لا نريده كلاماً معسولاً.. بل نريد أمريكا عادلة!!بقلم :علي هاشم

بقلم :علي هاشم
E-mail:alyhashem@gitc.com.eg
لا نريده كلاماً معسولاً.. بل نريد أمريكا عادلة!!

* مَنْ كان يصدق أن يأتي يوم تفرض فيه
إسرائيل شروطها بكل هذا الصلف والغرور.. ومن كان يتصور قبل ستين عاماً وهي
عمر النكبة أن يشترط نتنياهو علي العرب أن يعترفوا أولاً بإسرائيل كدولة
يهودية قبل استئناف أي مفاوضات معهم وهو ما جعل صحيفة التايمز الأمريكية
تدعو العرب لتقديم إغراءات وتنازلات لإسرائيل مقابل أن تتوقف الأخيرة فقط
عن بناء مستوطنات جديدة في فلسطين.

* لم يكن أكثرنا تشاؤماً يتوقع أن ينفلت زمام الأمور من أيدينا علي
هذا النحو المزري. حتي فقدنا السيطرة علي أنفسنا. وأطلقنا العنان
لخلافاتنا لتأكل ما بقي من مقاومة للمحتل الغاصب وأضعنا بتفرقنا كل أوراق
التفاوض.. لكن السيناريو الأسوأ لم يأت بعد.. وهو ما تنبأ به البعض. وشهد
به شاهد من أهلها وهو الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في كتابه المهم
"السلام لا الأبارتيد" حيث يعترف فيه بأن: "إسرائيل لا تريد سلاماً مع
العرب. ولا أحد يجرؤ علي الاعتراف بذلك. فرؤساء أمريكا يعيشون في رعب
مقيم. خشية انتقام إسرائيل. وأن ما طرح من حلول تستعصي علي التحقق. لأن
الحل التاريخي لا يتوافر في الأفق. نظراً لميل موازين القوي في صالح
المحتل. وغياب الإجماع بين المحتلة أراضيهم وعجز الإرادات العربية
والإقليمية والدولية عن فرض رؤية عادلة للتسوية.. وأن قادة واشنطن ومفاوضي
أوروبا والشرق الأوسط أفشلوا مباحثات السلام.. ولا سلام دون الاعتراف
بحماس.. "فهل نعيد قراءة الواقع في ظل هذه المعطيات"؟!

* ربما كان كارتر محقاً في جزء مما ذهب إليه في كتابه عن تلكؤ
إسرائيل وتلككها في عملية السلام وهو ما أهاج اللوبي اليهودي الأمريكي
ضده. رغم ما عرف عن كارتر من أنه "عراب" اتفاقية كامب ديفيد. واعترافه بحق
إسرائيل في الوجود. وإدانته العمليات الاستشهادية من جانب المقاومة.. وعلي
النقيض من ذلك تماماً.. ومع مقدم أي رئيس أمريكي جديد للبيت الأبيض يخرج
علينا وزراء الخارجية العرب بكلام باهت وعبارات مكررة عقب كل اجتماع
يؤكدون أن "الاتصالات العربية التي جرت مع الإدارة الأمريكية أظهرت مؤشرات
إيجابية في سياستها تجاه عملية السلام حتي تكون منصفة تحترم الشرعية
الدولية".. وهو بلا شك خداع بل امتهان لكل عقل عربي.

* وأياً كان الأمر فالعالم كله علي موعد مع خطاب أوباما التاريخي من
قلب القاهرة في يونيو المقبل. وهو خطاب موجه بالأساس إلي العالم العربي
والإسلامي. وسواء ألقاه من صحن الأزهر أو من جامعة القاهرة أو من قاعة
المؤتمرات الدولية.. نتمني أن يدشن به أوباما لمرحلة تاريخية فاصلة تعيد
التوازن المفقود لعلاقة أمريكا بالعرب والمسلمين. وتحسن الوجه الذي قبحه
بوش بجرائمه وانحرافاته وانتهاكه لحقوقنا.. ربما تلوح مبشرات في أفق
السياسة الأمريكية في عهد الإدارة الجديدة. بدأت فعلياً بلقاءات أوباما مع
ملك الأردن عبدالله الثاني الذي عرض استعداد 57 دولة عربية وإسلامية
للاعتراف بإسرائيل مقابل تخليها عن الأرض العربية المحتلة.. وهو ما لم يلق
استجابة إسرائيلية تذكر.. فماذا بوسع العرب أن يقدموا أكثر من ذلك؟!.. ثم
يلتقي أوباما أيضا برئيس وزراء إسرائيل.. وخلال ساعات قليلة يلتقي أيضا
بالرئيس حسني مبارك فهل يعي أوباما أن معسول الكلام لم يعد ينطلي علي
العالم العربي شعوباً وحكاماً. فهم ينتظرون شيئاً آخر غير الوعود والعهود
والكلام.. هم ينتظرون حلاً حقيقياً لمعضلة الصراع العربي الإسرائيلي الذي
لم يعد يحتمل الانتظار أو التأجيل. فالمنطقة معرضة والحال هكذا لانفجار
حقيقي في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة لا تقبل بل لا تريد حلولاً عادلة
منصفة للقضايا العربية وترفض التفريط فيما اغتصبته من أراض عربية.. نتمني
أن يحسن أوباما استثمار الفرصة الراهنة وأن يقدم طروحات واقعية تقبل
التنفيذ علي الأرض وأن يلتزم بأجندة واضحة المعالم. شفافة الأهداف
والغايات. منصفة الحلول. وأن يتخلي تماماً عن انحياز أسلافه المطلق
لإسرائيل وهضم الحقوق العربية.. فإذا أراد أن يصدقه الشارع العربي
والإسلامي. فعليه أن يتحرر أولاً من الإنحياز المسبق والأعمي لإسرائيل.
وأن يتبني خطاباً مغايراً يضع المصالح المشتركة في الاعتبار سواء فيما
يتعلق بحماية إسرائيل أو ضمان تدفق نفط العرب إلي بلاده أو تعبئتهم في أي
مواجهة مرتقبة مع إيران. فإن كان يبحث في الأساس عن مصالح بلاده فلابد
أيضا أن يراعي المصالح والحقوق العربية. وهو ما أعلنه من قبل في خطاب
التنصيب الرئاسي.

* نحن لا نطلب أن تنحاز أمريكا إلينا مطلقاً أو تلغي إرادتها كما
تفعل معها الآلة الصهيونية وجماعات الضغط اليهودية. بل غاية ما نتمناه أن
تكون عادلة ووسيطاً نزيهاً بيننا وبين إسرائيل. وكما دافعت عنها مراراً
بالحق والباطل ينبغي أن تراعي حقوقناً كذلك. فنحن أمة كبيرة ذات تاريخ
وحضارة عريقة ولن يتحقق سلام عادل مادامت أمريكا تسبغ حمايتها المطلقة علي
المعتدين الإسرائيليين. وتعاقب في الوقت ذاته شعباً أعزل.. علي جريمة لم
يرتكبها.. فنحن لا نرجو إلا المساواة والعدالة وتطبيق روح الدستور
الأمريكي الذي يأبي عقاب الأبرياء وانتهال حوق الإنسان أياً كان لونه أو
جنسه أو عرقه أو دينه.

* وليعلم الرئيس القادم إلينا أن الأمن والسلام والقضاء علي الإرهاب
لن يتحقق طالما تصر إسرائيل علي فرض شروطها الجائرة. وتحتل أرضاً عربية.
وتمعن في فرض حصار جائر وتجويع شعب أعزل فلتكن البداية بعودة الأرض
المغتصبة لأصحابها. وعودة المشردين إلي ديارهم ورفع الحصار والسجن والجوع
والبطالة والعزلة والقتل عن شعب فلسطين. وهو ما لم يتجرعه بهذه القسوة شعب
آخر علي مر التاريخ.. أليس من حق الفلسطينيين أن يتوقف الإرهاب الإسرائيلي
أولاً ثم نحتكم إلي العقل والمنطق والعدالة إذا أردنا تحقيق السلام.. هذا
هو الاختبار الحقيقي لأوباما إن أراد إصلاحاً.. فلا تكفي الأمنيات
والأفكار والمشاريع المؤجلة والآمال المعلقة. فالأهم أن تتحول كلها أو
بعضها إلي أفعال تعالج الأزمة من جذورها.

* وعلي الإدارة الأمريكية الجديدة إن كانت حقاً صادقة في تسوية
النزاع في الشرق الأوسط أن تنطلق أولاً من مبادرة السلام العربية وخارطة
الطريق فيما يخص علاقة العرب بإسرائيل.. أما الملف النووي ومخاوفها من
طموح إيران فلابد أن تتبني معايير واضحة لإخلاء المنطقة كلها من أسلحة
الدمار الشامل لا فرق بين إسرائيل وغيرها.. أما فيما يتعلق بنا فلا يملك
أوباما حلولاً سحرية لمشاكلنا وقضايانا ولن تسمح له إسرائيل وجماعات الضغط
اليهودية بالانتصاف للعرب طالما نحن غائبون منقسمون متصارعون.. ولن يحارب
أحد معركتنا.. فالآخر لا يؤمن إلا بالأمر الواقع فهل نحن قادرون علي
العودة للتأثير وكسب المواقف وتعديل المسارات وانتزاع حقوقنا المشروعة أم
تفوت تلك الفرصة التاريخية كما فات غيرها ونعود نتباكي.. ولات ينفع
الندم!!