الطريق إلي هزيمة الهلع الكوني بقلم : منير عامر

من طرف koko الإثنين مايو 04, 2009 12:12 pm

الطريق إلي هزيمة الهلع الكوني
بقلم : منير عامر

تبدو
الكرة الأرضية حاليا كساحة لمصارعة الثيران‏,‏ وتبدو الإجراءات الوقائية
من إنفلونزا الخنازير كأنها المصارع الذي يرقبه الملايين وهو يقف في
الساحة في مواجهة ثور هائج لا يمكن أن تراه بالعين المجردة‏,‏ كما يمكن أن
نطلق علي الزمان الذي نحياه عصر الهلع‏,‏ ولن نستطيع العثور علي بداية
لدوامات الخوف في زماننا‏,‏ لأن المشكلات تدهم الكون من بدء الحرب
العالمية الثانية‏,‏ ثم لاح بصيص أمل‏,‏ سرعان ما غاب عن مناطق من العالم
المنظور‏,‏ مثل هجوم وباء الكوليرا في مصر في أواخر الأربعينيات‏,‏ ثم
الإفاقة من خديعة القدرة علي مواجهة قوات تأسيس الدولة الإسرائيلية في
حرب‏1948,‏ ثم سقوط شهداء في مواجهة الاحتلال الانجليزي لمدن القناة‏,

‏
ثم مواجهة بناء ما كنا نحلم به في مصر من بناء لأنفسنا بعد ثورة‏23‏
يوليو‏,‏ ثم توهج الحلم في الوحدة العربية بعد اندماج شكلي بين مصر وسوريا
عام‏1958,‏ ثم بدأت رحلات الانكسار من انفصال سوريا عن مصر‏,‏ ثم التوهان
في تيه صحاري وجبال اليمن أثناء مساندتها‏,‏ ثم الانكسار الكبير الصاعق في
هزيمة يونيه‏1967.‏ لتبدأ من بعد ذلك رحلة الواقعية التي فرضت استعدادا
عمليا لزراعة آمال حقيقية‏,‏ توجناها بالانتصار الحاسم‏,‏ ثم بالواقعية
الناضجة التي فرضت اقتحام احتمال السلام في الشرق الأوسط‏.‏

ولكن
دوامات المخاوف التي نكتشفها حتي نستسلم للواقع دون أن نقيس المسافة بيننا
وبين العالم المتقدم‏,‏ فحين نطل علي الجسر الذي يفصلنا عن التقدم نجد
أمامنا دوامات تخلفنا علي اللحاق بمستوي التقدم العلمي في أسلوب
التعليم‏,‏ وهو كارثة ناعمة تبدو كالرمال المتحركة التي يغرق فيها الواقع
دون منقذ‏,‏ وعلي الرغم من أن امكاناتنا تتيح لنا أن نقفز الي تحقيق
مانرجوه من أحلام فإن الوسط المحيط بنا يزدحم بعشق السباحة في أمواج
التخلف المتلاطمة‏,‏ مثل دوامة سالوط المعسكر الاشتراكي تحت وابل اتساع
المسافة بين المبادئ التي روج لها‏,‏ والممارسة الواقعية التي طحنت شعوب
هذا المعسكر‏,‏ وظن الغرب أن الكون قد صار تحت رحمته‏,‏ وأثناء ذلك جاء
نزق ديكتاتور صغير القدرة علي قراءة الواقع‏,‏ ففاجأنا باحتلال العراق
للكويت‏,‏

وقدم صدام حسين بهذا العمل إذنا للقوي الأجنبية لتتدخل
مباشرة في تفاصيل حياتنا‏,‏ وسارع نزق التخلف ليخرج من جعبته قوي مجنونة
تلتحف بالدين مثل تنظيم القاعدة كي تنسب لنفسها تفجير برجي التجارة
العالميين في نيويورك‏,‏ مما أورث الكون حالة هلع من المسلمين في عواصم
الغرب‏,‏ ثم تبادل نصفا الكرة الأرضية الاتهامات‏,‏ وهكذا صارت الكرة
الأرضية منقسمة الي قسمين بمشيئة مشتركة بين كل من بن لادن وبوش الابن‏,‏
وتحولت البلاد الاسلامية الي منطقة موبوءة باحتمالات ازدهار الارهاب‏,‏
وتحول الغرب علي يد بوش الابن الي منطقة مكروهة خصوصا دولة القمة وهي
الولايات المتحدة‏.‏

وعندما انزاح عن الكون شبح الديكتاتور الكوني
بوش الابن‏,‏ حاول العالم التقاط أنفاس من الراحة‏,‏ لكن عاصفة انفلات
الجشع قد وصلت الي حد الأزمة المالية الكونية‏,‏ ووسط تلك الأزمة
الاقتصادية الخانقة‏,‏ هبط فيروس شرس محور من ثلاثة فيروسات‏,‏ فيروس
انفلونزا الطيور ممتزجا بقدرات فيروس البشر‏,‏ ذائبا في قدرات شرسة لفيروس
الخنازير‏,‏ لنري الكون كله بين فكي أزمتين طاحنتين هما ضرورة اكتشاف مضاد
لهذا الفيروس‏,‏ وضرورة ترويض وحش الجشع الذي أغرق الاقتصاد العالمي في
حالة من العجز عن وضع حلول واقعية لصيانة الحقوق البسيطة للبشر في
الأمان‏.‏

ولن أدعو أحدا للبكاء علي اللبن المسكوب‏,‏ ولكن لابد من
إعادة النظر فيما نملك من رؤية سبق أن قدمها فيلسوف السياسة الرائع د‏.‏
بطرس بطرس غالي قد حاول أثناء إدارته لمنظمة الأمم المتحدة‏,‏ فقد أهدي
هذا الرجل سكان الأرض طريقا لدرء مثل تلك الأزمات حين وضع ثلاثة أوراق
فكرية بسيطة‏,‏ واحدة عن ديمقراطية العلاقات الدبلوماسية‏,‏ بمعني تساوي
الحقوق والواجبات بين دول العالم دون تمييز دولة عن أخري‏,‏ ثم ورقة ثانية
عن التنمية الاقتصادية وكيفيتها علي مستوي الكون‏,‏ والورقة الثالثة عن
أحوال شباب الكون‏.‏ واستغل بطرس غالي مثالا حياتيا واقعيا كان يوزع الرعب
في أنحاء نيويورك أثناء تقديمه لتلك الأوراق‏,

‏ وأعني به مجيء
بعوضة من منابع النيل لتصل الي أمريكا الجنوبية عبر السفن‏,‏ ثم رحيل هذه
البعوضة الي الولايات المتحدة‏,‏ وسميت بعوضة غرب النيل‏,‏ وهي التي تنشر
نوعا قاتلا من الملاريا‏,‏ وأدار حملته في دهاليز الإدارة الأمريكية علي
أساس أن الدول المتقدمة إن استأثرت بوسائل تقدمها عن معاونة العالم الثالث
علي الخروج من تخلفه‏,‏ فالدول المتقدمة تعاني بشكل عملي من استمرار تخلف
أهل الجنوب الجغرافي‏,‏ وكأن الرجل كان يقرأ الغيب ملتفتا الي أعباء
الهجرة الشرعية التي تشكو منها أوروبا والولايات المتحدة‏,‏ وتشكو منها
الدول التي يتسلل منها الشباب بحثا عن فرصة حياة‏,‏ فيتعرضون للقتل علي
الحدود الأمريكية‏,‏ أو يتعرضون للوضع في معسكرات قاسية في دول شمال البحر
المتوسط‏,‏ أو يتساقطون غرقي في البحر‏.‏

ولكن أحدا لم يلتفت الي
مانبه اليه بطرس غالي‏,‏ لأن قصور نظر المحافظين الجدد والتيه المتعاجب
الذي ازدحمت به أروقة الحكم في الغرب بعد سقوط حائط برلين وسقوط المعسكر
الاشتراكي‏,‏ هذا التيه اتخذته الدول المتقدمة الرأسمالية دليل نجاح
أنظمتها الاقتصادية‏,‏ متناسية ما تحتويه تلك الأنظمة الاقتصادية من ثقوب
الضعف الموجودة بها والتي انفجرت بتلك الأزمة المالية الهائلة التي مازال
يصعب حسابها هي واضرارها‏.‏

وإذا كان الأطباء الذين يرصدون فيروس
الخنازير يدعون البشر الي الطرق البسيطة لغسل الأيدي وعدم التقبيل ومراعاة
عدم التواجد في الأماكن المزدحمة‏,‏ فعلي أهل العلم والسياسة أن يدعو
البشرية الي اعادة النظر في تجديد الأوراق التي سبق أن قدمها بطرس غالي
للأمم المتحدة‏,‏ فهي طريق يمكن أن يزرع الثقة في امكانية الحياة معا لا
بالانتصار علي كل الكروب الموجودة في الكون‏,‏ ولكن بهزيمة العجز عن تصور
الحياة المقبولة لكل سكان الأرض‏.‏

إنها أوراق بسيطة‏,‏ ولكنها
أساسية يمكن أن تمثل مخرجا مما نحن فيها وتطبيقها يمكن أن يرسم طريقا
بسيطا ومحترما لهزيمة العديد من ألوان الهلع‏.‏