كيد النساء

كيد النساء

هموم وأحزان ودموع تنذرف بين جدران
المحاكم.. مشاكل ومنازعات معلقة.. قضايا نظرت وتم الفصل والحكم فيها وأخري
مازالت متداولة أمام منصة العدالة.. آهات وقلوب تئن وتتوجع من ضيق ذات
اليد وكثرة رسوم القضايا وأتعاب المحاماة.

قضية اليوم.. لزوج صار عمره يزحف إلي الستين ضحية المشاكل والمنازعات
الأسرية.. ارتسمت علي وجهه سطور مأساته الإنسانية.. قلبه يذوب ألما من
مرارة الحزن والأسي ونظرات عينيه الذابلتين بفعل كبر سنه ذاهلة حائرة تكاد
تنطق بما يعانيه من هم وكمد وحزن صار يحترق بين نارين تمرد زوجته الأولي
التي تناست عشرة السنوات والعيش والملح حولت حياته إلي جحيم لايطاق
وانفصلا بالطلاق ليخرج من السجن الاصغر إلي السجن الأكبر بين أيادي زوجة
ثانية متمردة متحجرة المشاعر الإنسانية.. زاد من آلامه جبروت ابنه تناسي
انه خرج من صلبه.. رعاه صغيرا وكبيرا حتي جاء اليوم الذي تحول فيه إلي
"غول" يروعه بجبروته وقسوته حول حياته من العز إلي حياة الذل وصار الشقاء
حليفه والتعاسة طريقه من قسوة القلوب وكيد النساء الذي غلب بالفعل كيد
الشياطين.

منذ حوالي ربع قرن.. ارتبط بالزواج من فتاة حسناء القرية.. رصدت
عيونه جمالها منذ سنوات حتي كبرت وترعرعت.. وبعدما استقر به الحال في
تجارته بالأسواق طرق باب مسكن جاره يطلب الزواج من ابنته اختارها من بين
عشرات الحسناوات بالقرية.. قوبل بكل الرضا والقبول وانطلقت الزغاريد
وتوزيع أكواب الشربات وسرعان ما تم عقد القران واصطحابها إلي مسكن الزوجية
بمنزل عائلي يمتلكه والده بالقرية.. وسارت بهما سفينة الحياة الزوجية
هادئة ومستقرة وسط أمواج الحياة.. يكد ويكدح في تسويق تجارته التي اتسعت
بين المحافظات.. ضحي بكل غال ورخيص من أجل سعادة زوجته واعتاد تلبية كل
متطلباتها والانفاق بسخاء ورزقا بطفلين في عمر الزهور.. ولكن يبدو ان دوام
الحال من المحال.. اعتادت زوجته استقبال أقاربها خلال أيام تغيبه عن
المسكن سعيا وراء لقمة العيش وتسويق تجارته في الأسواق.. وتبادل الزيارات
مع الجيران.. وعندما واجهها ثارت وتمردت وأعلنت العصيان وتعددت المشاحنات
اليومية وتناست أن الحياة الزوجية محبة ورابطة روحية.. تحجرت مشاعرها
وانطفأت شموع المودة في عينيها وانساقت في طريق شيطان العصيان وانتهي بهما
المطاف بالطلاق.. تركت طفليها لم يتجاوز الأكبر ست سنوات وعادت لمسكن
أهلها.. وراحت تطارده بسيل من القضايا من جنحة تبديد المنقولات إلي النفقة
ومحاضر وقضايا كيدية.

طريق الضياع


ومرت شهور.. ارتبط بالزواج من أخري واصطحابها وطفليه إلي أحد الأحياء
الشعبية بالعاصمة ونقل نشاطه التجاري لم تمر سوي اسابيع وفوجئ بزوجته وقد
تناست وعودها برعاية الطفلين ذاقا بين يديها الأمرين والذل والهوان
واجبارهما بالضرب بقسوة لتنظيف المسكن وشراء المقتضيات رغم صغرهما
والحرمان من المأكل والمشرب في حالة التقاعس وتهديدها بطردهما في
الشوارع.. وعندما وقف الأب علي الحقيقة المرة من قسوة قلبها وأكد أفعالها
اللاإنسانية مع طفليه الجيران الذين صارت قلوبهم أرق وأحن عليهما من زوجته
القاسية.. لم يجد أمام جبروتها وتمردها وقسوتها سوي طلاقها. لفظ الزواج
ووجع الدماغ واعتكف علي مراعاة وتربية ولديه حتي كبرا بين احضان ورعاية
أبوية ووصل بهما إلي بر الأمان وحصل كل منهما علي مؤهله المتوسط والتحق
الابن الاكبر في العمل باحدي الورش الصناعية والاصغر لمعاونة والده في
تجارته بالأسواق.

اصدقاء السوء


ومرت سنوات افترست خلالها الأمراض المضنية قواه.. استغل الابن الأكبر
ضعفه وقلة حيلته وانطلق في عالم ادمان السموم ومصادقة اصدقاء السوء..
وتمادي في انحرافه باستضافة اصحاب وارباب السوابق بالمنطقة خلسة في ساعات
متأخرة من الليل بالمسكن.. وعندما واجهه الأب لانزلاقه وراء الشهوات
والملذات واهمال عمله وجه له النصيحة تلو الأخري ولكن دون جدوي لفظ نصائحه
وضرب بكل القيم الاخلاقية عرض الحائط وتمادي في انحرافه وادمانه السموم
واحتدم النقاش بينهما تطور إلي مشادة مثيرة قام خلالها الابن الأكبر بطرح
والده ارضا وانهال عليه بالضرب بقسوة وركلا بالأقدام حتي فقد وعيه وسط
صرخات الاستغاثة من الجيران حملوه في حالة إعياء شديدة لاسعافه بالمستشفي
الميري وحررت الشرطة محضرا ضد الابن ممن كان يجب ان يكون السند لوالده في
الكبر تناسي حسن صنيعه وتضحيته براحته والاستقرار من أجل تربيته وشقيقه
الاصغر.. وكان الجزاء النكران والجحود وتحجر القلوب.

وصار الأب المكلوم وحيدا.. اقعده المرض وهده الزمن بكيد النساء
وعصيان وجبروت الابن العاق الذي تطارده أعين المباحث للقبض عليه ومحاكمته
علي افعاله التي فاقت كل احتمال ونفد صبر والده من أفعاله غير الإنسانية
وألاعبيه الشيطانية التي تلفظها عدالة السماء.

التف الأقارب والأهل حول فراش مرضه وعيناه تنظر إليهم في حيرة..
يتلفت يمينا ويسارا في حسرة وألم لما يعانيه من هم وكمد وحزن.. يبدو كأنه
شبح أو هيكل عظمي هارب من أحد القبور علي وجهه صفرة الموتي وفي ملامحه
بصمات الزمن طبيعتها سنوات العذاب والشقاء بعدما داست أقدام ابنه العاق..
وصار الأهل والعشيرة يرثون علي حاله الذي وصل إلي هذا الحد.. وملامح الحزن
تنحت ملامح وجهه الذي ارتسمت فوقه التجاعيد في خطوط عرضية من كيد النساء
وابن عاق لا يملك سوي دموعه التي صارت تبلل همومه.