هل نسيتم أن الطلاب الأندونيسيين يتعلمون بالأزهر؟ بقلم : محمد علي إبراهيم

حكايات أسبوعية
بقلم : محمد علي إبراهيم

لماذا مصر؟


هل نسيتم أن الطلاب الأندونيسيين يتعلمون بالأزهر؟



عندما أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما
سيلقي خطابه الذي طال انتظاره للعالم الإسلامي من مصر في 4 يونيو القادم.
تعجب البعض قائلين لماذا اختار أوباما مصر تحديداً لإلقاء خطابه؟!

خرجت بعض الصحف الأمريكية تتساءل لماذا لم يختر الرئيس أندونيسيا
باعتبارها أكثر البلاد الإسلامية تعداداً بالسكان "300 مليون نسمة" وفي
الوقت ذاته التي شهدت مولده؟ لماذا لم يختر السعودية مثلاً وهي مهبط الوحي
والبلد الذي ولد فيه محمد عليه الصلاة والسلام؟ لماذا لم تكن تركيا وهي
عضو في حلف شمال الأطلنطي؟

كل هذه الدول وغيرها الكثير تملك مقومات جذب كبري للرئيس الأمريكي كي
يلقي خطابه فيها.. لكن نظراً لأن البيت الأبيض يجدد جهوده لتدعيم استقرار
يدوم لفترة طويلة في الشرق الأوسط. فإن مصر هي الوحيدة التي تبرز كاختيار
واضح لتحقيق هذا الإنجاز.. بالتأكيد مصر هي أكثر الأماكن ملاءمة للرئيس
أوباما لإعلان رؤيته الأوسع والأشمل لارتباط الولايات المتحدة بالعالم
الإسلامي وقيام علاقات سليمة وصحيحة بينهما.

إن مصر كانت لفترة طويلة في مقدمة الاتجاهات السياسية والاجتماعية
والثقافية.. من هذه الأرض الطيبة شهدت مصر أول مؤسسة دستورية وأول برلمان
كما كانت مصر هي أول من جسد فكرة الدولة الحديثة في المنطقة.. كل هذه
الإنجازات ليست وليدة اليوم ولكنها تعود لأوائل القرن التاسع عشر.

وقبل 30 عاماً أصبحت مصر أول دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل
وقدمت الإطار الذي يمكن للدول العربية الأخري أن تحتذي به عند توقيع اتفاق
سلام مع الدولة العبرية.. ومنذ ذلك التاريخ واصلت مصر العمل لتدعيم وتشكيل
سلام دائم بين جيرانها وتوسطت في مبادرة عظيمة لوقف إطلاق النار في غزة
واستضافت حوار الفصائل الفلسطينية وسعت إلي محاصرة التطرف والإرهاب
وإبقائه بعيداً عن حدودها.. إن مصر باختصار شديد هي أفضل من يتوسط في
النزاعات المختلفة بالشرق الأوسط.

وإلي جانب سياستها الشرق أوسطية فإن مصر هي الدولة العربية الكبري وأكثر الدول ازدحاماً بالسكان في المنطقة.


لقد ظلت مصر طويلا تمثل وسطية وتسامح الدين الإسلامي مع تنوع واعتدال مثقفيها الأمر الذي يؤكد قيم ومثاليات الإسلام الحديث..


إن ربع عدد سكان العالم العربي يعيشون في مصر.. وهي تضم أكبر وأقدم
مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط.. من ناحية أخري تجسد جامعة الأزهر العظيمة
مزيجا من الحداثة والتسامح اللذان يجسدان تراث مصر الثقافي.. مصر بها 550
صحيفة ومجلة و162 ألف مدون وهو ما يعني ثلث عدد المدونين العرب في العالم
كله! كما أن مصر لا تتوقف فيها المناقشات السياسية حول مستقبل العالم
العربي.

إلي جانب كل ما سبق فإن أمريكا ومصر بينهما علاقات وتبادل منفعة
لعشرات السنوات.. وقد أعلن روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي بعد مقابلته
للرئيس مبارك في القاهرة أن الولايات المتحدة تنظر إلي مصر باعتبارها أحد
أفضل وأهم شركائها.. ولعلنا نتذكر أن أكثر من 7200 أفغاني يعالجون شهريا
في المستشفي الميداني المصري في مطار باجرام.

إن مصر هي قلب العالم الإسلامي والشرق الأوسط والعالم العربي.. إن
المسلمين يشكلون 90% من إجمالي عدد سكان مصر ال 80 مليونا وتشتهر القاهرة
بكونها مدينة الألف مئذنة وتتعدد مساجدها الأثرية والحديثة بتناغم لافت
للنظر.

ومصر تضم جامعة الأزهر ثاني أقدم جامعة تمنح شهادات علمية معتمدة في
العالم وبالتالي فمصر هي قلب ومركز الدراسات الإسلامية والفكر الإسلامي
الأكاديمي.. ولا ننسي أن محمد عبده المفكر الإسلامي والمصلح الليبرالي
الذي أحدث تحولات جذرية في المجتمع المصري كان شيخا للأزهر ويعتبر مؤسس
الإسلام الوسطي.

ويبقي أنه للعام الثالث علي التوالي احتفظت مصر بالمركز الأول كأكثر
دول الشرق الأوسط من ناحية الاصلاح الاقتصادي.. وقد حصلت مصر أيضا هذا
العام علي أحد المراكز ضمن أفضل عشر دول علي مستوي العالم في الاصلاح.

ويبقي شيء هام علينا أن نبرزه ونركز عليه وهو أن أوباما عندما اختار
مصر وصرف النظر عن أندونيسيا التي تحتوي علي أكبر نسبة من المسلمين في
العالم. لأنه ببساطة لن يتحدث إلي المسلمين عن الدين والثقافة فقط..ومصر
أكثر رسوخا من أندونيسيا فيها بدليل أن طلبة أندونيسيا يتعلمون في الأزهر
ولكنه سيتحدث حتما عن الانقسام السياسي الأساسي في العالم الإسلامي اليوم
والذي بدأ في الشرق الأوسط بالفعل. لكن مصر تلعب فيه دورا هاما ومؤثرا
وفعالا.

ورغم أن خطاب أوباما من مصر سيكون فرصة لمد جسور جديدة بين واشنطن
والعالم الإسلامي إلا أنه يهمه كذلك إنهاء الانقسام الحادث حاليا بين
الإسلام المعتدل والمتطرف.. ومصر أصلح من يقوم بالمهمة حاليا!




نووي إيران.. ونووي إسرائيل



بتمكن وحرفية وخبرة دبلوماسية أفسد الرئيس مبارك في حديثه
للتليفزيون الإسرائيلي خطة رسمها معد البرنامج ومذيعه حول محاولة اقحام
مصر "علي الهواء مباشرة" في تحالف مع إسرائيل.

المذيع الإسرائيلي كان حريصاً علي أن يستغل رفض مصر لبعض مواقف إيران
التوسعية ليربط بينها وبين إسرائيل منوهاً إلي أن العداء لطهران تشترك فيه
مصر وتل أبيب.

علي الفور أدرك الرئيس مبارك الفخ الذي يريد المذيع أن ينصبه وبادر
الرئيس مبارك بإبراز الاختلاف والتناقض في وجهتي النظر المصرية
والإسرائيلية حيال إيران.. قال الرئيس للمذيع وهو يحاوره "نحن ننظر لإيران
باعتبارها دولة تريد السيطرة علي المنطقة أما أنتم فتنظرون لإيران علي
أنها دولة تريد عمل قنابل نووية.. وإذا دخلنا في النووي سنتحدث عنكم
وعنهم".. ومضي الرئيس قائلاً "لا أريد أن أفتح هذا الموضوع فنحن نريد
المنطقة خالية من جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل سواء العربي أو
الإسرائيلي أو الإيراني".

الرئيس جعلها واضحة كالشمس.. خلافنا مع إيران إذا كان بسبب القنابل
النووية فإن هذا الخلاف يجب أن يمتد لإسرائيل أيضا.. ليس ضرورياً أن يكون
عدو إسرائيل هو عدونا لنفس السبب.. قد تتقاطع مصالح الدول مع بعضها
البعض.. لكن هذا التقاطع لا يجعل من المعادين لدولة ما حلفاء لبعضهما.

إسرائيل لا تفهم ولن تفهم المنطق المصري العظيم في الخلاف مع إيران..
قال الرئيس "نحن ننظر لإيران باعتبارها تريد السيطرة علي المنطقة" ماذا
يعني هذا؟ معناه أن الهوية العربية مهددة.. هناك دولة تسعي إلي التهام
القومية العربية.. لها مطامع تروجها حينا باسم الإسلام وحينا آخر باسم
معاداة إسرائيل.

الدرس الذي أعطاه الرئيس مبارك للمذيع الإسرائيلي يحمل في طياته أشياء كثيرة..


أولاً: العرب تحملوا نكبة واحدة عام 1948 وليس هناك استعداد لتحمل
نكبات أخري ثانياً: العداء لإسرائيل تاريخي.. ونظراً لأن اتفاقيات السلام
قد أنهت مؤقتاً حالة الحرب بين بعض الدول العربية وإسرائيل. إلا أن هذا لا
يعني أن الخطر زال..

ثالثاً: الخلاف بين العرب وإسرائيل وبينهم وبين إيران.. أن الدولة
العبرية قامت بالاحتلال والاغتصاب والقتل والسلب والنهب في وضح النهار..
وبالتالي فإنها لا يمكن أن تذوب في النسيج القومي العربي.. إسرائيل
غاصبة.. وإيران طامحة.. إسرائيل خطر قائم ومعروف.. وإيران في مرحلة
التهديد حالياً وربما تتحول لخطر.

رابعاً: رغم خطورة إسرائيل وقوتها العسكرية إلا أنها لا يمكن أن تسرق
القرار العربي أو تضغط عليه.. وأكبر دليل علي ذلك مصر.. اتفاق السلام بين
القاهرة وتل أبيب لا يلزم الأولي بتقديم تنازلات للثانية تحت أي ظرف. لكن
الخطير في موضوع إيران أنه قد أصبح لها وكلاء في المنطقة العربية.. حماس
وحزب الله من الميلشيات.. وسوريا وقطر والسودان وبعض العراقيين من الدول..
وهنا مكمن التهديد.. أن يتحالف بعض العرب مع الفرس في سبيل الاضرار
بشعوبهم فهنا الخطورة.. أن تقيم إيران أنظمة حكم بديلة للحكومات الشرعية
أو عميلة لها. معناه أن الهويات العربية أصبحت مهددة بشكل سافر. خصوصاً
وأن هناك البعض ممن يطالب أن يكون الإسلام هو القومية وليس الدين. ولا
يمانع الإخوان المسلمون في مصر أن يحكم البلاد ماليزي أو فارسي أو تركي
وقد صرحوا بذلك مرات عدة.

إذن هذا هو الخطر الحقيقي.. أن تنصهر الهوية العربية في قومية
إسلامية.. أن تحتل إيران دولاً مثل البحرين ولبنان بحجة وجود أغلبيات
شيعية.. وأن هذه الأغلبيات يحكمها الأقليات.. ولا تنسوا أن إيران لها
أحزاب تدخل الانتخابات وتفوز.. وهنا الخطورة!






كيف تكتب مقالاً؟!



قبل 25 عاما كنت أعمل بدولة خليجية وتفاجأت بأحد مواطنيها
يدخل علي المكتب ويقدم لي ورقا يطلب نشره في الجريدة.. بدهشة سألته ما
هذا؟ وبهدوء أجابني: مقال طبعا ماذا سيكون؟ استطردت وتريد نشره؟ أكد أن
هذا مبتغاه.

تذكرت الحادثة وأنا أقرأ كتابا لصحفي أمريكي فذ هو جيرالد سيب في الوول ستريت جورنال وجعل عنوانا له "كيف تكتب مقالا؟".


الكتاب لا يتحدث عن فنون المقال وكيف تزوده بالمعلومات وما هي الطريقة
التي تجعله يبدو شيقا.. ولكنه يشرح كيف تسهب دون أن تستطرد.. كيف تسيطر
بأقل الكلمات.. وجعل لذلك كله مدخلا واحدا.. أن تقرأ.

خرجت من القراءة بدرس هام هو أننا لا نكتب.. الصحفي الأمريكي يقول إن
المقال لابد وحتي يخرج للنور أن يكون خلفه كتاب.. الصحفي الأمريكي لا يعرف
أننا نكتب ليكون لنا اسم أو للشهرة وأحيانا للتعليق علي أحداث سياسية أو
محلية.. المقالات في الصحف بالعالم العربي - باستثناء قِلة - تكون متجهة
إما للإشادة وإما للهجوم.. زمان كان عمالقة الأدب مثل العقاد والمازني وطه
حسين عندما يكتبون يستعرضون.. بعدهم ظهر جيل يكتب ليقول لك إنه يعرف ومطلع
ولديه وثائق وأسرار.. وآخرون يكتبون للتأكيد علي أننا نسعي لمعلومات ولن
نجدها إلا عندهم.

الصحفي الأمريكي يشبه الكتابة بالمجهود البدني في الرياضة.. فالذي
يؤدي تمارين رياضية يكتسب رشاقة ولياقة وصحة نفسية وذهنية وقدرة أكبر علي
تحمل المجهود.. والذي يكتب - طبقا للكاتب الأمريكي - يكتسب أبعادا فلسفية
ومعلوماتية.

الكاتب إذا قرأ واجتهد وواصل سيصل إلي قناعة.. والقناعة هي خلاصة
تجربة.. ليس كل ما ستقرأه ستقبله أو سيصادف هوي في نفسك! لكن الرفض لما
تقرأ سيمنحك قدرة علي أن تناقش.. الخلاف مع ما تقرأ - أو الاتفاق - سيمنحك
أرضية تناقش بمقتضاها. وحجة أو حججا. تبارز بها وتقارع من يجادلك.

أسوأ أنواع الكتابة - كما يقول جيرالد سيب - هو أن تكتب لنفسك..
والمعني الذي يقصده ليس أن تكتب معبرا عن آرائك.. ولكن أن تكتب منعزلا عن
المجتمع والجماهير والقراء.. يقول إنه أحيانا يعيش كاتب المقال تفاعلات
مباشرة وفي أوقات أخري يهرب من إبداء الرأي في قضية معينة. لكن في جميع
الأحوال عليه أن يكون علي اتصال بالجميع منفتحا عليهم.

باختصار.. الكاتب لن يكون كاتبا متألقا إلا إذا كان قارئا متميزا..
القراءة تسبق الكتابة بآلاف الأميال.. وكنت قد كتبت قبل ذلك في أواخر شهر
مارس في العدد اليومي ل "الجمهورية" أقول: أن تكتب وخلفك مكتبة أفضل من
الكتابة وأنت علي كرسي منصب.

أهم شيء استوقفني في شروط الكاتب الناجح التي ساقها الصحفي الأمريكي
هو ألا يكون له وظيفة أخري.. بمعني ألا يكون مذيعا أو رياضيا أو فنانا أو
له "صنعة" أخري.. في بلادنا نستكتب النجوم والمشاهير علي صفحاتنا حتي يكون
للجرنال كتاب مشهورون. مع أنهم في الحقيقة ليسوا كتابا وليس لهم شيء من
المصداقية.. الناس تعرف أنهم رياضيون أو فنانون. ولن يقولوا أبدا إنهم
كتاب أو أصحاب أقلام.

ويبقي أن أعدد أصحاب أعمدة اشتهروا في مناصبهم كما اشتهروا خارجها
مثل أنيس منصور أكثر الكتاب قراءة وسمير عطا الله والمرحوم سعيد سنبل
ومحمود المراغي أفضل من كتب في الاقتصاد وأستاذنا إبراهيم سعدة الذي يعطيك
معلومات ورأيا وتحليلا في أهم عمود بالصحافة المصرية الآن ولا أنسي من
المعارضة سليمان جودة والراحل مجدي مهنا وفي القومية مكرم محمد أحمد وصلاح
منتصر ومحمد العزبي وكمال جاب الله الذي يستحق الكثير.

ومن الغريب أن الكاتب حدد للذين يريدون التألق في الكتابة عمرا معينا
هو بداية الأربعين.. وضرب مثالا بتوماس فريدمان الكاتب اللامع في الصحف
الأمريكية وبالذات في النيويورك تايمز.. يقول الكاتب إنه عمل مراسلا في
الشرق الأوسط "بيروت وعمان" لمدة أكثر من عشرة أعوام ومع ذلك لم يبدأ
الكتابة بصفة منتظمة في الصحافة إلا بعد أن تخطي الأربعين وبعد هذه السن
حصل علي جائزتين من جوائز بوليتزر للصحافة في أمريكا وهي إحدي أهم الجوائز
في الولايات المتحدة.

وبعد.. هذا العرض للكتاب ليس ملزما ولا هو قاعدة وإنما هو اجتهاد - كما قال عنه الكاتب - لنا أن نأخذ به أو نتركه في صمت.