جوجول والمعطف‏(1)‏ بقلم : إبراهيم أصلان

من طرف **بهاء** الثلاثاء أبريل 28, 2009 7:41 pm

جوجول والمعطف‏(1)‏
بقلم : إبراهيم أصلان

مكالمة
مطولة قضيتها وصديقي عاشق الأدب الروسي وأحد خبرائه الكبار الدكتور أنور
إبراهيم‏,‏ الوكيل السابق للعلاقات الخارجية الثقافية‏,‏ مناسبة المكالمة
هذه المرة كان قرار اليونسكو الاحتفال طوال هذا العام‏2009‏ بمرور مائتي
عام علي مولد الكاتب الروسي الأكبر‏(‏ نيقولاي جوجول‏1809‏ ـ‏1852)‏ الروس
لم يفاجأوا بهذا الأمر‏,‏ بل هم استعدوا منذ أصدر الرئيس‏(‏ بوتن‏)‏
مرسوما رئاسيا منذ خمس سنوات استعدادا للمناسبة‏,‏ وقد افتتح العام بوضع
باقات الورود أمام مقبرته في حديقة منزله بموسكو في حضور حشد من رجال
الأدب والفن والثقافة وكبار المسئولين‏,‏ كما أعدت طبعات جديدة لكتبه
ووزعت علي المكتبات والمراكز الثقافية فضلا عن عرض برامج الاحتفالات التي
سوف تتم علي امتداد العالم كله‏.‏

جوجول بالطبع هو صاحب العمل
الخالد‏(‏ النفوس الميتة‏)‏ الذي ترجمته ونشرته دار اليقظة في ستينيات
القرن الماضي‏,‏ يقول الدكتور أنور إنها الأنفس وليس النفوس الميتة‏,‏
ومجموعة‏(‏ الأنف‏)‏ ومسرحية‏(‏ المفتش العام‏),‏ التي قدمت كثيرا علي
مسارحنا و‏(‏تاراس بولبا‏)‏ التي نشرت في مشروع الالف كتاب القديم
و‏(‏مذكرات مجنون‏)‏ وقصة‏(‏ المعطف‏)‏ صاحبة الشهرة الفائقة وغيرها من
الأعمال‏,‏ والتعبير الذي يقول ان الادب الروسي‏,‏ الشامخ والرهيب‏(‏ خرج
من معطف جوجول‏)‏ هو تعبير شائع ومألوف وله نظائر في أداب العالم كله‏.‏

وعندما
يقال أحيانا إن الرواية المصرية‏(‏ خرجت من معطف نجيب محفوظ‏)‏ فهو كلام
يقال استعارة‏,‏ أو عطفا علي‏(‏ معطف‏)‏ جوجول نفسه‏,‏ وأنا أريد أن أتوقف
لأحكي لك حكاية هذا المعطف‏,‏ إلا أنني قبل ذلك أذكرك بأن‏(‏ جوجول‏)‏ هذا
هو مؤسس الرواية الواقعية في العصر الحديث‏,‏ وبأن مدينة‏(‏ بطرسبورج‏)‏
بجمالها الوحشي وأساطيرها الشعبية الساحرة والمخيفة وشارع نيفسكي الواقعي
وغير الواقعي كانت هي سبب المفارقة التي شحنت أعماله تلك بزخم سوريالي رغم
واقعيتها الشديدة‏,‏ وأنا كنت حسن الحظ اذ تجولت هناك بصحبة صديقنا أنور
ابراهيم الذي كان حصل علي أطروحته هناك وخبرها جيدا

و‏(‏المعطف‏)‏
قصة قصيرة مطولة قليلا وهي تحكي أنه في دائرة مايوجد موظف يدعي‏(‏ أكاكي
أكاكيفيتش‏)‏ أي أكاكي ابن أكاكي لم يكن بارزا بطبيعة الحال‏,‏ قصير
القامة مجدور الوجه‏,‏ شعره مائل للاحمرار‏,‏ ضعيف النظر مع صلعة عريضة في
مقدمة رأسه‏,‏ وبعض التغضن في خديه ونحيف في نصفه الاعلي‏,‏ ولعل مسئولية
ذلك تقع علي مناخ مدينة بطرسبورج وهو عندما ولد بشر بازدراء بالغ الأمر
الذي أعطي الانطباع بانه سيكون ناسخا عموميا لا محالة‏,‏ لم يحدث أن
احترمه أحد‏.‏ تعامل معه الفراشون كأي ذبابة‏,‏ لايقفون عندما يمر
أمامهم‏,‏ ويلقون امامه بالأوراق قائلين‏:‏ انسخها في وسط ذلك كله لم
يخطيء نسخ رسالة واحدة ولا اعترض بأكثر من‏:‏ اتركني وشأني‏,‏ لماذا
تؤذيني؟

لم يكن يعتني بملابسه‏,‏ ويمكن القول إن ثيابه الداخلية
كانت صدئة‏,‏ البرد في بطرسبورج رهيب‏,‏ وهو يمشي ستة أو سبعة شوارع إلي
الدائرة يكاد البرد يقتله بسبب معطفه الذي نحل وأصبح موضع سخرية من
الجميع‏.‏ وكانت ياقته العريضة تتناقص عاما بعد الآخر لانها تستخدم في
ترقيع أجزاء أخري من المعطف‏,‏ وهو أخذه واتجه إلي بتروفتش‏,‏ الخياط
الاعور الذي نشر المعطف أمامه علي المنضدة الكبيرة وتمعن في كل ركن فيه
وقال‏:‏ لا‏.‏ مستحيل اصلاح هذا انه ليس معطفا انه مأساة‏.‏

أكاكي
الذي يجد قوته بالكاد وقع قلبه في بطنه‏,‏ وطلب عمل المستحيل‏.‏ بتروفتش
قال ليس هناك شيء يمكن خياطته‏,‏ والابرة ستتهاوي في الفراغ‏,‏ واقترح ان
يحوله إلي جوارب تقي قدميه من البرد وأضاف‏:‏ لابد من معطف جديد‏.‏