الانتخابات الأمريكية.. الفوز ليس بالبرامج الانتخابية وحدها

تثير الانتخابات الأمريكية كل ٤ أعوام جدلاً كبيرًا في مختلف أنحاء العالم، نظرًا لأنها تحدد ليس من الذي سيحكم الولايات المتحدة وحدها ولكن من سيحكم العالم أجمع بطريقة أو بأخري، وهو ما يزيد من أهميتها كثيرًا.
وعلي الرغم من ذلك فإن المراقبين يؤكدون أن الانتخابات الأمريكية تحكمها عوامل كثيرة بعيدة كل البعد عن المنطق «العادي» الذي يحكم الانتخابات في مختلف دول العالم، نظرًا لأنها تكون الأكثر إثارة وتشويق حيث تجري علي مراحل متعددة، بدءًا من الانتخابات التمهيدية للحزبين الكبيرين، مرورًا بالحملة الانتخابية الطويلة التي تستغرق عدة أشهر انتهاء بالانتخابات التي تجري في الولايات الـ٥٠ في وقت واحد.
ولعل أهم العوامل التي تحكم الانتخابات الأمريكية هو «الشكل»، حيث تؤكد الدراسات السياسية أن المرشح الأكثر وسامة يهزم المرشح الأقل وسامة، والمرشح ذا الشعر الناعم يهزم المرشح الأصلع، والمرشح ذا الابتسامة العريضة والعينين الواسعتين يهزم منافسه، وهو ما يرجح كفة المرشح الديمقراطي باراك أوباما علي حساب منافسه الجمهوري جون ماكين لابتسامته العريضة ووسامته وحسه في التواصل مع الجمهور، وذلك علي الرغم من أن فوز أوباما يكسر قاعدة أخري وهي أن رئيس أمريكا باستمرار رجل أبيض.
ويري غالبية المراقبين أن احتمال كسر قاعدة الرجل الأبيض يبقي قائما فقط بسبب رغبة الأمريكيين في تجنب أي احتمال لتكرار فترتي رئاسة جورج بوش «الكارثيتين»، وهو ما يدعو كثيراً منهم لتجنب انتخاب رئيس جمهوري جديد (ماكين).
كما يرتبط الفوز بالانتخابات الأمريكية بالقدر الذي تجمعه الحملة الانتخابية من أموال، حيث تتسم الحملات الانتخابية الأمريكية ببذخ كبير في الإنفاق، وغالبًا ما يتمكن الجمهوريون من جمع أموال أكبر من الديمقراطيين، نظرًا لأن غالبية مؤيديهم من الطبقة الأكثر ثراء، كما أن الجمهوريين يحظون «تقليديا» بدعم التجمعات الصناعية في الولايات المتحدة.
وترتبط الأموال المتاحة للحملة الانتخابية بقدرتها علي تنظيم حملات إعلانية واسعة تساهم في إيصال أفكار المرشح للناخبين، كما تعمل أيضا علي التقليل من برامج المرشح المنافس، ويلاحظ أن الحملات الانتخابية للمرشح الذي يتقدم في استطلاعات الرأي غالبا ما تتجنب الخوض في الجوانب الشخصية للمرشح الآخر، ويطالب أعضاء هذا المعسكر بحملة «نزيهة»، بينما ينزع المعسكر الآخر (المتأخر في الاستطلاعات) للتقليل فقط من قوة خصمه وتفنيد نقاط برنامجه، في محاولة للحصول علي التقدم من خلال تشويه صورة الطرف الآخر.
ويلاحظ هنا أن أوباما تمكن من جمع مبالغ مالية قياسية بالنسبة للديمقراطيين، لاسيما مع قدرته العالية علي استخدام الإنترنت في جمع التبرعات، كما اضطر ماكين في مواجهة تفوق أوباما عليه في استطلاعات الرأي إلي أن تتخذ حملته منحي هجوميا ضد أوباما، في محاولة لإعادة التوازن إلي الكفة من خلال تقليص شعبية أوباما وليس زيادة شعبية ماكين.
ويأتي تأييد «الكيانات الكبيرة» كأحد أهم العوامل المؤثرة في الانتخابات الأمريكية، وعلي رأس تلك الكيانات النقابات العمالية، التي تميل تقليديا لدعم الديمقراطيين، حيث يعتبر الحزب الجمهوري ممثلا للطبقات الأقل في عدد السكان في الهرم الاجتماعي الأمريكي.
ويعتبر الانتماء التقليدي لبعض الولايات الأمريكية سواء للحزب الجمهوري أو الديمقراطي أحد العوامل الحاسمة في الانتخابات، حيث تنزع غالبية الولايات للتصويت بشكل مستمر لصالح أحد الحزبين، وهو ما يجعلها شبه مضمونة لهذا الحزب، ليدور الصراع علي الولايات التي تتغير باستمرار ولعل أهمها ميتشجان وفلوريدا.
وقد استخدم المرشح الديمقراطي باراك أوباما استراتيجية جديدة خلال حملته الانتخابية الحالية تمثلت في رغبته في التركيز علي الولايات التي يعتبرها كثيرون معاقل للجمهوريين وعلي تلك التي تعتبر ولايات تغير ولاءاتها، وذلك في مسعي منه لاستغلال حالة الرفض الواسعة علي المستوي القومي للحزب الجمهوري وتحويلها ضد ماكين، نظرًا لأن مستشاري أوباما رأوا أنهم في الموقع القوي وهو ما يتيح لهم اتخاذ استراتيجية هجومية.
ويبرز أيضا تأييد وسائل الإعلام للمرشحين كأحد العوامل المهمة، حيث تعلن غالبية وسائل الإعلام الأمريكية عن تأييدها «الصريح» لأحد المرشحين، وأهمها الصحيفتان الأهم في الولايات المتحدة «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست».