اسمان‏..‏ والمسمي واحد‏!‏ بقلم‏:‏ أحمد عبدالمعطي حجازي

من طرف ktkt الأربعاء أبريل 29, 2009 9:42 am

اسمان‏..‏ والمسمي واحد‏!‏
بقلم‏:‏ أحمد عبدالمعطي حجازي

ماهذه الطعنات المتوالية التي تنهال كل يوم علي العقل المصري باسم الدين ؟

أصبحنا
ننهض كل يوم من نومنا المتقطع وأيدينا علي قلوبنا نحميها مما نتوقع أن
نقرأه في الصحف من أخبار المنع والقمع والمحاصرة والمصادرة والمحاكمة
والتغريم والتكفير التي لم تدع مجالا إلا طالته‏,‏ ولافنا‏,‏ ولا أدبا‏,‏
ولا فكرا‏,‏ ولا علما إلا اتهمته وشوهته وحرضت عليه البيت والشارع‏,‏
والكنيسة والجامع‏,‏ ورجال الدين ورجال القضاء‏!‏

انظروا عن يمينكم
وعن شمالكم‏,‏ وأمامكم وخلفكم لتروا ماحدث ومايحدث للأدب المصري‏,‏ والفن
المصري‏,‏ والعلم المصري‏,‏ والفكر المصري‏,‏ ولن نقع في أي مبالغة أو
تجاوز إذا قلنا إنها مذبحة أو حرب إبادة ثقافية أعلنها الشيوخ والقسس‏,‏
تظاهرهم وتملي لهم قوي ومؤسسات مختلفة تحالفت كلها علي الثقافة المصرية
لإسكات صوتها‏,‏ وشل حركتها‏,‏ ومنعها من أن تنهض من كبوتها‏,‏ وتستأنف
نشاطها‏,‏ وتؤدي واجبها في خدمة الوطن‏,‏ وتحرير العقل‏,‏ وتقدم الإنسان‏.‏

روايات
تصادر ويحاكم مؤلفوها لأن أحد رجال الدين‏,‏ أو أحد المتاجرين به لم تعجبه
كلمة استخدمها الراوي‏,‏ أو عبارة جاءت علي لسان إحدي الشخصيات‏.‏

والرواية
كما يعلم الجميع تأخذ مادتها من واقع المجتمع‏,‏ والمجتمع كما يعلم الجميع
نماذج شتي‏,‏ ومصالح وأطماع وأفكار ومشاعر وصراعات وغرائز يستطيع بعضنا أن
يكبح جماحها‏,‏ ولا يملك الآخرون إلا أن يستسلموا لها حينا بعد حين‏.‏ مرة
ينتصر الخير‏,‏ وأخري ينهزم‏,‏ يعتدل البعض أو يستتر علي الأقل‏,‏ ويتطرف
البعض ويتبجح‏,‏ لأننا بشر ولسنا ملائكة‏,‏ فنحن معرضون جميعا لأن نخطيء
ونصيب ونتسامي‏,‏ الراعي والرعية‏,‏ والإمام والمأموم‏,‏ والقاضي
والمتهم‏.‏ فلماذا نريد من الروائي أن يزيف حقيقتنا‏,‏ ويكذب علينا وينافق
؟ ولماذا ننكر عليه أن يكون صادقا صريحا ؟‏!‏

والمجلات تسحب رخص
إصدارها‏,‏ لأن إحداها نشرت قصيدة يقول فيها صاحبها مامعناه ان السماء لا
تمطر ذهبا ولا فضة‏,‏ ولا ترسل للناس عساكر بأجنحة ينظمون لهم حركة المرور
ويقبضون علي المخالفين‏.‏ وإنما الناس هم المسئولون عن صنع حياتهم وإدارة
مجتمعاتهم‏.‏

والشعر كما يعلم الجميع لغة خاصة تختلف اختلافا
جوهريا عن لغة العلم ولغة الفقه التي تفهم في غالب الأحيان بظاهر
معناها‏.‏ أما لغة الشعر فمجاز أوله ظاهر وآخره باطن‏,‏ فهي حمالة أوجه
تحتمل التأويل وتعطي كل قاريء مجتهد مايريد‏.‏ فليس في وسع رجال الدين أو
رجال القانون أن يحصروها في معني أو ينفردوا بالفتوي فيها‏,‏ كما لا يحق
للشعراء ونقاد الأدب والفن أن يجلسوا في مكان المفتي أو القاضي‏.‏

والطعنات
التي تنهال علي الشعر والرواية تنهال علي النحت والتصوير‏,‏ وعلي العلم
والفكر‏,‏ وعلي المسرح والسينما‏.‏ علي ما ننتجه الآن من أدب وفن‏,‏ وعلي
ما أنتجه آباؤنا وأجدادنا‏,‏ فالمصادرات التي تعرضت لها رواية حيدر
حيدر‏,‏ ورواية مجدي الشافعي‏,‏ وقصائد حسن طلب‏,‏ وعبد المنعم رمضان‏,‏
وحلمي سالم‏,‏ ومجلة إبداع تعرضت لها أيضا ألف ليلة وليلة وديوان أبي نواس
وفتوحات ابن عربي المكية‏.‏

لم يكف هؤلاء المحتسبون الجدد أن ينكلوا بالأحياء‏,‏ وإنما أخذوا ينلكون أيضا بالموتي‏,‏ وهذا أيضا تراث قومي تليد‏.‏

بعض
ملوكنا القدماء كانوا يعلنون الحرب علي من سبقوهم‏,‏ فيحطمون ثماثيلهم‏,‏
ويمحون أسماءهم من علي جدران المعابد‏,‏ والخليفة العباسي أبو جعفر السفاح
أخرج أجداث خصومه الأمويين من قبورهم وجلدها والناس ينظرون‏.‏

ولقد
كنا نظن أن العصور الماضية مظلمة بالقياس الي عصرنا‏,‏ وأن أهلها متوحشون
لأنهم لم يعرفوا الديمقراطية ولم يسمعوا عن حقوق الانسان‏,‏ وها نحن نري
أن هذه العصور المظلمة كانت تقرأ قصائد أبي نواس والمعري‏,‏ وحكايات ألف
ليلة وليلة‏,‏ علي حين تتعرض هذه الأعمال الرائعة في عصرنا المضيء للمنع
والمصادرة‏!‏

وقبل اليوم كانت مطاردة الكتاب والفنانين والمفكرين
انفرادا واحتكارا لمجمع البحوث الاسلامية‏,‏ ويبدو ان الكنيسة المصرية رأت
أن قيام المجمع باداء هذه الرسالة المقدسة وحده يضعف الوحدة الوطنية‏,‏
فقررت ان تدخل معه المعركة‏,‏ وان تعلن الحرب علي فن النحت‏,‏ وعلي فن
السينما‏,‏ وبالتحديد فيلم بحب السيما الذي اتهمه البابا كما ذكرت بعض
الصحف بالتدخل في شئون الكنيسة‏,‏ وهكذا نستطيع ان نهتف جميعا من جديد‏:‏
يحيا الهلال مع الصليب‏!.‏

ولقد كنا نظن انهم سيتركون لنا الرقص الشرقي نسري به عن انفسنا في هذه الأيام المدلهمة‏,‏ لكنهم قرروا ان يفسدوا علينا كل شئ‏.‏

وأنا
أعني بالحرف ما اقول‏,‏ قرروا ان يفسدوا علينا كل شئ‏.‏ لا حقنا ومتعتنا
بان نكتب ونقرأ ونمثل ونصور ونشاهد ونغني ونرقص فقط‏,‏ بل حقنا في ان نعيش
آمنين‏.‏ وإلا فماذا يعني حرمان النساء المصريات المسلمات‏,‏ والمسيحيين
المصريين جميعا رجالا ونساء من التمتع بحقوق المواطن في البرنامج الذي
اعلن الاخوان المسلمون انهم سيحكموننا علي اساسه؟

المعني هو عزل
معظم المصريين‏,‏ وإلغاؤهم من خريطة المواطنة‏,‏ وإجبارهم علي الفرار الي
كندا‏,‏ ففي كندا تستطيع المرأة المسلمةان ترشح نفسها لرئاسة الجمهورية‏.‏
وباستطاعتها لو أثبتت جدارتها ان تفوز باصوات الكنديات والكنديين علي
اختلاف مللهم‏,‏ لان الكنديات والكنديين يعيشون في القرن الحادي
والعشرين‏,‏ أما نحن فمازلنا نعيش مع اهل الكهف‏.‏

هل تعتقدون ان منع النساء المصريات والمسيحيين المصريين من ممارسة حقوقهم السياسة بعيد عن منع الكتب والمجلات والافلام ومصادرتها؟

لا‏..‏ انا لا أعتقد‏!‏

وهل تجدون فرقا بين الذين يصادرون ثقافتنا والذين يصادرون حقوقنا السياسية؟

الفرق ان الذين يصادرون الثقافة حكومة‏,‏ والذين يصادرون الحقوق معارضة‏,‏ لكنه فرق بين اسمين‏,‏ والمسمي واحد في الحقيقة‏.‏