حكايـة سياسية بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

من طرف lzeem السبت مايو 02, 2009 2:31 pm

حكايـة سياسية
بقلم : محمد عيسي الشرقاوي

فتي رمح الأمة
ومأساة القلوب الحزينة

في
طفولته وصباه كان يرعي الغنم ليساعد اسرته‏,‏ ويدبر قوت يومه‏..‏ فقد
اضطرت أمه للعمل في خدمة البيوت‏,‏ عقب موت والده‏..‏ وعندما صار شابا
انضم جاكوب زوما لنقابات العمال وأضحي يساريا‏..‏ ثم خطا خطوة جسورا‏,‏
وأصبح مقاتلا في منظمة رمح الأمة‏,‏ الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني
بجنوب افريقيا‏,‏ ابان خضوعها لحكم الأقلية العنصرية البيضاء‏.‏

واعتقلته
السلطات العنصرية عام‏1963,‏ وزجوا به في السجن الرهيب بجزيرة روبن لمدة
عشر سنوات‏..‏ وهناك التقي بالزعيم نيلسون مانديلا المحكوم عليه بالسجن
مدي الحياة بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم العنصري‏..‏ وفي خلال تلك
السنوات تمكن زوما من تعلم القراءة والكتابة‏.‏

وعندما أطلقوا
سراحه هرب الي المنفي في الدول المجاورة‏..‏ واضطلع بتنظيم عمليات سرية
لتسلل المقاتلين الي جنوب افريقيا‏,‏ وأصبح رئيسا للمخابرات في حزب
المؤتمر الوطني‏..‏ وشارك في مباحثات سرية عام‏1990‏ لتحرير البلاد‏,‏ في
وقت كانت ثورة التحرر الوطني قد قوضت طموحات الأقلية العنصرية البيضاء في
الاستمرار في الحكم‏..‏ وتم رفع الحظر علي نشاط حزب المؤتمر وجري اطلاق
سراح مانديلا بعد أن أمضي‏27‏ عاما في السجن‏,‏ وأصبح أول رئيس وطني في
انتخابات‏1994.‏

لكن مانديلا آثرا آلا يبقي في السلطة سوي فترة
رئاسية واحدة‏..‏ حقق خلالها معجزة المصالحة الوطنية بين السود والبيض‏,‏
ورسخ ديمقراطية التعددية الحزبية والعرقية‏..‏ ومهد الطريق لوطن ينعم فيه
الجميع بحياة أفضل وأجمل‏.‏

وعندما اعتزل مانديلا الحياة
السياسية‏,‏ فاز نائبه ثابو مبيكي بالرئاسة عام‏1999.‏ وأصبح زوما نائبا
له‏..‏ غير أن مبيكي أقصاه من منصبه عام‏2005,‏ بسبب شبهات حامت حول تورطه
في صفقة أسلحة للحكومة‏..‏ واشتعل الصراع علي الحزب والسلطة بين
الرجلين‏..‏ وتمكن زوما من انتزاع زعامة الحزب‏,‏ وارغام مبيكي علي
الاستقالة من الرئاسة‏..‏ وانشق أنصار مبيكي وكونوا حزبا جديدا كان الظن
انه سيتحدي حزب المؤتمر الوطني‏..‏ ولكن عندما دقت ساعة الانتخابات فاز
زوما بالرئاسة‏,‏ بينما بدا الحزب المنشق معتلا وباهتا‏..‏

لقد برع
زوما في اجتذاب الفقراء والمهمشين باعتباره كان فقيرا مثلهم‏.‏ لكن لا
أحد‏,‏ ولازوما نفسه‏,‏ يدرك كيف يحقق ما وعد الفقراء به‏,‏ في وقت تدخل
فيه البلاد نفق الكساد بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية‏,‏ بعد سنوات
النمو الاقتصادي‏,‏ والمعضلة أن ثروات فترة النمو تكدست في خزائن الصفوة
الجديدة من السود‏,‏ وكذا البيض نظرا لمهارتهم وخبراتهم‏.‏ وبذلك ضربت
السوق الحرة التي أطلقها مبيكي عرض الحائط بحلم مانديلا في حياة أفضل
للجميع‏.‏ وغدت جنوب افريقيا من اكثر بلاد العالم التي تختل فيها المساواة
اختلالا صارخا وفادحا‏..‏

ومن المرجح أن مانديلا تأثر كثيرا عندما
آتاه ماذكره الاسقف ديزموند تيتو أحد أبطال حركة التحرر الوطني‏..‏ فقد
قال في سخط وأسي اننا نعيش في أسوأ مكان في الوقت الحاضر رجاء اسمحوا
للمسنين منا أن يذهبوا الي قبورهم دون انكسار قلوبهم كمدا وحزنا‏..‏

وأحسب
أن نيلسون مانديلا‏(90‏ عاما‏)‏ عندما إتكأ علي عصاه‏,‏ وشارك في احتفال
انتخابي لتأييد زوما حرص علي أن يلفت انتباه كل الزعماء الحاليين
والقادمين من رحم الغيب الي قوله‏:‏ مهمتنا الأولي هي القضاء علي الفقر‏,‏
وان يتاح للجميع حياة أفضل‏.‏

هذا هو الهدف الاسمي للسياسة والسياسيين‏..‏ وما عدا ذلك باطل وقبض الريح‏.‏