دماء علي كلمات نبيلة‏!‏ بقلم‏:‏ نبيــل عـمـــر

من طرف وفاء الأربعاء مايو 06, 2009 7:12 pm

دماء علي كلمات نبيلة‏!‏
بقلم‏:‏ نبيــل عـمـــر

الإسلام هو الحل‏..‏

هل توقفنا لحظة وتأملنا هذا الشعار الذي يرفعه تيار سياسي في بلادنا وفكرنا فيه وأدركنا معناه؟‏!‏

بالطبع
هو شعار براق يدغدغ المشاعر الدينية في وقت يكاد يؤمن أغلب المسلمين في
العالم بأن دينهم يحيطه الخطر‏,‏ ويتعرض لأكبر حملة تشويه منذ بزوغ شمسه
علي ارجاء المعمورة قبل أربعة عشر قرنا‏,‏ فما بالك في بلد محافظ بطبعه
كان الدين من قديم الزمان وسيظل نسيجا أصيلا في تكوين شعبه وتفكيرهم
وثقافتهم؟

بالتأكيد ينزل في نفوسهم منزلة خاصة جدا ويتكون شعار
الإسلام هو الحل من شقين‏,‏ الأول هو الإسلام‏,‏ والإسلام دين عظيم له
مقاصد واضحة هي العدل‏,‏ عدل مع الذات بعبادة الله وطاعته حتي يمكن أن
تتجنب عذابه وتسعي إلي جنته ونعيمها‏,‏ وعدل مع الآخر وهو وسيلة لنشر
الخير وحفظ الحقوق وعمران الأرض‏,‏ والشق الثاني هو الحل‏,‏ ولا نعرف علي
وجه الدقة ما هو المقصود بالحل‏,‏ هل هو الحل الناجع من المعاصي والذنوب
واتباع خطي الشيطان الوسواس عدو الإنسان؟‏!,‏ فإذا كان هذا هو المقصود من
الشعار عند مخاطبة المسلمين به‏,‏ فالمعني واضح وصحيح مائة في المائة‏,‏
دون أن ينسحب علي غيرهم‏,‏ من أصحاب الديانات الأخري التي بالقطع تري في
دينها هو الحل الأمثل في علاقتها بالسماء‏,‏ وهذا حقها التام الذي لا يقل
بأي حال من الأحوال عن حق المسلمين في دينهم‏!.‏

لكن إذا كان
المقصود بـهو الحل العدل مع الآخر‏,‏ فالمعني أيضا يخص المسلمين مع بعضهم
بعضا أو من جانبهم فقط مع الآخر‏,‏ لأنهم أصحاب التكليف الملتزمون به
والمؤدون له‏,‏ دون أن ينتظروا من الآخر أن يلتزم بتلك التعاليم‏,‏ لأن
الآخر غير المسلم له دين وتعاليم يتبعها وقد لا تكون علي هوي المسلمين‏,‏
لكن يجب أن يحترموها بالقدر الذي يحترمون به دينهم وتعاليمه‏!.‏ إذن نحن
أمام شعار يخص المسلمين بالضرورة وحصريا‏,‏ ويبين لهم أن الإسلام هو
السبيل الوحيد إلي تحقيق مقاصد الشريعة في العدل‏,‏ عدل مع الذات‏,‏ وعدل
مع الآخر‏!.‏

لكن إذا كان البعض يتجاوز في شعار الإسلام هو الحل
هذا المعني إلي عالم الدولة والسياسة وإدارة المؤسسات‏,‏ فنحن أمام معان
شديدة العمومية ملتبسة وغامضة‏,‏ ولم يحدث في أي حقبة أو زمان أو مكان ان
توقف أصحاب هذا الشعار بشكل أو بآخر عن إشعال صراعات وحروب ومؤامرات
مكتوبة بالدم والثأر والسيف والقهر‏,‏ وكانت تنفجر أحيانا داخل البيت
الواحد والعائلة الواحدة والدولة الواحدة‏,‏ منذ موت الرسول‏(‏ عليه
الصلاة والسلام‏)‏ إلي انهيار الخلافة العباسية‏!.‏

والمسألة بسيطة
ولا يلزمها تعقيد وفلسفة وكلام كبير‏,‏ فالإسلام دين‏,‏ وجوهر الدين مطلق
لا يتغير وهو الله سبحانه وتعالي‏,‏ والدولة فكرة بشرية‏,‏ أي من عقل
البشر وناتجة عن تطورهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي‏,‏ وجوهر الأفكار
التغيير الدائم‏,‏ فلا دائم إلا وجه الله‏!.‏

بينما الدولة كيان
متغير يتسع وينكمش ويتلاشي وينتهي ويموت‏,‏ والدول تبتلع بعضها البعض
وتتسع علي حساب بعضها البعض وتقضي علي بعضها البعض قضاء مبرما‏,‏ ولن يكون
آخرها الاتحاد السوفيتي الذي لم يمض علي موته ودفنه إلا عشرون سنة‏,‏ ولن
نتساءل‏:‏ أين الدولة العثمانية أو الامبراطورية النمساوية وأين بلاد
الغال أو اسبرطة القديمة أو كردستان أو حتي يوجوسلافيا التي تجزأت وتقطعت
أوصالها‏,‏ فالدولة أعراق وأجناس ولغات وقبائل وهجرات ـ قبل أن تكون
ديانات ـ تشكلت في كيان سياسي واحد له حدود وحكومة‏,‏ ويمكن أن تنفصل هذه
الأعراق والأجناس عن الدولة‏,‏ كما يطالب الأكراد مثلا بالانفصال عن
إيران‏,‏ وتركيا والعراق وسوريا وهي دولة إسلامية حسب التعبير الشائع‏,‏
مع أن أغلب الأكراد مسلمون‏!.‏

ولا يمكن أن تكون الدولة اليهودية
بعنصريتها هي النموذج الذي يود أن يمشي علي دربه المسلمون في العصر
الحديث‏,‏ فهي دولة مصابة بأمراض نهايتها مهما طال عمرها‏,‏ وهي مجرد جملة
اعتراضية في التاريخ صيغت في ظروف يصعب أن تدوم إلي الأبد‏!.‏

وإذا تفككت إسرائيل‏,‏ وسقطت فهل تتفكك معها الديانة اليهودية وتسقط؟‏!.‏

بالقطع
لا‏,‏ لأن الدين شيء والدولة شيء آخر‏,‏ ويستحيل ان يكون الدين والدولة
شيئا واحدا‏,‏ مهما لصقت الدولة نفسها بصفات دينية يهودية‏,‏ مسيحية‏,‏
إسلامية‏..‏ الخ‏!,‏ فالأديان لم تهبط علي الدول وانما علي الانسان
الفرد‏,‏ ولم يكلف الله بها الدولة وإنما الانسان الفرد مهما انتقل من أرض
الي ارض‏,‏ ومن دولة الي دولة‏,‏ وكل الانبياء دعوا الفرد للإيمان وليس
الدولة‏,‏ وغالبا مايوجه الرسول دعوته في البداية الي زوجه او امه او ابيه
او صديقه‏,‏ قبل ان يتوسع الي بقية الناس‏,‏ وحتي محمد‏(‏عليه الصلاة
والسلام‏)‏ حين ارسل الي كسري الفرس او قيصر الروم وملك الاحباش برسالته
الداعية الي الدخول في الاسلام‏,‏ لم تكن الي دولهم وانما الي اشخاصهم‏,‏
لأن الدول لاتدخل الجنة او النار‏,‏ ولاتحاسب علي فضائل الاعمال أو الشرير
منها‏,‏ لكن الافراد هم الذين يحاسبون‏:‏ يثابون او يعاقبون يوم يفر المرء
من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه‏.‏

الدين أسمي مليون مرة من حشره حشرا في مفهوم الدولة الضيق المتغير المتقلب‏!‏

فكيف يكون الإسلام السياسي هو الحل؟‏!‏

ولماذا
لم يكن الإسلام السياسي ـ هو غير الإسلام دينا ـ حلا مع عشرات الدول التي
اندثرت وتلاشت من التاريخ من أول دولة الخلفاء الراشدين الي الإمبراطورية
العثمانية؟‏!‏

هذه النوعية من الشعارات الدينية لها تاريخ مكتوب
بدماء مسفوكة في صراعات مدبرة عبر عصور ممتدة سواء قبل الإسلام او بعده‏,‏
وهاهي تعود في وقت نفتش فيه عن خرم إبرة ننفذ منه الي دولة ديمقراطية
عصرية‏,‏ ونتخلص فيها من تراث عميق الجذور من حكم الفرد المستبد العادل
وغير العادل‏.‏

nomar@ahram.org.eg