نتنياهو أوباما.. حوار طرشان! بقلم : محمد علي إبراهيم

حكايات أسبوعية
بقلم : محمد علي إبراهيم

نتنياهو أوباما.. حوار طرشان!


خطة إسرائيل.. استدراج حزب الله إلي حرب جديدة




ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو إلي أمريكا لمقابلة الرئيس
الأمريكي أوباما.. حدث اللقاء ولم تحدث النتيجة! إنها إحدي المرات القليلة
في التاريخ التي لا يتحدث فيها رئيس حكومة إسرائيل والرئيس الأمريكي نفس
اللغة.. بل ونفس الكلمات والمرادفات.

صحيح ان هناك التزاما أمريكيا بأمن إسرائيل وهو أشبه بالوعد المقدس..
صحيح ان كل رئيس أمريكي يجدد التعهد به كنوع من الولاء للوبي الصهيوني أو
لطمأنة اليهود في أمريكا وخارجها.. لكن الأهم من وجهة نظري ان واشنطن لم
تعلن مثلا انها وإسرائيل في خندق واحد ضد امتلاك دول لأسلحة دمار شامل في
المنطقة.

محادثات نيتنياهو أوباما أظهرت علي الأقل ان الحوار بين الحليفين
الرئيسيين في الشرق الأوسط لم يكن دافئا.. عادة أول حوار يمتاز بالدفء
والحفاوة. لكن يبدو أن هذا الحوار لم يجد نقطة التقاء يرتكز إليها.

الإدارة الأمريكية الحالية سيكون بينها وبين حكومة إسرائيل نقطتا
خلاف جوهريتان ستجعلان المحادثات المستقبلية تبدو وكأنها حوار طرشان..
النقطتان هما الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية.

بخصوص الملف النووي الإيراني.. يلاحظ القارئ الفطن أن أوباما ليس
بوش.. فالرئيس السابق كان يلوح دائما باحتمال ضربة عسكرية يوجهها إلي
إيران لمعاقبتها علي جرأة امتلاك القدرة النووية حتي لو كانت لغرض سلمي.

لم يعلم نيتنياهو ان الدنيا تغيرت.. لذلك حاول أن يجعل الرئيس أوباما
يفهم ان التهديد للدول العربية والشرق الأوسط والعالم يأتي من طهران وليس
من تل أبيب.. وبخصوص اقامة الدولة الفلسطينية أفاد نيتنياهو رضي الله عنه
ان العيب في تعثر السلام يرجع للفلسطينيين المنقسمين علي أنفسهم. كما انه
اشترط لاستمرار التفاوض معهم ان يعترفوا بيهودية إسرائيل.. أما حكاية
"الدولة" فلم تجئ علي لسانه قط.

المشكلة تكمن في "يهودية" الدولة.. أوباما يطالب بوقف الاستيطان الذي
سيؤدي في النهاية إلي فصل الضفة عن غزة وقيام كتلة استيطانية يهودية فيما
بينهما.. نيتنياهو وليبرمان لا يريدان سلاما ولا دولة فلسطينية علي
حدودهما بل انهما يعتزمان ترحيل العرب الإسرائيليين.

لأول مرة يقول رئيس أمريكي لرئيس حكومة إسرائيل أشياء لا تناسبه..
أولا: بالنسبة لإيران أكد أوباما بوضوح ان الطريقة السابقة "إدارة بوش"
للتعامل مع إيران فشلت لأنها أدت لتقوية حماس وحزب الله وبالتالي فلا خير
من الانتظار لمعرفة ما تسفر عنه الانتخابات الإيرانية وبدء الحوار المباشر
مع الحكومة الجديدة مع اعطائهم فرصة حتي نهاية العام نقيم بعدها ما جري
ومعرفة إذا ما كنا سنحارب أو سنفاوض.

بالنسبة للوضع الفلسطيني يريد نيتنياهو أن يحصل علي نتيجة محددة وهو
أن يعلن رئيس وزراء إسرائيل قبوله بدولة فلسطينية.. لكن المسئول اليهودي
ماكر ويريد أن يلعب لعبة القاء الكرة في الملعب العربي وهذا ليس مستبعدا..
خطة إسرائيل الحالية هي استدراج حزب الله أو حماس إلي مواجهة.. وحزب الله
هو الأقرب.. فالوضع في لبنان هش.. الانتخابات علي الأبواب.. ربما يفوز أو
يخسر وفي الحالتين المناخ سيكون مهيئاً لحرب علي لبنان أو حتي علي غزة
التي تأخذها إسرائيل كذريعة لعدم اتمام السلام.

أوباما يعلم ان التهديد الإيراني علي المنطقة حقيقي. لكن هذا التهديد
لن يكون انهاؤه عن طريق الحرب.. أي ضربة عسكرية أمريكية إسرائيلية ضد
إيران. أو حتي إسرائيلية فقط فستجلب كارثة علي المنطقة.

المشكلة ببساطة شديدة بين أوباما ونيتنياهو ان هناك منهجين مختلفين..
أوباما يحلم ب "دبلوماسية المقايضات" وتوظيفها علي أكثر من جبهة.

بمعني آخر هل سينجح أوباما بتقليم اظافر طهران وإنهاء طموحها النووي
أو تحويله سلميا؟ إذا نجح فسيرغم نيتنياهو علي الدولة الفلسطينية وتحريك
ملف السلام.

من جهة ثانية ربما يسعي أوباما لمقايضة إيران من خلال الاعتراف
بوضعها كقوة اقليمية كبري وتطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران في سابقة
تاريخية لم تحدث منذ 30 عاما وذلك في مقابل تخلي إيران عن الملفين
الفلسطيني واللبناني.. وهناك مقايضة أخري لسوريا ان تفك ارتباطها بإيران
وحماس في مقابل ادماجها مع دول المنطقة.. ومن ثم فرغم صعوبة الملفات في
الشرق الأوسط. فإن مهارة أوباما ستكمن في أن يرغم نيتنياهو علي انتظار رد
الفعل الأمريكي.. واشنطن في رأيي لن تسمح لإسرائيل بأخذ المبادرة في
المرحلة القادمة علي الأقل.








القمح .. وعيده !



يحتل القمح مكانة هامة في الثقافة المصرية.. فنحن نربط أي
شيء بالعيش أو الخبز فنقول ناكل "عيش وملح".. وعندما نحترم قيمة العمل
نقول إننا نحترم "لقمة العيش".. وعندما نتحدث عن الرضا أو الاستسلام لعمل
لا يوافقنا تماماً ولكنه المتاح فنقول "خلينا ناكل عيش".

لكن الذين أطلقوا هذه الأمثال الشعبية عاشوا في زمن كانت مصر تحقق
الاكتفاء الذاتي من القمح ولا تعرف الاستيراد.. الآن هناك أقماح كثيرة في
السوق المصرية.. وكل قمح له جواز سفر أو جنسية تدافع عنه.. وربما يصل
الأمر إلي حرب ضروس بين المستوردين وضرب تحت الحزام هذا ينتصر لقمحه وذاك
للبلد الذي انطوي تحت لوائه.

المشكلة التي نقرأ عنها في الصحف الآن وتلوكها الألسن علي القنوات
الفضائية هي أن الدولة استوردت قمحا روسيا فاسدا وانه غمر الأسواق وهو ملئ
بالسوس والحشرات الزاحفة.

وقبل أن أتحدث عن مستوردي القمح في بلادي يهمني التأكيد علي أن مصر
زبون "ممتاز" في السوق العالمي.. فهي تستورد 6 ملايين طن من القمح
سنوياً.. وتدفع نقداً.. "كاش" في وقت تشتد فيه الأزمة المالية.. هي زبون
"سُقع" مثلما يقولون.

فيما مضي كانت مصر تستورد قمحاً من أمريكا والدول الأخري لكن كان
للولايات المتحدة النصيب الأكثر حيث بلغ 65% من قيمة ما تستورده مصر..
ولعلنا نذكر في السنوات العجاف أن مصر لم تكن تملك عملة صعبة تشتري بها
نقداً.. كانت تلجأ للاستدانة أو المعونات.

ثم حدث الإصلاح الاقتصادي وأصبحت الدولة تملك قرارها.. نقودها في
جيبها وتشتري من أي تاجر يعجبها.. وفي حديث سابق مع الصديق العزيز المهندس
رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة أكد لي ان القمح هو قضية أمن قومي
لمصر لا يمكن أن نتغافل عنها.. الآن القمح الأمريكي لا يمثل سوي 25% فقط..
هناك القمح الروسي الذي أصبح فجأة يحتل النسبة الأكبر من السوق حيث تقدر ب
50%.. يليه القمح الفرنسي ثم الكندي.. كانت هناك محاولات لشراء قمح من
أذربيجان وأوكرانيا وغيرهما ومازالت في مراحلها الأولي.. تم إطلاق كم كبير
من الشائعات حول القمح الأوكراني في إشارة واضحة إلي أن هناك من يريد طرد
أي نوع قمح جديد من القمح.. توقف استيراد القمح من أوكرانيا.. وهكذا أصبح
استيراد القمح عبارة عن حرب ضروس تستخدم فيها الصحافة ووسائل الإعلام وبعض
السياسيين ويقال أن ذلك يتم لحساب بعض المستوردين..

ورغم أنني لا أميل إلي تصديق الشائعات التي تقول إن الحرب الطاحنة
التي تشتعل ضد أنواع الأقماح الأخري سببها التجار المستوردون للقمح
الأمريكي لأنهم يريدون احتكار السوق مرة أخري. إلا أن هناك دلائل علي أن
حرباً حقيقية تدور علي تنويع مصر لاستيراد القمح..

توفير القمح للمصريين مسألة أمن قومي 100%.. نحن نستهلك 14 مليون طن
قمح.. ننتج 8 ملايين ونستورد الباقي.. ولولا السياسة التي تتبعها وزارة
الصناعة وهيئة السلع التموينية في تنويع مصادر القمح لأصابتنا أزمة طاحنة
بعد ارتفاع أسعار القمح إلي مستوي لم يصل له من قبل.. لو كنا مقتصرين علي
بلد واحد نستورد منه لارتفع سعر القمح جداً ولعانينا.

ليس سرا أن كافة رسائل القمح المستوردة بها شوائب وحشرات وحشائش..
وليس صحيحا أيضا أن الحكومة تتجاوز عن نسبة من الشوائب في القمح الروسي أو
غيره لانه منخفض الثمن.. المعايير التي تعلنها هيئة السلع التموينية واحدة
للجميع.. والهيئة دورها تجاري فقط أما الافراج عن شحنات القمح فيتبع
وزارتي الصحة والزراعة وغيرهما.

وإذا ثبت أن الحجر الزراعي أفرج عن الشحنة الروسية "52 ألف طن"
باستسهال معين أو بغض النظر عن بعض المواصفات فهذا يستحق المحاسبة.. لكني
لا أتصور أن الحجر يمكن أن يتساهل مع الروسي ويتشدد مع الأمريكي
والفرنسي.. قواعد الافراج واحدة لكل أنواع القمح.

علي أية حال ليس في نيتي استباق نتائج تحقيقات النائب العام ولكني
اهدف الي القول بأنه من المهم معرفة إذا كانت هذه العينات قد تم أخذها من
الصوامع قبل دخولها أم بعد خروجها.. وهل الحشرات التي وجدت بها حية أم
ميتة!

لو كانت الحشرات حية فلابد أن تكون هناك محاسبة فورية. لأن المتبع
عند وصول الشحنات للميناء أن يصعد مندوبون علي السفن قبل تفريغها.. فإذا
وجدوا حشرات حية تعود الشحنة.. أما إذا كانت هناك حشائش فاسدة وخلافه
فالافراج يتم تحت التحفظ.. بعد ذلك تتم الغربلة وهذا شيء طبيعي بعده يخرج
القمح للمطاحن.

المصلحة الوطنية تقتضي أن نستمر في تنويع مصادر استيراد القمح..
وحرصا علي قطع الطريق علي بعض هواة الاستعراض والتشكيك في اجراءات الحكومة
فلابد من الآن فصاعداً أن نعلن عن أسماء السفن التي تعيدها السلطات
الصحية.. فهذا سيؤكد سلامة الاجراءات ويطمئن المصريين أن هناك اجراءات تتم
علي أعلي مستوي للحفاظ علي صحتهم.. ليس هناك مصلحة في قبول قمح فاسد..
وإذا ثبت أن الحكومة تريد القضاء علي المصريين كما تقول صحف المعارضة
فلابد أن يثبت ذلك في تحقيقات أم أن نتطوع بالهدم والشائعات.. فهذا لايخدم
إلا هدفا واحداً.. مستوردو القمح الأمريكي.. براءة شحنات القمح الروسي إذا
ثبتت يجب أن تحتل مساحة كبيرة ومانشيتات في نفس الصحف التي ساقت
الاتهامات!

ونتمني أن يجئ يوم يغني فيه الفلاح للقمح المصري وعيده ونتوقف عن الاستيراد نهائياً..