المشاركة السياسية للمرأة‏..‏ غاية أم وسيلة؟ بقلم‏:‏ د‏.‏ هاني الناظر

من طرف نورا نورا الأحد مايو 17, 2009 8:26 pm

المشاركة السياسية للمرأة‏..‏ غاية أم وسيلة؟
بقلم‏:‏ د‏.‏ هاني الناظر
رئيس المركز القومي للبحوث

المشاركة السياسية للمرأة‏..‏ غاية أم وسيلة؟ بقلم‏:‏ د‏.‏ هاني الناظر 44722_2m

عرفت
مصر المشاركة السياسية للمرأة منذ مطلع التاريخ‏,‏ فقد وصلت بنت النيل
العظيم إلي أرفع المواقع السياسية عندما تولت حكم مصر أكثر من ملكة
فرعونية أمثال حتشبسوت ونفرتيتي وكليوباترا‏,‏ وكانت الملكة حتشبسوت واحدة
من أقوي حكام مصر في تلك الحقبة من الزمن‏,‏ حيث شهد عهدها ازدهارا
اقتصاديا كبيرا وقوة عسكرية يخشاها أعداء مصر‏,‏ وقد حاول البعض تغيير
الحقائق بادعاء انها كانت ترتدي زي الرجال لكي تتشبه بهم مما يكسبها القوة
والقدرة علي إدارة أمور البلاد‏,‏ إلا أن الدراسات الأخيرة التي قام بها
فريق بحثي علمي بقيادة الدكتور زاهي حواس‏,‏ والتي تمكن من خلالها عن
التعرف علي مومياء الملكة والموجودة الآن في المتحف المصري‏,‏ أوضحت وجود
علامات تؤكد اصابتها بمشاكل جلدية كما شاهدنا ذلك جميعا في الفيلم الذي
عرضه التليفزيون المصري عن ذلك العمل العلمي الكبير‏,‏ مما يعني أن
حتشبسوت كانت ترتدي ملابس تغطي كل أجزاء جسمها حتي لا تظهر تلك الأعراض
الجلدية‏,‏ فالملوك والحكام في تلك الأزمنة كانوا يحجبون عن الناس مشاكلهم
الصحية‏,‏ باعتبارها أشياء تخصهم ولا تخص غيرهم‏,‏ وهكذا أثبتت الأيام من
خلال الدراسات العلمية أن تلك الملكة كانت تحكم وتدير أمور مصر بنجاح
معتمدة علي شخصيتها وقدرتها علي الإدارة والانجاز وليس تشبها بالرجال‏.‏

لقد
أردت من سرد تلك الحقائق ان أؤكد أن المرأة المصرية كانت دائما لها باع
ودور بارز في الحياة السياسية المصرية مع مرور الزمن‏,‏ ولم يقتصر الأمر
علي تلك الفترة القديمة من التاريخ المصري‏,‏ بل إن البلاد شهدت أيضا حكما
لسيدة أخري هي شجرة الدر وكانت مصر في ذلك الوقت دولة إسلامية وهذا بدوره
يؤكد حقيقة أخري وهي أن الدين الإسلامي لم يكن يوما ما ضد مشاركة المرأة
في الحياة السياسية كما يدعي البعض من أعداء الدين الحنيف بل إنه في ظل
انتشار الإسلام في مصر تولت سيدة حكم البلاد‏.‏ وفي السنوات الأخيرة بدأت
المشاركة السياسية للمرأة المصرية تأخذ أشكالا عديدة فأصبحت وزيرة واشتركت
في الحياة الحزبية وتولت مناصب قيادية داخل تلك الاحزاب‏,‏ كما شاركت في
عضوية المجالس المحلية والنيابية من شعب وشوري بل باتت عنصرا مهما ومؤثرا
في عملية الاصلاح السياسي التي شهدتها البلاد خلال الفترة الأخيرة‏.‏

كل
هذا بالرغم من الظروف الصعبة والضغط الكبير الذي يقع علي المرأة
المصرية‏,‏ فهي تعمل طبيبة ومهندسة ومدرسة ومحامية ومحاسبة مثلها مثل
الرجل تماما وتؤدي نفس العمل بنفس درجة الاتقان والالتزام وفوق ذلك تعود
لمنزلها زوجة مخلصة وأما متفانية بل وفي معظم الأحيان مدرسة لأبنائها
وأحفادها وأقول كلمة حق لوجه الله تعالي إنه وفي ظل كل هذه الضغوط
الحياتية الثقيلة فإننا وبمتابعتنا لقضايا الفساد التي تكشفها يوما بعد
يوم الهيئات والجهات الرقابية لم نسمع عن وكيلة وزارة أو مديرة أو مستشارة
أو مسئولة في جهة حكومية تم اتهامها في تلقي رشوة أو نسب اليها قضية فساد
إداري أو خيانة للأمانة‏..‏ وما إلي ذلك من قضايا تمس النزاهة
والالتزام‏,‏ وان كان هذا قد حدث ذات مرة فإنه يكون الشيء النادر الذي
يصعب تكراره‏.‏

إن الهدف من سرد هذه الحقائق هو توضيح الوضع
السياسي والمجتمعي للمرأة في الماضي والحاضر المصري والذي يجب أن يكون
القاعدة لانطلاقها بقوة في ممارسة العمل السياسي من خلال مشاركتها في
الانتخابات التشريعية المقبلة لمجلس الشعب وذلك بعد أن جاءت التعديلات
الدستورية الأخيرة لتفتح الباب لتمثيل المرأة تمثيلا حقيقيا في المجالس
النيابية مما يتيح لإمكاناتها الكبيرة أن تلعب دورا مؤثرا في الرقابة
والتشريعات المختلفة التي تخدم قضايا المواطن المصري وحل مشاكله والنهوض
بمصرنا العزيزة‏.‏ وهنا يطفو علي السطح سؤال غاية في الأهمية‏:‏ هل جلوس
المرأة علي مقاعد البرلمان غاية أم وسيلة‏..‏؟ الاجابة ودون تردد أن
مشاركة المرأة في البرلمان المصري وسيلة وليست غاية‏,‏ فمشاركتها وسيلة
لتحقيق الغايات النبيلة من أجل حل مشاكلنا وتحقيق أحلام ابنائنا ولعلي
أكون واضحا عندما أقول إن المرحلة المقبلة سوف تشهد تحديين أمام وجود
المصريات بالبرلمان‏..‏ التحدي الأول هو مرحلة ما قبل الانتخابات والتحدي
الثاني هو مرحلة المشاركة البرلمانية بعد الانتخابات‏.‏

فالمرحلة
الأولي التي تسبق العملية الانتخابية تحتاج لأداء جديد من أجل الحصول علي
أصوات الناخبين واقناعهم بترشيح الأفضل والأقدر علي حل مشاكلهم المختلفة
بغض النظر عن الجنس أو النوع‏,‏ لا شك اننا كمجتمع مصري علينا أن نبرز
الأمثلة الناجحة من الآنسات والسيدات المصريات المتفوقات في اعمالهن
وعلينا تقديم النماذج الناجحة لهؤلاء اللاتي أفنين حياتهن بإخلاص من أجل
الناس ومن أجل النهوض بالقري والنجوع التي تربين في ربوعها‏.‏

إن
المسئولية مشتركة بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والإعلام الحكومي
والإعلام الخاص في تقديم الصورة الحقيقية للمرأة المصرية وبطريقة سهلة
ومقنعة للمواطن المصري البسيط‏.‏ وعلي جانب آخر من ذلك فإن هناك مسئولية
أخري للمرأة نفسها التي تنوي خوض الانتخابات‏,‏ فعليها الاستعداد بأساليب
جديدة مبتكرة ومختلفة عن الطرق التقليدية القديمة‏,‏ أن المرحلة المقبلة
تحتاج لمشاركة المرأة في ندوات ثقافية واجتماعية وصحية تطرح من خلالها
أفكارا جديدة لحل مشاكل المجتمع الذي تعيش فيه وذلك من خلال دعم الحزب
الذي تنتمي اليه فعليها أن تتواجد في المستشفيات والوحدات الطبية عليها أن
تزور الجمعيات الزراعية وتستمع لمشاكل الفلاحين‏,‏ عليها أن تقف في طابور
الخبز مع الناس فيشعرون بأنها منهم وتشعر بهمومهم‏,‏ عليها أن ترسم لأهل
دائرتها خريطة طريق للنهوض بمجتمعهم ولا مانع من أن تستعين بالخبراء لدعم
أفكارها‏,‏ عليها أن تشارك أهل بلدها أحزانهم وأفراحهم‏,‏ عليها أن تسأل
الأساتذة والعلماء في وضع حلول علمية لمشاكل دائرتها عندئذ سوف تحصل علي
ثقة الناخبين ويعطون أصواتهم بلا حدود‏.‏

أما التحدي الثاني وهو
مرحلة ما بعد الانتخابات والوجود علي مقعد البرلمان‏,‏ وفي رأيي أن هذه
المرحلة هي مرحلة عنق الزجاجة للانطلاق نحو مستقبل سياسي حقيقي للمرأة
المصرية‏,‏ فنجاح المصريات من خلال أدائهن ومشاركتهن الفعالة والقوية
لمناقشات المجلس خلال السنوات المقبلة وكذلك إظهار امكاناتهن الكبيرة في
طرح الأفكار الجريئة والفعالة لحل مشاكل المجتمع والتصدي بقوة لأي تجاوزات
والوقوف مع الحق وطرح الرؤي البناءة وعدم إضاعة الوقت في تقديم طلبات
التعيين والاستثناءات للوزراء والمسئولين‏,‏ كل ذلك سوف يفتح الباب علي
مصراعيه لاستمرار وجود المرأة بالمجلس بل سوف يؤدي بلا شك للحصول علي
مقاعد أكثر في المستقبل‏,‏ فالنجاح يولد النجاح‏.‏

إن المرأة
المصرية تستحق أكثر من كل ذلك فهي جادة متفانية تعشق خدمة الناس‏,‏
ووجودها بصورة فعالة في الحياة السياسية يصب في مصلحة المواطن الذي هو زوج
وأخ وابن وقبل كل ذلك أب يحنو علي ابنته‏,‏ يمد يد العون لها وهي صغيرة
ويحتاج حنانها ودعمها وهي كبيرة‏.‏