أطالب بإلغاء الإعدام بقلم‏:‏ شريف الشوباشي

من طرف حلفاوى الأربعاء مايو 06, 2009 7:14 pm

أطالب بإلغاء الإعدام
بقلم‏:‏ شريف الشوباشي

قبل
أن تحتج غاضبا علي هذا العنوان أيها القاريء الكريم أودك أن تعلم أن
غالبية دول العالم الآن قد ألغت عقوبة الإعدام رسميا أو توقفت عن تطبيقها
تماما‏.‏ بل إن دول الاتحاد الأوروبي لم تكتف بإلغاء عقوبة القتل المشروع
لكنها وضعت من بين شروط الانضمام إليها إلغاء الإعدام‏.‏ ولا أقصد أن
إقدام نحو‏70%‏ من دول العالم علي إلغاء الإعدام أو منع تطبيقه معناه أنه
يتعين علينا بالضرورة أن نسير في ركابهم‏..‏ لكن هذا يعني أن مطالبتي
بإلغاء الإعدام في مصر ليس شططا أو اقتراحا شاذا يخرج عن المنطق الإنساني
ومباديء العدالة وليس اقتراحا خياليا سيؤدي إلي إختلال الأمن في بلادنا
وتفشي الجريمة وانتشار القتل‏.‏

وأدرك أنه ليس من السهل تناول تلك
القضية دون انفعال وحساسية نظرا لأنها تستحضر الخوف الدفين الكامن بداخل
كل إنسان من التعرض للعنف والعدوان‏.‏ ومع ذلك فلتسمح لي أيها القاريء
الكريم أن نناقش القضية بهدوء من بدايتها استنادا إلي الواقع والأرقام
والإحصاءات وتجارب الدول التي اتخذت قرار الإلغاء‏.‏

وأقول بداية
إنه عندما نسمع عن مجرم قتل بريئا أو اغتصب فتاة فإن رد الفعل التلقائي هو
أن نتمني له الموت والعذاب‏..‏ لكن القانون لا يقوم علي المشاعر والغرائز
وإنما يقوم علي العقل والمصلحة العامة‏.‏

والسؤال الأول الذي لابد
أن يتبادر إلي الذهن هو‏:‏ لماذا الإعدام؟ ما هي فوائده علي المجتمع ؟ هل
نتمسك به لمجرد أنه عقوبة معمول بها منذ بداية تكوين المجتمعات البشرية؟
أم أن القوانين والتشريعات تتطور وترتقي مع تقدم المجتمعات؟

ولعل
أكثر الحجج ترددا علي الألسنة هي أن القاتل أو الجاني يستحق الموت لأنه
أزهق روحا بشرية أو اغتصب فتاة فخرب حياتها أو تاجر في المخدرات فساهم في
تدمير حياة الشباب‏.‏ ومعني هذا بوضوح أن الإعدام يصبح عملية انتقام من
قبل المجتمع وتشفيا لأهل الضحايا وذويهم إشفاء لغليلهم‏.‏

فهل دور
القانون هو الانتقام والتشفي؟ هل دور القانون هو الثأر والقصاص أم تنفيذ
العدالة ومنع المجرمين من ممارسة جرائمهم؟ من المتفق عليه أن دور القانون
هو حماية المجتمع وجعل كل مواطن آمنا علي نفسه وقادر علي الحصول علي
حقوقه‏.‏

فهل يحقق الإعدام هذه الأهداف؟ تعالوا نبحث‏..‏ فالحجة
الأساسية التي يستند عليها من يرفضون إلغاء الإعدام هي أنه عقوبة رادعة
بمعني أنها تجعل الجميع يخشون الإقدام علي الجريمة لأنهم يعلمون مسبقا
أنهم يعرضون أنفسهم للموت‏.‏

وتدل كل التجارب والإحصاءات والبيانات
أن هذه النظرة غير صحيحة‏.‏ وربما كان أبسط دليل هو أن هناك دولا ألغت
الإعدام منذ عشرات السنوات ولم تعد إليه لأن نسبة الجريمة لم تتزايد
والأرقام الخاصة بالقتل العمد لم تتضاعف‏.‏ وكانت فنزويلا والبرتغال
رائدتين في هذا المجال حيث قامت الأولي بإلغاء عقوبة الإعدام تماما في
عام‏1863‏ والثانية في‏1867.‏ ولو صح أن إلغاء الإعدام يفتح الباب علي
مصراعيه لتفشي الجريمة لاختفي الشعبان الفنزويلي والبرتغالي من الوجود
بفعل جرائم القتل خلال هذه الفترة الطويلة بعد إلغاء العقوبة التي يقولون
إنها رادعة‏.‏ لكن التجربة العملية أثبتت أن تطبيق الإعدام لا يؤدي إلي
التقليل من عدد الجرائم ولا إلي زيادة عددها‏.‏

فعلماء النفس
يجمعون علي أن من يقدم علي القتل يكون في حالة غير طبيعية ويتجرد من
إنسانيته وبالتالي فهو لا يفكر بعقله‏..‏ ومهما تدبر جريمته مع سبق
الإصرار والترصد فإنه لا يفكر في عواقبها ويتصور عادة أنه سيفلت من
العقاب‏.‏

وإذا كانت الولايات المتحدة ما زالت تطبق الإعدام
فهناك‏15‏ ولاية قد توقفت عن العمل به‏.‏ وأكثر الولايات استخداما للإعدام
هي ولاية تكساس المعروفة بقسوة رعاة البقر في التاريخ الحديث‏.‏ وقد تم
تنفيذ الإعدام في أكثر من‏400‏ شخص بولاية تكساس خلال الثلاثين عاما
الماضية‏.‏ فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي إن نسبة جرائم القتل في تكساس
ما زالت من أعلي النسب بين الولايات الأمريكية ولم يؤد الإفراط في الإعدام
إلي ردع المجرمين أو تخويفهم‏.‏

والغريب أن الدول العربية هي أكثر
الكتل الثقافية تمسكا بالإعدام حيث ما زالت‏78%‏ من الدول العربية تمارسه
بالفعل‏.‏ ولا توجد سوي دولة عربية واحدة ألغت الإعدام رسميا هي جيبوتي‏.‏
كما أن هناك أربع دول أوقفت العمل به مؤقتا أو لأجل غير مسمي وهي تونس
والمغرب وموريتانيا والجزائر‏.‏ مع أن هناك دولا إسلامية كثيرة أقدمت علي
إلغاء الإعدام أو أوقفت العمل به مثل السنغال وتركيا وأوزبكستان والبوسنة
وأذربيجان‏..‏ ألا يدعونا هذا إلي قليل من التفكير؟‏..‏

ولا يتصور
البعض أن إلغاء الإعدام هو رفاهية لا تقدر عليها سوي الدول الغنية
والمتقدمة‏.‏ فأغلبية الدول التي ألغت الإعدام تنتمي إلي العالم الثالث بل
إن بعضها أعضاء في نادي أكثر دول العالم فقرا مثل

رواندا والنيجر ولاوس‏.‏

وللحديث بقية‏...‏