كل يوم بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

من طرف حلفاوى السبت مايو 16, 2009 5:01 pm

كل يوم
بقلم : مـرسي عطـا الـلـه

مع
عدم إغفال أو تجاهل أخطاء عديدة وقعت فيها الحكومات السودانية المتعاقبة
علي امتداد الـ‏50‏ عاما الأخيرة وأدت إلي تفاقم أزمة اقليم دارفور إلي أن
أصبحت أزمة دولية تتداخل فيها المصالح والمطامع الأجنبية مع الانتهاكات
الإنسانية‏,‏ فإن هذا الملف المعقد يقدم نموذجا علي قدرة وسائل الإعلام
الدولية علي قلب الحقائق في أي قضية حسب أهواء ومقاصد القوي الكبري‏.‏

وعلي
سبيل المثال فإن أغلب الصحف الأجنبية والعربية تذكر دائما عند مناقشتها
لأزمة إقليم دارفور كلمة ميليشيات الجنجاويد‏,‏ دون معرفة أصلها مما دفع
بالكثيرين إلي الاعتقاد بأن الجنجاويد هي عنوان قبلي أو عرقي مع أن
الحقيقة عكس ذلك تماما‏..‏

إن كلمة الجنجاويد التي تتكون من ثلاثة
مقاطع هي جن بمعني رجل‏,‏ وكلمة جا ومعناها أن هذا الرجل يحمل مدفعا رشاشا
من نوع ج‏3‏ المتداول بكثرة في الإقليم‏,‏ وكلمة ويد ومعناها الجواد
وبالتالي فإن المعني الصحيح لهذه التسمية هو‏:‏ الرجل الذي يركب جوادا
ويحمل مدفعا رشاشا‏.‏

وغالبية هؤلاء الذين يطلق عليهم اسم
الجنجاويد هم من البدو الرحل الذين يرتدون زيا يشبه زي الجيش الحكومي
السوداني ويعتمدون في حياتهم علي الترحال من مكان إلي مكان بحثا عن
المراعي‏,‏ خصوصا خلال سنوات الجفاف والتصحر التي تؤدي إلي انخفاض كميات
المياه واختفاء الكثير من المراعي‏.‏

ومع أن بعض الإحصائيات تتحدث
عن أن نسبة السكان ذوي الجذور الإفريقية في دارفور تقترب من‏60%‏ من مجموع
السكان مقابل‏40%‏ ذوي أصول عربية فإن من الصعب الجزم بصحة هذه
الاحصائيات‏,‏ لأنه يصعب القول بوجود عربي خالص أو إفريقي خالص نتيجة
الاختلاط والتزاوج علي مدي مئات السنين فضلا عن توحدهم جميعا تحت راية
الدين الإسلامي وانتسابهم جميعا إلي المذهب السني‏.‏

ومن يقلب في
أوراق التاريخ الحديث يجد أن الصراع الراهن في إقليم دارفور لا يختلف عن
سلسلة الصراعات التي شهدها الإقليم وأبرزها ذلك النزاع القبلي الذي حدث
عام‏1932‏ بين قبائل الكبابيش والبرتي والكواهلة والميدوب بسبب آبار
المياه‏,‏ وقد تمت تسويته في مؤتمر قبلي موسع أطلق عليه اسم مؤتمر أم
قوزين نسبة إلي البلد التي استضافت المؤتمر‏...‏ ثم لم تكد تمر‏25‏ عاما
فقط حتي تفجر صراع جديد عام‏1957‏ بين قبائل الكبابيش والميدوب
والزيادية‏,‏ وذلك بسبب تجاوزات العرب الرحل في بعض المناطق‏,‏ ورغم ذلك
تم احتواء الصراع بمؤتمر للمصالحة جري عقده في خيام المالحة‏.‏

وقد
تكررت أشكال الصراع والنزاع مرات عديدة لأسباب متباينة كان أبرزها نزاع
عام‏1968‏ بين قبائل الزريقات والمعاليا وكالعادة تم احتواء النزاع وعقد
مؤتمر للصلح بذات القواعد القبلية‏...‏ وربما كانت المرة الأولي التي
تتدخل فيها الحكومة المركزية في الخرطوم في مثل هذا النوع من الصراعات
القبلية في دارفور عام‏1982‏ عندما اقتتلت قبائل المهرية مع قبائل بني
هلبة بسبب بعض عمليات النهب ومحاولة السيطرة علي المراعي‏...‏ وكانت هذه
هي الغلطة الكبري التي يدفع السودان ثمنها إلي اليوم في ظل ازدواجية
المعايير الدولية التي تبيح حق إخماد التمرد والفوضي الأهلية لدول
بعينها‏,‏ بينما يتم تجريم هذا الحق بالنسبة لدول أخري مثل السودان‏!‏

attalla@ahram.org.eg