روسيا تعلن انتهاء «الجزء الأكبر» من العمليات العسكرية.. وجورجيا تعتبر وجودها «مهددًا»

استمرت الأزمة الروسية - الجورجية في التصاعد أمس، فعلي الرغم من تصريحات الرئيس الروسي حول انتهاء الجزء الأكبر من العملية العسكرية في أوسيتيا الجنوبية، وإعلان موسكو أنها تلقت طلبا جورجيا لوقف إطلاق النار، إلا أن هذا لم ينعكس علي الوضع الميداني الذي شهد تصعيدا واضحا من خلال اتهام جورجيا لروسيا بقصف مطار تبليسي، وإغراق روسيا سفناً حربية جورجية، وقيام القوات الروسية في إقليم أبخازيا بمطالبة القوات الجورجية بتسليم أسلحتها.
وأعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن الجزء الأكبر من العملية العسكرية في أوسيتيا الجنوبية انتهي، وذلك بعد سيطرة القوات الروسية علي أوسيتيا الجنوبية وخروج القوات الجورجية منها بشكل شبه كامل. واجتمع الرئيس الروسي ورئيس مجلس الوزراء والقادة الرئيسيين في الجيش لمناقشة الوضع في أوسيتيا، وقال متحدث باسم الكرملين إن الاجتماع عقد في هيئة رئاسة الأركان.
من جانبها، أكدت وزارة الخارجية الروسية تلقيها مذكرة دبلوماسية من جورجيا تطالب فيها الأخيرة بوقف إطلاق النار، إلا أن الوزارة انتقدت استمرار جورجيا في الأعمال الحربية علي الرغم من إعلانها وقف إطلاق النار.
علي الجانب الآخر، اعتبر الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي أن النزاع مع روسيا يهدد وجود بلاده ذاته، وقال في خطاب بثه التليفزيون إن «عمليات القصف هدفها إثارة الرعب»، مضيفا أن دبابات روسية تتمركز في الأراضي الجورجية خارج منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية.
ميدانيا، أعلنت وزارة الداخلية الجورجية أن مطار تبليسي تعرض لقصف جوي روسي، مما ألحق أضراراً طفيفة بمدرجات الطيران، بينما نفت وزارة الدفاع الروسية قيامها بقصف مطار تبليسي، واعتبر متحدث باسم الوزارة أن إعلان جورجيا عن تعرض مطارها للقصف يهدف إلي «التضليل وخداع المجتمع الدولي وإبعاده عن حقيقة ما يجري في أوسيتيا».
وأعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية الجورجية أن مدينة جوري، والتي تعتبر خط الدفاع الأول أمام العاصمة تبليسي تعرضت لقصف جوي ومدفعي كثيف، مشيرا إلي أن المعلومات تشير إلي احتمال قيام القوات الروسية بعملية اجتياح بري للمدينة، وأضاف أيضا أن قنبلة سقطت علي إحدي ضواحي العاصمة، بينما أعلنت وزارة الدفاع الجورجية أن مطاراً عسكرياً ومحطة رادار تعرضا لقصف روسي في تبليسي.
في المقابل، قتل ٣ جنود روس من جنود قوة السلام الروسية في أوسيتيا وأصيب ١٨ آخرون في قصف جورجي علي تشخينفالي أمس، كما أعلنت روسيا أن طائرتين حربيتيين سقطتا خلال المواجهات وهو ما يرفع إجمالي الخسائر الروسية إلي ١٨ قتيلا، و٥٢ جريحا، و٤ طائرات مقاتلة.
وأعلنت البحرية الروسية أنها أغرقت عدة حاملات صواريخ جورجية انتهكت وقف إطلاق النار أحادي الجانب الذي أعلنته جورجيا، حيث قصفت الأسطول الروسي في البحر الأسود، بينما أعلن مسؤول كبير في هيئة الأركان الروسية أن «أجانب»، لم يحدد جنسياتهم، يقاتلون إلي جانب الجورجيين في أوسيتيا الجنوبية.
وكشف شهود عيان، ومراسلو وكالات الأنباء أن روسيا دفعت بآلاف الجنود وعشرات الدبابات وقاذفات الصواريخ إلي أوسيتيا الجنوبية بعد سيطرة القوات الروسية عليها بشكل شبه كامل.
كما عززت روسيا قواتها في إقليم أبخازيا الانفصالي عن جورجيا، حيث ارتفع عدد القوات إلي ٩ آلاف جندي من قوات المظلات وحوالي ٣٥٠ مدرعة، وذلك لتفادي تكرار أحداث أوسيتيا في أبخازيا مثلما أفاد مسؤول روسي كبير.
وفي هذا الإطار، أكد وزير الدفاع الأبخازي أن القوات الأبخازية «حاصرت تماماً» الجنود الجورجيين المتمركزين علي مرتفعات ممرات كودوري المنطقة المتنازع عليها في ابخازيا الجورجية الانفصالية، وقال الوزير ميراب كيشماريا واكد كيشماريا «إن جميع الطرقات والممرات الجبلية، وكل المنافذ للخروج من هذا المكان مطوقة»، ونفت جورجيا حصار قواتها، مشيرة إلي أنها قامت بصد كل الهجمات في تلك المنطقة.
وجهت القوات الروسية في أبخازيا إنذارا إلي القوات الجورجية المحازية للإقليم تطالبها فيه بتسليم فوري لأسلحتها، محذرة من أنها ستواجه هجوما روسيا إذا رفضت الإنذار الروسي، وردت القوات الجورجية علي الحدود برفض الإنذار الروسي.
علي صعيد آخر، صرحت مصادر دبلوماسية في واشنطن أن طائرات أمريكية بدأت في نقل جنود جورجيين من العراق إلي وطنهم، حيث بدأت طلائع هذه القوات في الوصول بالفعل أمس إلي جورجيا تمهيدا للانضمام إلي القتال ضد روسيا وأوسيتيا وأبخازيا، إذ قررت جورجيا سحب ١٠٠٠ جندي من إجمالي قواتها في العراق والبالغ ٢٠٠٠.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة علي اتصال وثيق مع عسكريين روس حتي لا تقع مواجهة جوية أثناء قيام الطائرات الأمريكية بنقل القوات الجورجية من العراق.
من جانبهم، تظاهر آلاف الجورجيين في تبليسي احتجاجا علي القصف الروسي لبلادهم، وحمل المتظاهرون أعلاما جورجية وأنشدوا قصائد وأغاني تقليدية إضافة إلي النشيد الوطني.
وعلي شاشة حمراء عملاقة وضعت في ساحة الجمهورية، كتبت هذه الشعارات بالإنجليزية «كل ما نحتاج إليه هو الحرية»، «روسيا تقتل الناس»، «أيها الجيش الأحمر عد إلي المنزل».
وفيما يتعلق بالوضع الإنساني، أعلنت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هناك ٤٠ ألف نازح تركوا ديارهم نتيجة للصراع الدائر حاليا، مشيرة إلي أن ٣٠ ألفا منهم من أوسيتيا، و١٠ آلاف من جورجيا
وفي إطار مهمته للوساطة بين روسيا وجورجيا، أعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أنه وجد الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي «عازما علي إقرار السلام» وذلك بعد اجتماعه معه في تبليسي، مشيرا إلي أن ساكشفيلي وافق علي جميع المقترحات الأوروبية لحل النزاع مع موسكو، واعتبر أنه علي الاتحاد الأوروبي أن يقوم بدوره في حل تلك الأزمة، لـ«يؤكد علي قوته لأن واشنطن طرف في تلك الأزمة»، مضيفا أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سيسافر إلي موسكو ومن المتوقع أن يجتمع مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف.
وفي تصريحات لافتة، أعلن مكتب ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي أن تشيني اتصل بالرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي ليعرب له عن تضامن الولايات المتحدة في الصراع مع روسيا وأبلغه أن «العدوان الروسي يجب ألا يمر دون عقاب». وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي إن تشيني كان يعني أن «العدوان» الروسي لا يجب أن يستمر.
وأبلغ الرئيس الأمريكي جورج بوش بـ«لهجة حازمة» رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أثناء حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين أن الهجوم الروسي في جورجيا «غير مقبول».
وقال بوش إنه تحدث مع بوتين في اتصال هاتفي وأبلغه بأنه «قلق للغاية إزاء رد روسيا غير المتوازن وأننا ندين بشدة عمليات القصف خارج أوسيتيا الجنوبية»، مشيرا إلي أنه كان «حازما» أثناء حديثه مع بوتين.
علي الصعيد نفسه، اتهم قائد حلف شمال الأطلسي ياب دي هوب شيفر روسيا بـ«الاستخدام المفرط للقوة» في أوسيتيا الجنوبية، و«انتهاك وحدة أراضي جورجيا» بعد أن امتدت العمليات العسكرية خارج حدود الإقليم الانفصالي في جورجيا.