نحـن وثقافـة الاغتراب بقلم : أحمد سويلم

من طرف karem الخميس مايو 07, 2009 3:56 pm

نحـن وثقافـة الاغتراب
بقلم : أحمد سويلم

من
الظلم أن نسلم لكل من تشبث بثقافة الغرب ـ قليلا أو كثيرا ـ بأنه اكتسب
أفكارا أو رؤي حديثة عبقرية‏..‏ بحيث نراه فاغرا فاه ناقما علي أحوالنا
راميا أمته بالتخلف أو السلفية أو الثبات‏.‏

ولا أظن أننا مهما كنا في نظره ـ هكذا ـ أقل كثيرا من غيرنا لا نملك القدرة علي التطور أو التغيير‏.‏

ولقد نشأ عن هذا الظن طوفان صاخب من الأفكار الوافدة طغت علي حياتنا الثقافية الراهنة‏..‏ بحيث تعذر الانفلات منها أو مواجهتها‏..‏

وهناك
أسطورة قديمة تقول‏:‏ إن ساحرا عجوزا كان لديه غلام صغير يدربه علي السحر
وكان هذا الساحر العجوز يمتلك مكنسة عجيبة يلقي عليها كلمات خاصة فتبدأ في
كنس الدار ثم يلقي عليها كلمات أخري‏..‏ فتبدأ في رش الماء ثم هاهو يأمرها
بأن تكف عن عملها بكلمات أخيرة فتفعل‏.‏

وفي يوم من الأيام كان
الساحر العجوز غائبا عن الدار فأقبل الغلام الصغير علي المكنسة وأراد أن
يجرب سحره عليها فالقي الكلمات الأولي فبدأت المكنسة في كنس الدار ففرح
الغلام بذلك وأخذ يتفاخر ويصيح وحفزه ذلك علي أن يستمر في المحاولة‏..‏
فألقي عليها الكلمات التي تجعلها ترش الماء ففعلت وطار عقل الغلام فرحا
ونشوة غير أنه في غمرة سعادته نسي تلك الكلمات الساحرة التي توقف هذا
الطوفان فغرقت الدار وغرق معها الغلام‏.‏ وأحسب أن هذه الصورة القديمة
تكاد تماثل إلي حد كبير حياتنا الثقافية الآن‏..‏ ففي تيار هذا الطوفان من
الأفكار الوافدة ضاعت الكلمة الساحرة التي تحدث التوازن وتنقذ عقولنا
وذوقنا وحاضرنا الثقافي وتعيدنا الي موقعنا الحضاري الصحيح‏.‏

ونظرة
ممعنة الي الساحة الثقافية تؤكد هذه الصورة حيث ينظر إلي ثقافة الغرب علي
أنها المثال الأسمي والأكثر جدوي وفاعلية وحضارة وينظر إلي ثقافتنا
باعتبارها دونية سلفية متخلفة‏.‏

إن القاموس الفلسفي يعرف الاغتراب
بأنه الابتعاد عن جوهر الانسان وطبيعته والانسان المغترب ليس في الحقيقة
إنسانا لأنه لايعرف نفسه ولايعي تاريخه وإمكاناته والانسان غير المغترب هو
الانسان الحقيقي وهو سيد مصيره وماينتجه وهو الذي يحقق لنفسه الحرية‏.‏
ومعني ذلك ببساطة أن الاغتراب نمط من التجربة الانسانية يعيش فيه الفرد
ويحس بنفسه غريبا عن نفسه أو غريبا عن عالمه‏.‏

ويبدو أننا فهمنا
الاغتراب ـ في عالمنا العربي ـ علي أنه الأخذ من الغرب فحسب والتشبه به
وقصرنا مفهومنا علي ذلك ولنا عذرنا في ذلك باعتبار المصطلح غربيا وليس
شرقيا أو عربيا‏.‏

والحق إن طوفان التحديث بعين الغرب قد أصاب
عقولنا في مقتل إذ حرص الذي شقوا أنهاره في ساحتنا علي الاستغناء عن كل
آليات الانتقاء التي تنقي وتلفظ الشوائب التي تسمم ثقافتنا ولو أنهم لم
ينبهروا قليلا بقوة هذا الطوفان ووهجه الزائف وأعملوا معاولهم في الانتقاء
والاصطفاء لتلقينا أنهاره وروينا عطشنا بثقافة بناءة حقا‏.‏ إن هذه الحال
التي سادت المشهد الثقافي الراهن جعلتنا في ريبة من انجازات أجدادنا
العظماء وحضارتنا العريقة بل جعلتنا نتوهم أننا أبناء فراغ حضاري وثقافي
وصار موقفنا من تراثنا موقف السفيه من ميراثه العظيم والتي لا تختلف
بالقطع عن ركائز المجتمعات الأخري‏.‏

فالثقافة العربية لها
جانبان‏:‏ جانب ثابت يمتد بجذوره عبر آلاف السنين ليقدم لنا منظومة
الحضارة والتراث واللغة والعادات والتقاليد والعقيدة وآخر متحرك ـ مرن ـ
يلاحق ملامح الحداثة والعلم والتكنولوجيا والسماوات المفتوحة وأزعم أن هذه
الصورة المتوازنة لثقافتنا تجعلنا نتمسك بها ونعمق ملامحها بحيث تقف بصمود
في مواجهة العصر دون أن نحس معها بالتخلف أو السلفية

والغريب أننا
نتعامل مع تراثنا العظيم بمنطق الانتقاء فنرفض منه مالا يحمل دلالات
الاستمرار والتفاعل ونؤكد فيه الجانب الذي يجعل هويتنا في تميز وتفرد في
حين نجد أنفسنا منساقين غائبين عن الوعي حينما نتعامل مع الطوفان
الوافد‏,‏ فلا نطبق عليه الانتقاء الذي نطبقه علي تراثنا مما أوقعنا في
مأزق التغريب الذي نعانيه اليوم‏.‏

إن التحولات الحضارية المعاصرة
سريعة الايقاع تتطلب الملاحقة المستمرة الدائبة وربما تضيع فيها إنسانية
الانسان لأنه يتصرف إليها دون وعي وكأنه آلة موجهة وهنا نجد الفرد لا
يمكنه أن يتواءم أو يتكيف مع نفسه أو مجتمعه لأنه يتطلع دائما إلي خارج
هذا الاطار بزعم أن الوافد أو الآخر أفضل منه ومن ثم فهو يعامل ذاته
باعتبارها شيئا أو سلعة ويفقد الشعور الأصيل بذاته لأنه يأخذ بقشرة
الحضارة المعاصرة ومظاهرها فتتسلل إلي سلوكياته ولسانه وعقله وقلبه
وينتابه إحساس بأنه‏(‏ غريب‏)‏ عن ذاته الأصلية غريب عن مجتمعه الذي نشأ
فيه غريب عن قيمة ومبادئه‏.‏

نحن لسنا ضد ثقافة الغير بل علينا أن
نأخذ منها ونستوعب ونتعامل مع مافيها من عناصر تضيف الي ثقافتنا ولا تمحو
هويتنا الخاصة‏..‏ ونرفض ـ وبفكر عصري سليم ـ تلك العناصر القشرية التي
تسيء إلي ثقافتنا وهويتنا وتتبدي في التواء اللسان العربي وهو يعرب
المصطلحات الحداثية دون أن يمنحنا المعني الدقيق‏..‏ وفي مظاهر الملبس
والمأكل وبعض العادات التي نتشبه بها عن جهل ومحاكاة عمياء وفي تعميق
نظرتنا الدونية لثقافتنا وتقوية الاندفاع إلي ثقافة الغير باعتبارها
المثال العصري وفي اتخاذ القدوة في هؤلاء الذين يمتلكون الشهرة الفنية أو
الرياضية‏.‏ نحن لسنا في حاجة إلي قلم واحد أو صوت واحد‏,‏ وانما نحن في
حاجة الي زحف جماعي يتفاعل بمنطق جديد واع مع كل مايدور حولنا وذلك هو
الخلاص الوحيد في أزمتنا الثقافية‏.‏