المزدوج Duplicity الجاسوسية في طبعه جديدة

المزدوج Duplicity الجاسوسية في طبعه جديدة
متعة النظر لسيناريو مصقول وتكنيك باهر وممثلين بارعين
العوالم الشيطانية للشركات متعددة الجنسيات

البطلان الرئيسيان -جوليا روبرتس وكلايف
أوين اللذان تحيلان أفيش الفيلم الأمريكي "المزدوج" Duplicity كافيان لكي
تتوقع قضاء وقت مسل تستمتع فيه بصحبة ممثلة مبدعة علي طريقتها. خفيفة.
قوية. جادة وهازلة. جميلة مسيطرة بامتياز علي الشخصية التي تلعبها سواء
كانت غانية أو محامية. أو جاسوسة. أو... تلعبها هذه الشخصيات بأداء مفعم
بالتلقائية والحس الطبيعي فلا تملك إلا أن تصدقها.

جوليا روبرتس ممثلة قريبة من القلب. لا يختلف علي ذلك اثنان. متنوعة
الأسلوب. متجددة في كل مرة تشاهدها. تخرج بعد العرض وأنت تصحب معك الشخصية
التي جسدتها ومنحتها هوية مستقلة.. فهي ممثلة من الكوادر السوبر. قادرة
علي التفاعل والاندماج بحسابات دقيقة وردود أفعال تعكسها الملامح والضحكة
والحركة والتكوين الجسماني الفارع وحتي الفم الواسع والشفايف الغليظة.

وعندما تقف أمام أي ممثل. يبدو الاثنان وكأنهما خلقا لبعضهما سواء في
هذا الفيلم مع كلايف أوين أو مع نجم آخر.. لا ننكر بالطبع دور المخرج
وقدراته كمايسترو ومدير وموجه وصانع روح الفيلم وبنائه في نهاية الأمر.

ولكن ما لفت نظري واستحوذ علي انتباهي في هذا الفيلم إلي جانب
شخصياته الرئيسية والثانوية. انه نوع آخر أكثر تحديثا من أفلام الجاسوسية.
غير النوع المألوف.. اننا هنا بصدد جاسوسية من طراز مناسب للعصر الذي نعيش
فيه ولا نري كثيراً من أركانه البعيدة. وأنا أعني عصر الشركات العملاقة
متعددة الجنسيات. التي تستعين بشبكة من الجواسيس مثلها مثل الدول تحتاج
إلي من يحمي أسرارها ويتلصص علي أسرار منافسيها. فالصراعات تتطلب الضرب
تحت الحزام والقتل إن اقتضت الضرورة واستخدام أعقد أنواع التكنولوجيا
وأكثر حداثة لكي تؤمن مخترعاتها في مجال صناعة العقاقير. والغذاء
ومستحضرات التجميل وحتي السلاح وتخليق المخدرات شركات تعمل برأسمال قريب
من ميزانيات الدول الصغيرة التي تعتبر مجرد "بساريا" في بحر الحيتان
الضخمة.

سيناريو صعب


وسط هذا المناخ المتداخل. الغريب. المثقل بالتآمر والخداع والحيل
الخبيثة المبتكرة تتحرك "كلير" "جوليا روبرتس" العميلة في جهاز المخابرات
الأمريكي السي آي إيه. و"راي" "كلايف أوين" العميل في المخابرات
البريطانية إم 6 والاثنان أساطين كبار بمرتبة عالمية من حيث الكفاءة
والقدرة علي الحركة وسرعة البديهة وابتكار حيل المراوغة والكذب و......

الاثنان كلير وراي يلتقيان في مبني السفارة الأمريكية في دبي أثناء
الاحتفال بعيد الاستقلال الأمريكي 4 يوليه 2003 ولم يكن اللقاء كما يظهر
عفويا. ولن يكون الأخير.. فالعميلان لديهما مهمات مزدوجة ويعملان لحساب
شركات عملاقة بينها حروب باردة سرية ومعلنة حول السيطرة علي الأسواق
بمنتجات تعود بمئات المليارات.

بعد سنوات قليلة يلتقي الاثنان ثانية. فلم يكن من الممكن أن تهرب
"كلير" بفعلتها في "دبي" عندما مثلت دور المرأة البريئة. ثم المفتونة
بوسامة راي. يتفق الاثنان علي شراكة وتأسيس شركة مستقلة بعد السطو علي
مخترع جديد يبيعانه لإحدي الشركات المنافسة بمبلغ طائل. الأمر الذي يعني
الدخول في مخاطرة قد تنتهي بتصفيتهما. ولكن ما نراه لا يعني اننا نتابع
حقيقة ما يجري.. والاتفاق القائم بين الاثنين. قائم حقيقة علي انعدام مطلق
للثقة المتبادلةوالحب في هذه الأجواء الملبدة بغيوم الرياء والخديعة.
وانعدام الثقة والشكوك. لا يمكن أن ينمو. وإذا ما حدث فكيف نثق في صدق ما
نراه و...

لا تصدق مشاهد الجنس. ولا اللقاءات الرومانتيكية التي تحيط بها مظاهر
الثراء والأبهة والجمال. ولا لحظات المرح ولا الحوارات المكتوبة بحرفنة
عالية. ولا حتي الاختبارات التي يتفنن الاثنان في ابتكارها.

لكن الفيلم يضعك في اختبار دائم لقدرتك علي التركيز والإمساك بالتفاصيل واللهاث وراء بطلين جاسوسين من أساطين هذا العصر وأبطاله.


ولست أدعي أنني أمسكت بكل خيوط سيناريو هذا الفيلم الملغز المحير الذي
تتوه في بحاره وأسفار أبطاله المتعددة والذي يستحضر بالصورة الحية
والشخصيات القوية الواقعية أجواء عالم لا يستطيع خيالنا أن يلم بكل
تفاصيله أو يتصور دهاليزه ووعورة الطرق المؤدية إليه. وخباياه. وتركيبة
الشخصيات الشيطانية التي تديره.. والأدمغة التي تخطط وتبتكر اختراعاته
وتديره فهو عالم مزيج من المافيا وأعضاء السلك الدبلوماسي والعصابات
الارهابية وقواد الحروب. والسيناريو يوحي بهذا كله وفي مشاهد بليغة منذ
الوهلة الأولي.

لاشيء يبدو من ظاهره. ولاشيء من الظاهر يوحي ببواطن الأمور. ولا توجد
حقيقة يمكن الإمساك بها. ولا خيط يمكن فصله من شبكة الخيوط العنكبوتية
المتداخلة الناعمة. التي تمتد عبر عواصم العالم العربي والغربي والأمريكي.
وبين قصور وفنادق ومباني هذه الشركات بمعمارها المعقد والمتطور جدا..
فالأشياء لها أكثر من وجه وأكثر من حقيقة ولا شيء آمن ولا ثقة في أحد.
الشخصيتان كاذبتان حتي النخاع. وبكفاءة يرسم السيناريو تفاصيلها ببراعة.

إن السيناريو بهذا المستوي. والإخراج بهذا القدر من الحرفية والإبهار
التكنيكي يكشف عن الفارق الشاسع والذي لا يمكن اللحاق به بينما يستطيعه
مخرج وكاتب مثل تيوني جيلروي وبين ما نقدمه نحن هنا في نفس المجمع
السينمائي وفي صالة العرض الملاصقة.