أهانت الإنسان‏..‏ والحمار أيضا‏!‏ بقلم‏:‏ أحمد عبدالمعطي حجازي

من طرف lzeem الأربعاء مايو 06, 2009 5:56 pm

أهانت الإنسان‏..‏ والحمار أيضا‏!‏
بقلم‏:‏ أحمد عبدالمعطي حجازي

في
هذه الرسالة التي أقدمها لكم بهذه السطور الكثير مما يستحق الشكر
والتقدير‏,‏ خاصة ماعبرت عنه من وفاء للشعر‏,‏ وقرب منه‏,‏ وغيرة عليه‏,‏
وهذا هو مايجعلها جديرة بالنشر‏.‏

إنها ليست رسالة شخصية رغم أنها
موجهة لكاتب هذه السطور‏.‏ ولكنها حديث عن حاجتنا للشعر ومايجب له من
حفاوة واحترام يستعيدان لهذا الفن العظيم مكانته عندنا‏,‏ ويستعيدان لنا
قدرتنا علي قول الشعر‏,‏ وعلي قراءته‏,‏ وعلي التمييز بين جيده ورديئه‏.‏
وهكذا تسترد اللغة عافيتها‏,‏ وتبرأ مما أصابها‏,‏ ويسترد الفكر الحر
نشاطه‏,‏ ويصحو الضمير‏,‏ ضمير الفرد‏,‏ وضمير الجماعة‏.‏

والحقيقة
أن الذين كتبوا لي يعلقون علي ماجاء في مقالاتي الأخيرة عن الشعر
كثيرون‏.‏ لكني اخترت من الرسائل التي وصلتني هذه الرسالة التي عبرت أكثر
من غيرها عن معني كان لابد من التعبير عنه‏,‏ وهو أن الشعر لايهم الشعراء
وحدهم‏,‏ وإنما يهم المصريين جميعا‏.‏ لأن الشعر هو لغة المصريين‏,‏ وهو
فنهم الذي يتحول به وجودهم إلي صور باقية وإيقاعات حية‏.‏

وأنا أحب
الشعر وأسميه باسمه‏,‏ وأحب النثر أيضا وأسميه باسمه‏.‏ ولا أخلط هذا
بذاك‏.‏ فللشعر لغة‏,‏ وللنثر لغة‏.‏ وللشعر وظيفة‏,‏ وللنثر وظيفة أخري
ونحن في حاجة لهما معا‏.‏

نحن في حاجة لأن نحلم ونتذكر ونتصور ونغني ونطرب‏,‏ وفي حاجة لأن نحكي ونصف‏,‏ ونحلل ونمثل‏,‏ ونفكر ونقرر‏.‏

لكننا في الشعر والنثر نحتاج إلي الكتابة الجيدة‏,‏ نريد قصيدة جيدة‏,‏ وقصة جيدة‏,‏ ومقالة جيدة‏,‏ ودراسة جيدة‏.‏

أ‏.‏ع‏.‏ح
الشاعر الأستاذ‏/‏
تحية وسلاما
وبعد
فإن
دفاعك عن الشعر هذه الأيام‏,‏ ودوما‏,‏ يذكرني بما كتب الشعراء الكبار في
الأدب الإنجليزي بدءا من فيليب سيدني وشيللي وودزورث وكوليردج إلي آرنولد
وإليوت‏.‏ فأنا أعيش مع هذه الأعمال وأدرسها لطلابي في قسم اللغة
الإنجليزية بتربية المنصورة‏,‏ وأدعوهم لقراءة عمودكم بالأهرام حتي تكتمل
أمامهم صورة الشاعر والشعر ووظيفة كليهما في حياتنا الثقافية المعاصرة‏.‏

إن
الشعر هو أساس اللغة كما قلت في مقالة الأربعاء‏2009/3/25‏ والشعر باق‏,‏
ومن يتصور سقوط الشعر وخسارة موقعته أمام النثر إنما هو واهم‏,‏ حتي في
الغرب الذي فتح الباب علي مصراعيه لقصيدة النثر‏.‏ فها هي جوائز نوبل تذهب
إلي شيمس هايني شاعر أيرلندا الأول‏,‏ وهاهي من بعده تذهب إلي
هارولدبنتر‏.‏ ومستقبل نوبل في الآداب سيحمل لنا أسماء عدد من الشعراء
المعاصرين نرجو أن يكون بينهم شاعر عربي فذ في وزن من أخاطب‏.‏

تظل
الأمة العربية‏,‏ ويظل حماة العربية‏,‏ ناطقين بالعربية شعرا‏,‏ وإذا كان
النثر لغة أخري فهو للتداول في آداب يكون النثر وسطها الأنسب كالرواية
والقصة والمسرح والقصة القصيرة‏.‏ وتظل صورة الشاعر العربي ـ ممثل الثقافة
العربية ـ هي الصورة الأنصع والأكثر دلالة‏.‏ ولست أرسطيا إلي حد احتقار
لغة النثر وجمهور النثر‏,‏ ولست مع فيليب سيدني الذي تحامل علي النثر أكثر
من اللازم هو وشيللي فجعلاه مختصا بإحالة الأشياء الجميلة في حياتنا إلي
أشياء قبيحة‏.‏ فللنثر مكانة وللشعر المكانة الأعلي‏.‏ ومن ينادي بسقوط
دولة الشعر في حياتنا الثقافية المعاصرة إنما يتجني علي ركن أساسي من
أركان الثقافة العربية معاصرة ومستقبلة‏.‏

كنت في مؤتمر في كلية
دار العلوم عام‏1999‏ وفي حضور كوكبة من الأساتذة حاورني أحد الحضور حول
قصيدة النثر‏,‏ وفي نهاية الحوار طرحت سؤالي‏:‏ ماذا سيبقي من قصيدة النثر
بعد خمسين عاما؟ وجدت القاعة تصفق تصفيقا مدويا ولا أظن أن ماسيبقي من
قصيدة النثر بعد خمسين عاما سيكون أكثر مما بقي من أغنية فيك عشره كوتشينه
لمحمد عبد الوهاب‏.‏

إن الثقافة العربية المعاصرة قد دخلها الغث
والسمين‏,‏ واللسان العربي قادر علي لفظ الغث وإبقاء السمين ـ ويبرز في
أبناء العربية جيل ممن يعيدون أبناءها إلي جادة الصواب والذوق الرفيع‏,‏
وإذا كان الشعر في أساسه غنائيا فإن مايغني اليوم يجب أن يكون شعرا
أصلا‏.‏ لكنه كلام قبل أن يوصف بالشعر‏.‏ لقد أهانت أغنية اليوم الإنسان
كما أهانت الحمار‏.‏ وسيأتي اليوم الذي تموت فيه هذه الأغاني بمولد شعراء
يكتبون أغاني جادة ذات قيمة فنية وذات محتوي‏.‏

مع تمنياتي لسعادتكم بدوام الصحة والعافية وتهانينا القلبية لفوزكم بجائزة منتدي الشعر العربي الأول‏...‏ والسلام عليكم

د‏.‏بشير العيسوي