المياه‏..‏ الأمن الغذائي والتغير المناخي بقلم : د‏.‏ ليلي تكلا

من طرف koko الثلاثاء مايو 12, 2009 1:26 pm

المياه‏..‏ الأمن الغذائي والتغير المناخي
بقلم : د‏.‏ ليلي تكلا

منذ بدء الخليقة والانسان يبحث عن الغذاء فهو الوقود الذي به يعيش ويعمل ويفكر‏.‏

تغيرت
احوال العالم وتبدلت امور كثيرة تمت اكتشافات ونجحت اختراعات ساهم التقدم
العلمي والمعرفي في تطوير الحياة بصورة شاملة‏..‏ لكن ظل الغذاء وقود
الانسان الذي به يعيش ويعمل ويفكر‏.‏

بقي الانسان علي حاله‏,‏
مطلبه الأول لم يتغير‏,‏ اما الغذاء فقد تبدلت احواله‏,‏ لم يعد هبة الله
للبشرية جميعا‏,‏ اصبح متاحا للبعض دون الآخر‏,‏ اصبح ندرة في بعض الاماكن
ووفرة زائدة في أخري كما بات معرضا لكوارث واعاصير لم يعد فقط وسيلة
للتنمية والتقدم بل اصبح سببا لمنافسات ومساومات بل لخلافات وصراعات‏.‏

اصبح
له ابعاد سياسية وامنية تتعلق بسيادة الدولة التي عليها انتاج غذاء يلبي
احتياجات سكانها‏,‏ نظرا لأن الاعتماد علي استيراد السلع الغذائية ينطوي
علي بعض المخاطر مثل تدني شروط التبادل التجاري في الأسواق العالمية‏,‏
وعدم الثقة بالموردين وكذلك عدم استقرار الأسعار واحتمالات الحظر علي
التبادل التجاري الغذائي واستخدام الغذاء للضغط السياسي‏,‏ ان الأمن
الغذائي والأمن المائي من أهم عوامل الأمن والاستقرار‏.‏

والأمن
الغذائي مصادره‏:‏ المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية‏,‏ والسمكية‏,‏
وعناصره ارض صالحة‏,‏ مناخ ملائم‏,‏ وبشر مؤهل ومياه كافية لاغني عنها‏,‏
فالأرض يمكن الانتقال لغيرها أو إصلاح التربة‏,‏ والمناخ هناك بعض الوسائل
لحماية الزراعة منه والانسان يمكن تدريبه اما انعدام المياه فلا مخرج له‏.‏
‏
***‏

ويقتضي الأمر التعرف علي بعض حقائق معينة منها‏:‏
‏*‏
ان الزراعة هي المستخدم الأول في العالم للمياه العذبة‏,‏ اذ يقدر ان‏70%‏
من مجموع الموارد المائية المستحصلة من البحيرات والممرات المائية وطبقات
المياه الجوفية تستهلك في الري بالقطاع‏.‏
‏
*‏ متطلبات الماء الصالح للشرب يوميا للشخص الواحد تتراوح بين‏2‏ و‏4‏ لترات‏,‏ وانتاج غذائه يوميا يتراوح بين‏2000‏ و‏5000‏ لتر‏.‏
‏
*‏ تستخدم الزراعة‏1000‏ طن من المياه لانتاج كل طن من الحبوب‏..‏ وترتفع نسبة الاستهلاك في افريقيا واسيا‏.‏
‏
*‏
انتاج كيلو جرام من الارز يحتاج إلي‏1000‏ ـ‏3000‏ لتر من الماء‏,‏
وبين‏13000‏ ـ‏15000‏ لتر لانتاج كيلو جرام واحد من اللحم البقري المعلوف
بالحبوب‏.‏
‏
*‏ كمية المياه المحتاج إليها لانتاج مقدار الاستيراد السنوي لحبوب الشرق الأوسط وشمال افريقيا يعادل مجري نهر النيل السنوي‏.‏
‏
*‏
ممكن ان تتسبب الندرة الفائقة في المياه إلي نقص طعام العالم بنسبة‏10%‏
مما يؤدي إلي ارتفاع اسعار المحاصيل وظهور مشكلة حقيقية يعاني منها‏103‏
ملايين شخص دخلهم دولار واحد او اقل يوميا‏.‏
‏
*‏ ما بين‏30‏ و‏40‏
بالمائة من الطعام في العالم يأتي من‏17%‏ من اجمالي الأراضي القابلة
للزراعة والتي تستخدم مياه الري لزراعتها‏.‏
‏
*‏ تشكل الاسماك
والاحياء المائية‏30%‏ من البروتين الحيواني الذي يعتبر مصدرا رئيسيا
للبروتين للفقراء اي لما يزيد علي‏2,8‏ مليون شخص‏,‏ اما تربية الاحياء
المائية فتوفر‏45%‏ من اجمالي الاستهلاك العالمي من الاغذية البحرية كما
يعمل في قطاع مصايد الاسماك ما يزيد علي‏200‏ مليون شخص‏98%‏ منهم في
الدول النامية‏.‏
‏
*‏ خمس القيمة الاجمالية للانتاج من الاسماك
يأتي من الاستزراع باستخدام مياه نقية‏,‏ وبالتالي فان تطوير المياه
للانتاج الغذائي من عناصر زيادة الأمن الغذائي وكذلك أمن واستقرار الموارد
الغذائية‏.‏

وسوف يؤثر التغير المناخي ـ ارتفاعا وانخفاضا ـ في
قضايا الأمن الغذائي والمياه فهو يؤدي إلي فيضانات تهدر الماء‏,‏ وتصحر
يقتل التربة والنبات‏,‏ ويسبب تلوث المياه والقضاء علي الاحياء المائية‏,‏
كما يغير خريطة استزراع الاسماك التي سوف تزداد في المناطق التي اصبحت اقل
برودة وينقرض في التي انخفضت حرارتها‏.‏

ولعل الذين شاهدوا معنا
فيلم آل جور عن الاحتباس الحراري يتذكرون الفقرة التي تتحدث عن ظهور
وانتشار امراض واوبئة جديدة تقتل الانسان والحيوان والنبات تأتي نتيجة
تفاعلات مستجدة للخلايا والفيروسات لاتوجد ضدها مناعة بعد ولاتعرف بالضبط
اسبابها داهمتنا بعضها بالفعل مثل جنون البقر وانفلونزا الطيور ووباء
الخنازير‏.‏
‏
***‏

وتثير
العلاقة بين الأمن الغذائي والمائي عدة قضايا فهناك مقولة حتمية التعارض
بينهما لان زيادة الأمن الغذائي من خلال التوسع في مناطق الري يضاعف
استهلاك المياه‏.‏ويهدر الأمن المائي‏.‏ هذا التعارض يمكن تحاشيه عن طريق
ترشيد اساليب الري وتوصيل المياه واصلاح النظم الإدارية‏.‏

ان
مواجهة ندرة المياه تتطلب التصدي لجملة قضايا لايرتبط جميعها مباشرة
بالزراعة‏,‏ وتتراوح تلك من حماية البيئة والتخفيف من ارتفاع درجة الحرارة
الجوية‏,‏ إلي التسعير العادل للخدمات المائية والتوزيع المنصف لمواردها
من أجل الري والصناعة‏,‏ والاستعمالات المنزلية‏,‏ لذا فليس فقط قطاع
الزراعة‏,‏ بل الكل والجميع ـ من منظمات دولية‏,‏ وحكومات ومجتمع دولي ـ
عليهم المشاركة في المسئولية‏.‏

واخيرا ان تطوير المياه للانتاج
الغذائي يمثل عنصرا مهما في زيادة الأمن الغذائي وكذلك أمن واستقرار
الموارد الغذائية وفي القرن المقبل سيزداد الاعتماد علي ادارة المياه‏,‏
من حيث اعادة تأهيل انظمة التحكم في المياه وايضا استبدال انظمة الري
التقليدية ذات الطابع القديم الذي يرتفع به الفاقد إلي انظمة تعتمد علي
تكنولوجيا دقيقة‏,‏ وتحقيق ذلك سيتطلب الاموال ومساهمة العلماء والمزارعين
المؤهلين وقبل كل ذلك إدارة كفء وارادة سياسية ومشاركة المواطنين‏.‏