للكائنات جميعا‏,‏ وترتبط
بقضية الأمن الغذائي‏,‏ والغلاء والأسعار‏,‏ والفقر والبطالة والصحة
والنظافة وتتصل بمشكلة التغير المناخي الذي نتج عنه تناقض ما بين سيول‏,‏
وجفاف وتصحر‏,‏ كما أن لها علاقة وثيقة بمسائل الديمقراطية والمشاركة
وحقوق الإنسان وسلوك المواطن والثقافة العامة‏..‏ وسائر جوانب التنمية‏..‏
والسلام‏,‏ ونتناول هنا توضيح ماهية المياه وعلاقتها بالسلام‏.‏
‏
****‏

الماء
اسم يطلق علي الحالة السائلة لمركب الهيدروجين والأكسجين‏,‏ كان الفلاسفة
الأقدمون يعتبرونه عنصرا أساسيا لكل المواد السائلة‏,‏ وظل هذا الاعتقاد
سائدا حتي القرن الـ‏18,‏ عندما اكتشف هنري كافنديش تخليق الماء بحرق
الهيدروجين في الهواء‏,‏ حتي أتي الكيميائي الفرنسي لافوازييه وأثبت أن
الماء ليس عنصرا بل مركب من الهيدروجين والأكسجين‏,‏ ثم اكتشف العالمان
الفرنسي جوزيف لويس‏,‏ والألماني فون همبولدت أن الماء يتكون من حجمين من
الهيدروجين وحجم من الأكسجين‏.‏

ولأنها قضية مصيرية أصبح لها علم
متخصص علم المياه يتناول المياه وتوزيعها فوق الأرض وصفاتها وخصائصها
الطبيعية والكيميائية وتفاعلها مع البيئة والكائنات الحية‏,‏ وأعلنت الأمم
المتحدة أن العقد ما بين سنتي‏2005‏ ـ‏2015‏ هو عقد الماء لأجل الحياة
وأشار تقرير للأمم المتحدة الي إن‏1/5‏ سكان كوكب الأرض يفتقدون المياه
الصالحة للشرب بسبب سوء إدارة الموارد‏,‏ حيث يعيش فقراء العالم علي أقل
من جالونين ونصف الجالون من المياه في اليوم‏,‏ وهو ما يعادل واحدا من
ثلاثين من الاستهلاك اليومي للدول الغنية‏.‏
‏
****‏
وإن
كانت المياه أساسية للحياة في كل مكان وزمان‏,‏ إلا أن كمياتها تتفاوت من
مكان لآخر لتتراوح بين نقص المياه‏,‏ وندرة المياه‏,‏ والضغوطات الناجمة
عن نقص المياه ولكل خصائصها‏:‏

فنقص المياه يعني المعدلات المتدنية
لموارد المياه الي حدود دنيا تتجاوز الاحتياجات الأساسية‏,‏ أما ندرة
المياه فهي عدم توازن بين العرض والطلب تبعا لتدابير النمط الاجتماعي
السائد‏,‏ أما الضغوطات فتعني تصاعد الخلاف بين المستخدمين وحدة المنافسة
التي تصل أحيانا الي حد الصراعات الضارية وتؤدي الي ما يعرف باسم حروب
المياه التي تقوم بين بلاد أو جماعات تشارك بعضها البعض في الأنهار
والبحيرات ومن أمثلة ذلك‏:‏
‏
*‏ نهر الكيتو‏Cuito,‏ الذي يمر في بوتسوانا‏,‏ ناميبيا وأنجولا في جنوب قارة إفريقيا ويؤدي الي علاقات متوترة بين الجيران‏.‏
‏
*‏
في وسط وغرب إفريقيا‏,‏ يعتمد‏20‏ مليون شخص في ست دول علي بحيرة تشاد‏,‏
التي قلت مياهها بمقدار‏95%‏ في خلال الـ‏38‏ عاما الماضية‏,‏ مما قد يهدد
بأزمة سياسية بين هذه الدول‏.‏
‏
*‏ نهر اليرموك حائر بين سوريا والأردن وإسرائيل‏.‏
‏
*‏ نهرا تيجرز‏Tigris‏ والفرات ينتظران في الصف لمواجهة نفس المشكلة‏.‏
‏
*‏
أما بحر الجليل فيواجه مشكلة حقيقية ستظهر بوضوح بعد نحو خمس سنوات‏,‏ فهو
ينخفض بشكل ملحوظ‏,‏ والملوحة تهدد مياهه ومنابعه‏..‏ والمشكلة متفاقمة
بين الفلسطينيين والإسرائيليين حيث يستخدم الفلسطينيون ربع ما يستخدمه
جيرانهم الإسرائيليون‏,‏ وبرغم ذلك فقد قلت المياه المزودة للفلاحين في
اسرائيل بمقدار‏40%‏ عن العام الماضي بسبب الجفاف‏,‏ وتزرع اسرائيل الأرز
والقطن في الصحراء‏,‏ وهي من أكثر المحاصيل استهلاكا للمياه مما يزيد
المشكلة‏.‏
‏
*‏ في إيران‏60%‏ من السكان الذين يعيشون في القري يضطرون للهجرة الي وسط آسيا بسبب الجفاف‏.‏
‏
*‏ مستوي بحر آرل‏Aral,‏ رابع أكبر البحار الداخلية سابقا في آسيا قل بمقدار‏16‏ مترا ومساحته تقلصت الي النصف‏.‏
‏
*‏
في الصين يوجد خزان ميا‏]‏ تحت سهل شمال الصين‏,‏ يقل مستوي الماء فيه
بنسبة‏1,5‏ متر سنويا‏,‏ في حين تحتاج الصين الي‏1000‏ طن من المياه
لانتاج طن من القمح‏,‏ وبالتالي ستواجه ثلثا المدن الصينية مشكلة ندرة
المياه‏.‏
‏
*‏ في الهند يقل مستوي الماء من‏1‏ الي‏3‏ مترات سنويا وتشير التوقعات الي أن باكستان سوف تنضم الي حالة الندرة‏.‏
‏
*‏
أما نهر النيل الذي يجري في مصر والسودان ضمن تسع دول إفريقية فهو
يخدم‏150‏ مليون شخص‏,‏ سيرتفع عددهم الي نحو‏340‏ مليون شخص بحلول
عام‏2050‏ مما يهدد العلاقات بين هذه الدول‏.‏
‏
****‏

وفي
نفس الوقت الذي تؤدي فيه ندرة المياه أو نقصها للصراع‏,‏ فإن توفير المياه
الكافية الآمنة يعتبر حقا من حقوق الإنسان‏,‏ أولها الحق في الحياة الذي
ارتبط بالإنسان منذ وجوده وأكدته المواثيق والاتفاقيات‏,‏ والذي يتطلب
توفير المياه اللازمة والآمنة للاستخدام الشخصي وري الأراضي الزراعية‏..‏
وتلبية الاحتياجات الصناعية اللازمة‏,‏

وتنص فقرة‏(1)‏ من‏(‏
م‏11)‏ من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علي الحق في مستوي
معيشي لائق وتوفير مأوي مناسب وغذاء كاف‏,‏ كما تنص فقرة‏(1)‏ من‏(‏
م‏12)‏ علي أن الحق في مستوي صحي معين يتطلب الحق في المياه‏,‏ وتنص
الفقرة‏(2)‏ من‏(‏ م‏14)‏ من اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد
المرأة علي ضرورة الإمداد بالماء وتطالب فقرة‏(2)‏ من‏(‏ م‏24)‏ من
اتفاقية حقوق الطفل توفير الغذاء الصحي الكافي ومياه الشرب النقية‏,‏ هذا
الي جانب أن توفيره يمنع المجاعات والأمراض‏..‏ والصراع والحروب‏.‏
‏
****‏

هذه
الحقائق أصبحت تحتم ضرورة التعامل مع قضية المياه كقضية مصيرية وبوسائل
جذرية تقوم علي زيادة الموارد وحسن الإدارة والاستخدام الأمثل‏..‏ هذه
الآليات معروفة ومرصودة ممكنة التطبيق عندما تتوافر الارادة السياسية‏,‏
والادارة الرشيدة‏,‏ والحد من الاستنزاف للتقليل من الفاقد‏..‏ هذه آليات
بعضها مسئولية الدولة وبعضها مسئولية المواطنين‏..‏

وللحديث بقية‏..‏