هل الإعدام هو الحل؟ بقلم: شريف الشوباشي

من طرف سامح المسامح الأربعاء مايو 20, 2009 6:03 pm

هل الإعدام هو الحل؟
بقلم: شريف الشوباشي

طالبت
في مقالي السابق بإلغاء الإعدام في مصر أسوة بغالبية دول العالم ومن بينها
العديد من البلدان الإسلامية‏.‏ وفي رأيي أن عقوبة الاعدام لا ينبغي أن
تطبق إلا في ظروف الحرب‏.‏ وقد حاولت في المقال السابق تفنيد أهم الحجج
التي يسوقها من يتمسكون بالإعدام واهما أنها عقوبة رادعة‏,‏ وأنه يشفي
غليل آهالي القتيل أوالضحية ويبرد النار التي تحرقهم‏.‏

ولعل السبب
الذي دعا نحو‏70%‏ من دول العالم الي الغاء أو وقف تطبيق الإعدام هو ان
هذه الوسيلة لتحقيق العدالة بها من القسوة والوحشية ما لا يليق بإنسان
القرن الحادي والعشرين‏,‏ وأعلم أن الرد الجاهز علي ذلك هو ان المجرم
يرتكب جريمته بوحشية وبربرية ويدمر حياة أسر الضحايا‏.‏ لكنه لا ينبغي ان
نقيس تصرفات الدولة بتصرفات الأفراد وإلا فإن هذا المنطق قد يأخذنا بعيدا
ويجرنا الي متاهات ومطبات قانونية خطيرة‏,‏ فالانسان قد يكون مختل العقل
أو بداخله شر كامن فيقدم علي القتل والجريمة‏..‏ أما الدولة فلا يجوز ان
تكون فاقدة للعقل او أداة للانتقام‏.‏ ومن هذا المنطلق فقد ارتفع عدد
الدول التي ألغت الإعدام فعليا او رسميا الي‏139‏ دولة كانت آخرها بورندي
في‏22‏ ابريل الماضي‏.‏ ويكفي التعرف علي سرعة التطور في هذا المجال أن
نعلم أن عدد الدول التي كانت تحظر الإعدام في‏1977‏ لم يكن يتجاوز‏16‏
دولة فقط لاغير وكان الإعدام في الماضي وسيلة تكاد لا تحكمها ضوابط وذلك
في عصور كانت حياة الانسان فيها رخيصة‏,‏ وقد تم إعدام الملايين في اوروبا
منذ القرون الوسطي وحتي القرن التاسع عشر لأسباب قد لا تصدق اليوم من
بينها سرقة قطعة خبز او قتل حمار او قطع شجرة‏.‏ وفي القرن الثامن عشر
كانت هناك بانجلترا‏222‏ تهمة تستوجب عقوبة الإعدام‏.‏ وفي عام‏1708‏ تم
شنق طفل يدعي مايكل هاموند عمره‏7‏ سنوات وشقيقته آن‏(11‏ سنة‏)‏ في لندن
لاتهامهما بالسرقة‏.‏

بل إن الاعدام كان يتم بناء علي رغبة الحاكم
أو نزواته دون أي سند من القانون‏.‏ وقد قطعت ملايين الرءس لأسباب تتعلق
بالسياسة والحكم بعيدا عن ساحات الحرب‏.‏

وكانت وسائل الإعدام تعكس
وحشية المجتمعات الإنسانية فكان هناك الصلب والحرق والخنق وفصل الأعضاء عن
طريق اربعة خيول قوية مربوطة بأيدي وأرجل المحكوم عليه‏,‏ وفي الصين كانوا
يقطعون جسد المحكوم عليه بالتدريج قطعا صغيرة قد تصل الي الف قطعة قبل ان
يموت في عذاب مروع‏.‏ وظلت هذه الوسيلة معمولا بها هناك ولم تلغ نهائيا
إلا في عام‏1905.‏ وكانت مناطق كثيرة في اوروبا تجعل جسد المحكوم عليه
يتدلي من حبل ثم ينزلونه ببطء في إناء كبير من الزيت المغلي‏,‏ وفي فرنسا
وضع شخص شتم الملك لويس الرابع عشر في قفص حديدي صغير الحجم لا يستطيع ان
يقف فيه وان ينام ومكث به‏15‏ عاما كاملة حتي مات‏.‏

وقدعرفنا في مصر الخازوق عن طريق الاتراك وكان وسيلة مروعة للموت يقاسي فيها المحكوم عليه بما لا يرضاه دين أو ضمير‏.‏

وعلي
الرغم من كل هذه الوسائل فقد كانت الجريمة متفشية ولم تختف السرقة ولا
القتل بل كانت الجرائم اكثر من الآن عشرات إن لم يكن مئات المرات‏.‏

ومع
رقي المجتمعات وتحضرها اختفت هذه الوسائل البشعة شيئا فشيئا كما انحسر عدد
التهم التي توجب الإعدام في قوانين الدول‏,‏ لأن التطور ازاء الإعدام لم
ينته عند هذا الحد حيث اكتشفت غالبية الدول ان الاعدام ليس الحل القانوني
ولا الانساني الملائم للجرائم التي يقترفها المجرمون علاوة علي انه لا
يؤدي الي التقليل من عدد الجرائم كما تثبت الاحصائيات التي تقارن بين
الدول التي ألغت هذه العقوبة والأخري التي تبقي عليها‏,‏ هذا بالاضافة
للحجج التي سقتها في مقالي السابق‏.‏

ومنذ‏1973‏ تمت تبرئة‏130‏
أمريكيا حكم عليهم بالاعدام وكانوا ينتظرون تنفيذ الحكم فيهم‏,‏ وكان
لاستخدام‏(‏ الدي إن إي‏)‏ وهي البصمة الجينية للإنسان كواحدة من أهم
الأدلة الجنائية منذ نهاية الثمانينيات دور كبير في كشف براءة بعض
المتهمين ولو تم استخدام‏(‏ الدي إن إيه‏)‏ في القضايا التي تم الحكم فيها
في مصر أو في أي بلد آخر فسوف يتضح ان هناك ابرياء تم إعدامهم ظلما‏.‏ قد
يكون عددهم ضئيلا نسبيا لكنهم لو كانوا مسجونين لأمكن اخراجهم
وانصافهم‏..‏ أما الأموات فلا يمكن إعادتهم الي الحياة‏.‏

ووفقا
لمنظمة العفو الدولية فقد تم تنفيذ حكم الإعدام في‏2390‏ شخصا علي اقل
تقدير خلال عام‏2008‏ أكثر من نصفهم في الصين تليها إيران ثم السعودية
والولايات المتحدة وباكستان‏..‏ كما ان هناك‏20‏ ألفا محكوم عليهم في
العالم ينتظرون تنفيذ الحكم‏..‏ فكم من كل هؤلاء ابرياء ؟

ولأن الإعدام عقوبة قاسية فماذا كان موقف نبي الرحمة منها في حياته ؟‏.‏

للحديث بقية

cherifchoubachy@yahoo.fr