تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏8‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي

من طرف soso الإثنين مايو 04, 2009 12:43 pm

هذا هو الإسلام
تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏8‏
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف‏..‏

تكريم الله تعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم‏8‏ بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي 44708_5m

كذلك
مما كرم الله ـ تعالي ـ به نبيه محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن منحه
شريعة واضحة‏,‏ جمعت محاسن الشرائع السماوية السابقة‏,‏ وأضاف ـ سبحانه ـ
إليها علي لسان رسوله محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ ما فيه الخير والبر
والسعادة لأمته‏,‏ إنها شريعة الإسلام الذي ارتضاه الله ـ تعالي ـ لعباده
ديناـ والذي يمتاز بالوضوح في عقائده‏,‏ وفي عبادته‏,‏ وفي معاملاته‏,‏
وفي أوامره ونواهيه‏,‏ وفي كل ما جاء به الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ من
عند ربه من تشريعات حكيمة‏,‏ ومن آداب قويمة‏.‏ إنه دين الفطرة السوية‏,‏
كما قال ـ سبحانه ـ‏‏ فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس
عليها‏,‏ لا تبديل لخلق الله‏,‏ ذلك الدين القيم‏,‏ ولكن أكثر الناس لا
يعلمون‏)[‏ سورة الروم‏:‏ الآية‏30].‏

إنه الدين الذي لا تعقيد فيه
ولا اشتباه‏,‏ ولا تكلف فيه ولا تصنع‏,‏ ولا طلاسم في أحكامه ولا ألغاز‏,‏
وإنما هو دين واضح في جميع شعائره وضوح الشمس في رائعة النهار‏,‏ مشرق في
كافة تعاليمه إشراق النور الساطع‏.‏

إنه الدين الذي يأمر الله ـ تعالي ـ رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن يقول للناس‏:‏
‏
(‏قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين‏)[‏ سورة ص‏:‏ الآية‏86].‏

إنه
الدين الذي يسمع توجيهاته وإرشاداته العقل السليم‏,‏ فيؤمن بها‏,‏
ويصدقها‏,‏ وكم من آيات قرآنية عندما استمع العقلاء إليها‏,‏ ما كان منهم
إلا أن صدقوا النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ لوضوح ما تدعو إليه من
فضائل‏,‏ وما تنهي عنه من رذائل‏.‏

ومن هذه الآيات قوله ـ تعالي ـ
في سورة الأنعام‏‏ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا
وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا
تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا
بالحق‏,‏ ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون‏(151)‏ ولا تقربوا مال اليتيم إلا
بالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده‏,‏ وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف
نفسا إلا وسعها‏,‏ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا‏,‏
ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون‏(152)‏ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا
تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله‏,‏ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون‏(153)‏

وإن
المتأمل في هذه الآيات ليراها قد رسمت للإنسان علاقته بربه علاقة ينال بها
السعادة والثواب‏,‏ ورسمت له علاقته بأسرته بحيث تقوم علي المودة
والمحبة‏,‏ وسدت في وجهه أبواب الشر التي تؤدي إلي انتهاك حرمات الأنفس
والأموال والأعراض‏.‏ وقد أطلق العلماء علي هذه الأيات الكريمة اسم
الوصايا العشر نظرا لتذييل آياتها الثلاث بقوله ـ تعالي ـ‏(‏ ذلكم وصاكم
به‏).‏

روي البيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ
قال‏:‏ لما أمر الله نبيه ـ صلي الله عليه وسلم ـ أن يعرض نفسه علي قبائل
العرب خرج إلي مني وأنا وأبو بكر معه‏,‏ فوقف رسول الله ـ صلي الله عليه
وسلم ـ علي منازل القوم ومضاربهم‏.‏ فسلم عليهم وردوا السلام‏,‏ وكان في
القوم مفروق بن عمرو وهانيء بن قبيصة والمثني بن حارثة‏,‏ والنعمان بن
شريك‏,‏ وكان مفروق بن عمرو أغلب القوم لسانا وأفصحهم بيانا‏,‏ فالتفت إلي
رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقال له‏:‏

الام تدعو يا أخا
قريش؟ فقال النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ أدعوكم إلي شهادة أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأني رسول الله‏,‏ وأن تؤووني وتنصروني وتمنعوني حتي
أؤدي حق الله الذي أمرني به‏,‏ فإن قريشا تظاهرت علي أمر الله وكذبت رسوله
واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد‏.‏ فقال له مفروق‏:‏ الام
تدعو ايضا يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏(‏ قل
تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم‏)‏ إلي آخر الآيات الثلاث‏.‏ فقال له
مفروق‏:‏ دعوت والله يا أخا قريش إلي مكارم الأخلاق‏,‏ ومحاسن الأعمال‏,‏
وقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك‏.‏ هذا جانب من فضائل هذه الآيات
الثلاث‏,‏ وذلك هو تأثيرها في نفوس العقلاء‏.‏

وفي سورة النحل آية
كريمة‏,‏ عندما استمع إليها بعض العقلاء‏,‏ وتذوق مافي توجيهاتها من وضوح
واشراق وإرشاد حكيم‏,‏ ما كان منه إلا أن قال‏:‏ لو لم يكن ما جاء به محمد
ـ صلي الله عليه وسلم ـ من عند ربه دينا‏,‏ لكان في عرف الناس حسنا‏.‏
وهذه الآية الكريمة‏,‏ هي قوله ـ تعالي‏:‏ـ‏(‏ إن الله يأمر بالعدل
والاحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي‏,‏ يعظكم
لعلكم تذكرون‏(90)).‏

والمعني‏:‏ إن الله ـ تعالي ـ يأمركم ـ أيها
المسلمون ـ أمرا دائما وواجبا‏,‏ أن تلتزموا الحق والإنصاف في كل أقوالكم
وأفعالكم وأحكامكم‏,‏ وأن تلتزموا التسامح والعفو والمراقبة لله ـ تعالي ـ
في كل أحوالكم‏.‏ كما يأمركم أن تقدموا لأقاربكم علي سبيل المعاونة
والمساعدة‏,‏ ما تستطيعون تقديمه لهم من خير وبر‏..‏ لأن هذه الفضائل متي
سرت بينكم‏,‏ نلتم السعادة في دينكم ودنياكم‏,‏ إذ بالعدل ينال كل صاحب حق
حقه‏,‏ وبالإحسان يكون التحاب والتواد والتراحم‏,‏ وبصلة الأقارب يكون
التكافل والتعاون‏..‏ وبعد أن أمر ـ سبحانه ـ بامهات الفضائل‏,‏ نهي عن
رءوس الرذائل فقال ـ تعالي‏:‏ـ‏(‏ وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي‏).‏

والفحشاء‏:‏
كل ما اشتد قبحه من قول أو فعل‏,‏ وخصها بعضهم بالزنا‏.‏ والمنكر كل ما
أنكره الشرع بالنهي عنه‏,‏ ينعم جميع المعاصي والرذائل علي اختلاف
أنواعها‏.‏

والبغي والفحشاء‏:‏ هو تجاوز الحد في كل شيء يقال‏:‏
بغي فلان علي غيره‏,‏ إذا ظلمه وتطاول عليه‏,‏ وأصله من بغي الجرح إذا
ترامي إليه الفساد‏.‏ أي‏:‏ كما أمركم ـ سبحانه ـ بالعدل والإحسان وإيتاء
ذي القربي‏,‏ فإنه ـ تعالي ـ ينهاكم عن كل قبيح وعن كل منكر‏,‏ وعن كل
تجاوز لما شرعه الله عز وجل‏.‏

وذلك لأن هذه الرذائل ما شاعت في
أمة إلا وكانت عاقبتها خسرا‏,‏ وأمرها فرطا‏,‏ والفطرة البشرية النقية
تأبي الوقوع أو الاقتراب من هذه الرذائل‏,‏ لأنها تتنافي مع العقول
السليمة‏,‏ ومع الطباع القويمة‏.‏ ومهما روج الذين لم ينبتوا نباتا حسنا
لتلك الرذائل‏,‏ فإن النفوس الطاهرة‏,‏ تلفظها بعيدا عنها‏,‏ كما يلفظ
الجسم الأشياء الغربية التي تصل إليه‏.‏

وشريعة هذه هي بعض مزاياها
وخصائصها جدير بمن هداه الله تعالي إليها أن يردد دائما قوله تعالي‏:‏ـ
الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله‏.‏